خضوع قديم لاستعمار متجدد الهيدروجين الأخضر في تونس: آلية جديدة للنهب والاستغلال

تحرير:

إلياس بن عمار : عضو مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطاقة

 صابر عمار: مساعد برامج شمال إفريقيا بالمعهد العابر للقوميات TNI


أصدرت  وزارة الصناعة والطاقة والمناجم بالشراكة مع الوكالة الألمانية للتعاون الفني خلال الأشهر الفارطة وثائق متعلقة بالإستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر في تونس1 . و قد تضمنت هذه الوثائق خارطة طريق تهدف  إلى تصدير ما يفوق 6 مليون طن من الهيدروجين الأخضر نحو أوروبا في غضون سنة 2050. هذه المعطيات، المتوافقة مع ما جاء في تصريحات مسؤولي الانتقال الطاقي في تونس،  أثارت انتباه مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطاقة خصوصا بصدور مقالات الامتنان والإعجاب من قبل البعض واعتبار أن ذلك سيمكن من دفع عجلة التنمية بالبلاد. فهذه الاستراتيجية القائمة على توفير حاجيات الاتحاد الأوروبي والخضوع له ستكون لها كلفة كبيرة على عديد القطاعات في تونس وهو ما تخفيه حملات التهليل والتطبيل .لذلك كان لابد لمجموعة العمل إعداد هذه الورقة للكشف عما هو مخفي من وراء هذا المشروع الكبير.

الهيدروجين الأخضر … مالهدف منه ومن المستفيد الحقيقي ؟

يسعى الإتحاد الأوروبي إلى الاستثمار بقوة في الطاقات المتجددة و الهيدروجين الأخضر أساسا للتخلص من تبعيته للغاز الروسي و الاستفادة من سوق جديدة تمكنه من الريادة في المجال . كما يسعى من خلال ذلك أيضا إلى التخفيض من انبعاثاته الكربونية بنسبة 55% بحلول سنة 2030 وتحقيق الحياد الكربوني بحلول سنة 2050. وقد تم تضمين كل ذلك في الاستراتيجية الأوروبية للهيدروجين2 التي تم تبنيها في جوان 2020  والاستراتيجية الوطنية للهيدروجين التي نشرتها الحكومة الألمانية3 بالإضافة إلى مشروع  REPowerEU Plan4 الذي حدد هدفًا يتمثل في إنتاج 10 ملايين طن من الهيدروجين محليا وتوريد 10 ملايين طن أخرى بحلول عام  2030.

من أجل ذلك فإن بوصلة الدبلوماسية الطاقية الأوروبية (الألمانية خاصة) تتجه نحو منطقة شمال إفريقيا القريبة جغرافيا و التي تحتوي على مخزون كبير لإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة يمكن استغلاله لإنتاج الهيدروجين الأخضر. و يظهر جليا أن كل هذه الجلبة حول الموضوع  ليست سوى توسع استعماري جديد من دول الاتحاد الأوروبي لدول الجوار جنوب المتوسط مثلما حدث سابقا في القرن التاسع عشر و الهدف دائما استغلال الثروات الطبيعية والحفاظ على علاقات الهيمنة لصالحها.

في هذا الصدد يمكن اعتبار ما صدر عن وزارة الصناعة و الطاقة و المناجم بالشراكة مع الوكالة الألمانية للتعاون الفني تتمة للمشروع الأوروبي وخضوعا له. فالحكومة التونسية تطمح إلى إنتاج ما يفوق 8 مليون طن من الهيدروجين الأخضر في غضون سنة 2050 ويتم تصدير الجزء الأكبر منها (أكثر من 6 مليون طن أي ما يعادل أكثر من ثلاث أرباع الإنتاج الجملي) نحو الضفة الشمالية للمتوسط1 .و يتم التسويق لهذه الفكرة باعتبارها  فرصة كبيرة لتونس لتضمن موقعا متميزا في سوق الهيدروجين الواعدة .

توزيع كميات الهيدروجين الأخضر المنتجة بين السوق المحلية و الكميات الموجهة للتصدير
( الاستراتيجية الوطنية لتنمية الهيدروجين الأخضر ومشتقاته  في تونس
1)

ولتحقيق هذا الهدف في الاستجابة لمتطلبات السوق الأوروبية، سيتم استثمار ما يقارب 117.2 مليار يورو1 من أجل التحضير للبنية التحتية اللازمة والتي تشمل :

– تركيز محطات الطاقات المتجددة

– تركيز محطات تحلية المياه و استخراج الهيدروجين منه

– الأنابيب المرتبطة بشبكات المياه و الهيدروجين

– تجهيز الموانئ التونسية بما يلزم لإتمام عملية التصدير

هذه الاستثمارات التي ستمول تقريبا عبر ديون من طرف المؤسسات المالية العالمية1  كالبنك الأوروبي للاستثمار والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية و غيرهما دون أن ننسى البنك العالمي الشريك الأساسي لتونس في تنفيذ هذا النوع من المشاريع التي تعتبر تطبيقا عمليا لتوصياته وللسردية النيوليبرالية بصورة عامة.

تونس ستصبح  – على غرار عديد الدول الأخرى المنخرطة في مشاريع تصدير الهيدروجين الاخضر- حديقة خلفية و خزانا طاقيا لدول الشمال في تكريس واضح للتبعية و استعادة لآليات الاستعمار في استغلال ثروات البلاد لصالحه. بالإضافة لكل هذا، فإن أوروبا ستستفيد بصورة أخرى من هذا النوع من المشاريع لأنه علاوة على ما سيدره تمويلها من تحريك للرساميل، فإن التجهيزات اللازمة لتنفيذها (كالتكنولوجيا مثلا) سيتم تصنيعها من طرفها أي أنه سيتم فتح أسواق جديدة للصناعات الأوروبية والتحكم في سلاسل إنتاج مستحدثة.   

فإنتاج الهيدروجين الأخضر يعتمد (بالنسبة لبلد مثل تونس) على تكنولوجيا مستوردة أساسا (المحللات الكهربائية و الألواح الشمسية) واستثمارات كبيرة في مجال الطاقات المتجددة عبر الاستثمارات الأجنبية المباشرة.  والاتحاد الأوروبي له الريادة في صناعة المحللات الكهربائية بل إن اختيار التوجه نحو الهيدروجين الأخضر كان معتمدا بشكل كبير على قدرة الشركات الاوروبية على هذه الصناعة  التي تعتبر الأساس في عملية الإنتاج حيث عبّر الإعلان المشترك للقمة الأوروبية للتحليل الكهربائي⁶ عن زيادة القدرة على تصنيع المحللات الكهربائية لتلبية حاجيات السوق العالمية. ومن الجدير بالذكر أن أوروبا تحتكر 30 % من مشاريع الهيدروجين الأخضر المبرمجة في العالم⁷. هنا تكمن القيمة المضافة المرتفعة بالمقارنة مع عملية تصدير مادة خام دون تحويلها علاوة على توفير مواطن الشغل الصناعية في أوروبا. أما البلاد التونسية فهