قانون مالية 2024: ميزانيات العجز الدائم

ميزانيات العجز الدائم(1)

بقلم وليد بسباس

وليد بسباس – باحث شيوعي

ينطلق العرض بمنديل يلوّح به الساحر أمام أعيننا ثم تخفيه يداه البارعتان. يمشي ويجيء على الركح ويتحدّى أنظارنا بحركاته السريعة. نتساءل جميعنا أين أخفى ذلك المنديل؟ ولا نجد الإجابة، إلى أن يفاجئنا بأن يخرج المنديل من معطف أحدنا… ويذكّرنا بأن من يريد تقفّي أثر المنديل لا يجب أن تشتت انتباهه حركات المشعوذ.

في مسرح آخر، حان الموعد السنوي لتقديم ميزانية الدولة، وهو المشروع الذي تتقدّم به الحكومة للبرلمان لبيان برنامج مداخيلها ومصاريفها للسنة الموالية ملوّحة أمامنا بمنديل نسب النمو ووعود الرفاه. ويرافق تقديم هذا البرنامج افتتاح الموسم السنوي لرياضة “الدولة ماعندهاش فلوس”، ونرى ونسمع هنا وهناك بكائيات هذا الوزير أو ذاك لعدم توفر الموارد والإمكانيات اللازمة ووجوب اتباع سياسات التقشف. وتقوم خلال هذا الموسم جحافل الخبراء والمختصّين الجبائيين والماليّين بتقديم آرائهم المهمّة حول هذا النص التشريعي ليحتلّ صدارة اهتمامات الإعلام الرسمي والجدّي.

نحن، في موقع إنحياز، قرّرنا أن نضع حدّا لانخراطنا في هذا المهرجان السنوي بالطريقة التي تعوّدناها: أي أن نتناول المشروع بالأرقام والمؤشرات ونثبت أنّ ذلك الإجراء مُضرّ وذاك الآخر منقوص ونقدّم لذلك الشرح والتعليل. لا لعدم قدرتنا على إبداء الرأي فيها -وقد أثبتنا ذلك مرارا وتكرارا في السابق-، بل لأنّنا اقتنعنا أخيرا أنّ لا جدوى في ذلك وأنّ مشاركتنا في هذا المهرجان تعزّز الوهم بأنّ جوهر الحياة الاقتصادية ومركز القرار هو في قانون المالية. خصوصا وأنّنا بصدد دولة عاجزة، ليس لها حول ولا قوّة أمام مُسديي الأوامر والإملاءات المتمركزين شمالًا.

لا تغرّنا الخطابات: جميع مرافق الدولة واقعة تحت تأثير المؤسّسات الدولية وتقارير خبرائها، من الغذاء، حيث تناقش وزارة الفلاحة مع البنك العالمي برنامج تدخل لتحقيق “الأمن الغذائي” (2)، إلى الطاقة، حيث أمضت مؤخرا وزارة الصناعة مذكرة اتفاق مع البنك الأوروبي للإعمار والتنمية يتمّ على أساسها تقديم دعم تقني للشركة التونسية للكهرباء والغاز من أجل إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا في إطار برنامج ELMED (3)، مرورا بالتعليم (في جميع مستوياته) ولا ننسى في هذا الإطار أنّ الخطاب البطولي الذي ألقاه وزير التربية على مسامع السفير الألماني جاء في إطار تدشين مدرسة إعدادية ساهمت في إنجازها منظمة التعاون الألمانية (4)، كما لا يمكن ألاّ نسجل أنّ وزارة التعليم العالي تعوّل بالأساس على شراكتها مع البنك العالمي (5) في ما يسمّى برامج التجديد والإصلاح ودعم التشغيلية…

إذن لا الحركات الرشيقة من قبيل زيادة نسبة ما في ضريبة ما أو زيادة ما في ميزانية ما يجب أن تلهينا، مثلها مثل البكائيات حول شحّ موارد الدولة وضرورة خلاص الديون والحدّ من عجز الميزانية وواجب التضحيات من أجل غد أفضل. كما لا يجب أن يلهينا حتى المنديل الذي يلوّح لنا: لا نسب النموّ ووعود الرفاه يمكن أن تعني للتونسيين\ات شيئا: فقد أثبتت فترة بن علي أن نسَب النموّ (6) وخطاب الرفاه لا تُسمن ولا تُغني من جوع، وإن وُجد النموّ ووُجد الرفاه، فهو فقط لصالح حفنة من المستكرشين. إن أردنا الركوب على شعار رفعه بعض القدامى، يمكن حتى أن نقول أنّ نقاش الميزانية “لا مصلحة للشعب فيه”. هذا لا يمنعنا من أن نتفحّص بعض فصول مشروع الميزانية الجديد، مثلما نتأمّل محطّات الميترو المليئة بالمنتظرين\ات حين نحاذي السكّة مشيا على الأقدام لنصل باكرا لعملنا عوض أن ننتظر عربة يمكن أن تأتي كما يمكن ألاّ تجيء، أو نعاين مرورها مكتظّة بجانبنا مفتوحة الأبواب ومعرّضة بعض المتشبّثين\ات بها إلى خطر السقوط.

فلننطلق في بعض الجرد لأرقام هذه الميزانية: سيواصل عدد موظّفي الصحّة لكل 10000 ساكن الاستقرار على مستوى 62.5 موظفا سنة 2024 ويتواصل المنحى التنازلي الذي يعيدنا إلى معدلات ما قبل 2013 (الرسم البياني 1)، كما يواصل عدد الموظفين\ات لكل 10000 ساكن\ة نزوله إلى 522 سنة 2024، بينما يتجاوز هذا الرقم 700 في أعتى البلدان الرأسمالية (الرسم البياني رقم 2). كذلك لا تزال ميزانية الدولة تعبّر عن أولويات الحاكمين، حيث ستشهد هذه السنة -ولأوّل مرّة في تاريخ ميزانيات الدولة- تجاوز فوائد الدين الداخلي (5.48% من مجموع نفقات الدولة) ميزانية وزارة الصحة (5.05%)، كما ستحوز خدمة الدين الخارجي على نصيب الأسد هذه السنة من نفقات الدولة (15.82%). ولا يسعنا هنا إلاّ أن نذكّر بأنّ مناب خدمة الدين الخارجي ارتفع بصفة حادّة انطلاقا من سنة 2016 إثر سنّ ما سمّي قانون استقلالية البنك المركزي، حيث ارتفعت نسبة خدمة الدين الخارجي من 6.94% سنة 2015 إلى 13.47% سنة 2017 ثمّ 16.12% سنة 2019 (الرسم البياني رقم 3). كما سيتواصل التعويل على الأشخاص في جمع الضرائب المباشرة، إذ أنّ المؤسسات لن تساهم إلاّ بنسبة 31.8% من مجموع الضرائب المباشرة للدولة، وفي ذلك مواصلة لتقليد أرسته حكومة التكنوقراط في 2014 في قانون المالية الذي وضعته لسنة 2015 تحت إشراف وزير الاقتصاد والمالية آنذاك “الرفيق” حكيم بن حمودة (الرسم البياني رقم 4)…

كلّ هاته الأرقام لا تعني سوى شيئا واحدا: سياسة التقشف ستتواصل، تراجع الدولة سوف يتواصل. إن لزم الأمر، سنواصل الضغط على ميزانية الدعم، لا لبناء المستشفيات والخطوط الحديدية السريعة، مثلما تجرّأت على قول ذلك وزيرة الصناعة السابقة نايلة القنجي سنة 2022 (7)، لكن فقط للضغط على مصاريف الدولة على حساب الأساسيّات (8). وما ستعتبره وزيرة المالية إنجازا ليس تحسنا في مستوى عيش الناس أو في الخدمات العمومية، بل في نجاح الحكومة في تسديد 81% من خدمة الديون الخارجية المبرمجة لسنة 2023 (9)… هذه هي نجاحات الحكومة. هذا هو المنديل!

ليس من الغريب أنّ ما اعتبرته الحكومة نجاحا هو تحديدا خلاص الديون الخارجية، لأنّه تقريبا صار آخر رابط للدولة بالاقتصاد -وهنا يمكن أن نتساءل هل يزال للإقتصاد علاقة ما بحياة الناس اليومية؟-. الدولة لا تنفق علينا ملّيما واحدا بالعملة الصعبة، لكنّها تقترض بالعملة الصعبة فقط من أجل الحفاظ على مخزون العملة الصعبة وبذلك تحافظ على قيمة الدينار. حيث أنّ قيمة الدينار تتحدّد في سوق العملة التي تجمع البنوك التجارية التونسية. وإذا تقلّص حجم العملة الصعبة في هذه السوق، فإنّ البنوك ستهرول نحوها ويرتفع ثمنها بالدينار، وهو ما يؤدّي ميكانيكيا إلى نزول قيمة الدينار… و عليه، يجب أن تحافظ الدولة على مخزون محترم من العملة الصعبة لكي نتّقي شرّ هستيريا البنوك. وهذه القروض التي تريد الدولة دائما الحصول عليها هي التي تجعلها عرضة لابتزاز مؤسسات التمويل الدولية وغيرها من التكتلات الدولية -مثل الاتحاد الأوروبي- وتفرض علينا الإملاءات والاتفاقيات الجائرة.

للدولة إذن هاجسان إثنان: الأوّل، الضغط على المصاريف فيما يعبّر عنه بسياسة التقشف، وهي سياسة تقوم الدولة بموجبها بالحرص على ألاّ يتجاوز عجز الميزانية نسبة معيّنة، أي أن تحاول قدر الإمكان ألاّ تتجاوز مصاريفها مداخيلها الجبائية. وقد أثبتنا سابقا أنّ هذا ضرب من العبث وأنّ الدولة لا تُدار مثلما تُدار شؤون المنزل (10)، وعليه فإنّ الدولة تمتنع من أن تقترض، ممّا يعود سلبا على ميزانية الاستثمار التي ستبلغ سنة 2024 13.2% من جملة مصاريف الدولة (أنظر الرسم البياني رقم 5)، وهي ثالث أقل نسبة تاريخية عرفتها ميزانية الدولة (12.69% سنة 2022 و12.86% سنة 2023). والدولة التي لا تستثمر لن يكون لها أيّ مفعول إيجابي على الاقتصاد وعلى حياة الناس ولن يكبر حجمها ولن تكبر مداخيلها بالشكل الكافي… وستلجأ لاحقا إذن لتغطية مصاريفها إمّا لأن تقترض أو إلى مزيد تعميق سياسة التقشف التي تمارسها… منتهى العبث. أمّا الهاجس الثاني فهو خلاص الديون الخارجية، وهو كما قلناه مرارًا أمر أساسي من أجل الحفاظ على توازن ميزان الدفوعات والإبقاء على إمكانية الاقتراض من الخارج. هذان الهاجسان مترابطان: دون الانصياع لسياسات التقشف، لا إمكانية للحصول على القروض الخارجية. هذه هي المعادلة التي تسعى الحكومة التونسية وجميع حكومات الجنوب المنصاعة للإملاءات لتحقيقها دائما وأبدا.

ما العمل إذن كي يمكن لنا أن نأخذ الميزانية محمل الجدّ؟ هل يمكن أن يعني شيئا أن نصارع الحكومة في أن تتجاوز سياسة التقشف وترفّع من النفقات في المرفق العام؟ هل من الوجاهة مقارعة هاته الحكومات على ميدان العدالة الجبائية، لا فقط من أجل توفير بعض الموارد، بل وبالخصوص من أجل إعادة توزيع الثروة عبر برامج تشغيلية وإعادة تأهيل الخدمات الاجتماعية كي لا تكون بعض الأمراض بمثابة حكم بالإعدام البطيء لمن ليس لهم الأموال الكافية للتداوي؟ هل لازال بإمكاننا أن نقنعها بالحجة والبرهان أن تخصّص موارد أكثر للاستثمار وأن تستعيد سيادتها النقدية لتخلق العملة اللازمة للإستثمار وبناء المستشفيات وإصلاح عربات الميترو والقطارات والحافلات المعطّبة والدخول في سياسات انتقال طاقي متمركزة على الذات وملاءمة البنى التحتية والمنظومة الاقتصادية للتغيّر المناخي ؟

الواقع يقول لنا أنّ هذا الأمر مستحيل. أوّلا لأنّ حالة التصحّر الفكري والسياسي لدى النخب السياسية أغشت بصيرتهم وصاروا يؤمنون إيمانا خرافيا بالسياسات المُملاة عليهم، وما خير دليل على ذلك إلاّ وزيرة المالية التي لا تزال تكرّر اسطوانة ضرورة القيام بالإصلاحات والضغط على النفقات العمومية حتى بعد أن تلاشت العلاقات مع صندوق النقد الدولي ولم يعد هناك أيّ موجب للعمل بما يمليه علينا منذ ما يقارب الأربعين سنة. هاته النخب لم تعد تتمثل الفعل السياسي إلاّ في شكل عمل تكنوقراطي، أُسُسه: من ناحية قوالب لغوية جاهزة من قبيل “تحقيق التوازنات المالية” و”تقليص عجز الميزانية” و”ترشيد النفقات” و”خلق مناخ مناسب للإستثمار”، ومن ناحية أخرى مسلّمات أبرزها أنّ القطاع الخاصّ هو عماد الاقتصاد والخالق للثروة وأنّ السوق سيحقّق السعادة للجميع.

ثانيا، وبالخصوص، لأنّ أيّ حركة في ذلك الاتجاه ستعني حتما فتح جبهة ضدّ إملاءات مؤسسات التمويل الدولية التي تأمر حكوماتنا بانتهاج سياسات التقشف وتراجع الدولة وفتح المجال أمام السوق. وإن كسرت الحكومة تلك الإملاءات، فإنّها في ظلّ واقع العلاقة العضوية للإقتصاد التونسي بمنظومة المبادلات العالمية وحاجته الدائمة للعملة الصعبة (في شكل قروض أو استثمارات أجنبية مباشرة) ستجد نفسها في وضعيّة إفلاس. والإفلاس هنا ليس إفلاس المالية العمومية، بل إفلاس الاقتصاد ككلّ وعدم قدرته على الإيفاء بالتزاماته تجاه الدائنين وتجاه المزوّدين الخارجيين. وبالتالي، تجد الدولة نفسها عاجزة على توريد الأساسيات، بما أنّها استغنت شيئا فشيئا على إنتاجها محليّا. فالدولة شجعت على الزراعات التصديرية وأهملت زراعة الحبوب(11)، وأهملت المنشآت العمومية القادرة على استبدال الواردات (مصانع السكر والورق وصناعة التكرير ومصنع الفولاذ كأمثلة على ذلك) ولم تشجع بما فيه الكفاية بعض القطاعات الأساسية كمصنّعي الأدوية (قطاعا عاما وخاصّا)، هذا علاوة على حاجتنا لتوريد الغاز لإنتاج الكهرباء.

هنا يمكن أن نقول: إن كان الإشكال في العملة الصعبة، فلتُلغِ السلطة ديونها الخارجية! فعوض أن نخصص 15% من ميزانية الدولة في خلاص الديون الخارجية، فإنّنا سنخصّصها لتعديل ميزان الدفوعات عوض الاقتراض مجدّدا كلّ سنة… إلاّ أنّ إلغاء الديون الخارجية لن يلغي حالة التبعية التي ذكرناها! يقول الاقتصادي التونسي فاضل قبوب في مقال صدر له مؤخرا “إلغاء الديون لا يكفي”(12) أن المديونية الخارجية لدولة ما ليست سوى أعراض مرضِ أعمق بكثير يمكن أن يتلخًص في الثالوث: تبعية في الغذاء وتبعية في الطاقة وتبعية في القطاع الصناعي. ويعطي في هذا السياق نبذة عن التجربة الألمانية، حيث كان المطروح بعد الحرب العالمية الثانية هو إبقاء الدولة الألمانية في حالة تبعية صناعية وإغراق مناجمها. إلاّ أنّه مع صعود “الخطر السوفياتي”، تقرّر إلغاء 50% من مديونية ألمانيا، فيما يعرف باتفاقيات لندن في 1953، وزيادة على ذلك تمكينها من جزء هام من أموال برنامج مارشال لتعيد استثمارها في بنيتها التحتية الصناعية.

إذن، في الحالة التي نحن عليها اليوم، لا قدرة لقانون المالية أن يغيّر قيد أنملة في الحالة التي نحن عليها ، وسيبقى بمثابة لعبة يلعبها أمامنا المشعوذ ليُلهينا عن المنديل. ففي ظلّ منظومة “منفتحة” على الأسواق العالمية وموقعنا في التقسيم العالمي للعمل الذي يضعنا مثلنا ومثل جميع بلدان الجنوب في موقع مزوّد لبلدان الشمال بالمنتوجات الفلاحية المستهلكة للماء والموادّ المنجمية واليد العاملة البخسة الثمن، سنبقى دائما في حالة اختلال لميزاننا التجاري، بل وستتعمٌق نظرا للتدهور المتواصل لشروط التبادل مع بلدان الشمال. أي أنه يجب علينا مثلا في كلّ سنة إنتاج أكثر كميات من البرتقال ومن زيت الزيتون ووضع عدد أكبر من اليد العاملة في خدمة المستثمرين الأجانب من أجل توريد نفس الكميات من الموادّ المصنّعة والتجهيزات والآليات والموادّ الطاقية. هذا الاختلال سيعمّق حاجتنا إلى العملة الصعبة أكثر فأكثر ونلتجئ بإطّراد إلى التداين، ثمّ تحصل الأزمة التي ستعيدنا من جديد إلى عتبات مؤسسات التمويل الدولية التي ستنعشنا ببعض القروض وتفتح لنا وقتيا الأسواق المالية وتعيد لنا وقتيّا ثقة المستثمرين. هذه القروض وهذه الاستثمارات ندفع ثمنها “إصلاحات” تزيد من تراجع الدولة وتعمّق الهشاشة وتساهم في تخفيض كلفة العمل… وتتعمّق بذلك حالة التبادل غير المتكافئ… وهكذا دواليك.

أيّ مكان لقانون المالية في كلّ هذا؟ من الواضح أنّ ليس له أيّ دور اليوم… أو بالأحرى إن كان له دور فهو ذرّ الرماد على العيون والإيهام بأنّه الحدث المركزي في الحياة الإقتصادية في البلاد وأنّ الحكومة والبرلمان هما مركز القرار. في الوضع الحالي، كما رأينا أعلاه، فإنّ أغلب محرّكات السياسات العمومية توجد إمّا في البنك العالمي أو صندوق النقد الدولي أو الاتحاد الأوروبي. ومن ورائهم مصالح الرأس المال المعولم الذي لا يرى فينا وفي بلدان الجنوب إلاّ فرصة لمزيد التوسّع عبر فرض اتفاقيات الشراكة بين القطاع الخاص والعام والاستيلاء على المؤسسات العامة والخاصّة (وها قد اكتشفنا خلال حملة المقاطعة الأخيرة نُصرة لفلسطين كم من منتوج ظنناه محليّا وهو في الواقع مملوك لرأس المال الأجنبي) والاستثمار في الأراضي الخصبة والاستيلاء على المجال الصحراوي بداعي إنتاج الطاقات البديلة، وأخيرا وليس آخرا استغلال الأيادي والأدمغة العاملة بأبخس الأثمان. ولا رغبة لرأس المال في أن يترك مجالا وطنيّا أو قُطريّا يخرج عن سيطرته بأن يتوخّى سياسات وطنية تخدم مصالح الشعب، فهي بالضرورة معادية لمصالحه.

إن أرادت سلطة ما تغيير الأوضاع فلن يكون ذلك عبر قانون المالية، بل بانتهاج سياسات في مصلحة الناس، وهي بالضرورة سياسات معادية لرأس المال. معادية لرأس المال المحلّي الذي لا ينتج إبرة ولا حتى معجون أسنان وجعَل الصحة حكرا على من له الأموال ولا يستثمر إلاّ في التوريد أو في القطاعات المدعّمة (الفلاحة التصديرية، الغذاء المحوّل، الألبان والدواجن، السياحة…). ومعادية كذلك لرأس المال العالمي الذي لا يرى فينا سوى مجالا للتوسّع وتحقيق أكبر فائض قيمة. فلنقلها إذن وكفانا مناورات لغوية وخوفا من الكلمات: إن أرادت سلطة ما تغيير الأوضاع، فإمّا أن تكون اشتراكية… وإمّا سيتواصل السيرك.

الرسم البياني رقم 1:

الرسم البياني رقم 2:

الرسم البياني رقم 3:

الرسم البياني رقم 4:

الرسم البياني رقم 5:

1الأرقام بالنسبة للناتج الداخلي الخام لسنوات 2023 و2024 مبنية على التوقعات التي عبّرت عنها وزارة المالية في التقرير المصاحب لمشروع قانون الميزانية (نمو بـ0.9% لسنة 2023 و2.4% لسنة 2024) وتوقعات التضخم للبنك المركزي (9.4% لسنة 2023 و7.7% لسنة 2024). أما عدد السكان بالنسبة لسنوات 2023 و2024 فهو مبني على اعتماد المعدّل السنوي لنسبة زيادة السكان بين 2017 و2022 (0.905%) كنسبة زيادة لسنتي 2023 و2024.

2Tunisie – BM: Discussion d’un plan d’action pour la sécurité alimentaire, African Manager, 27/10/2023.

3MoU pour la réduction des émissions de carbone dans la production électrique, African Manager, 24/010/2023.

4وزير التربية: تصريحات السفير الألماني حول ما يحدث بفلسطين مرفوضة، رياليتي أونلاين، 27/10/2023.

5مثلا: وزير التعليم العالي يستقبل وفدا عن البنك الدولي بتونس، 25/10/2023.

6مثلا معدّل نسب النمو بين 1990 و2010 كان 3.26% كما بلغ 4.29% بين 2002 و2007 – أرقام البنك الدولي.

7 القنجي: ترشيد الدعم يمكّن من بناء 50 مستشفى وإنجاز 8 خطوط حديدية سريعة، بيزنسنيوز عربي، 05/08/2022.

8خلق الشح في بعض الموادّ يقلّص ضمنيا في الدعم. آكسبراس آفآم، 20/09/2023.

9وزيرةالمالية: الدولةسدّدت81% من إجمالي خدمةالدين الخارجي، موزاييك آفآم، 31/10/2023.

10أنظر/ي:

11أنظر/ي ملف “قمحي لا ينقسم”

12 Fadhel Kaboub, Debt cancellation is not enough; The London accords if 1953 and the Marshall Plan.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !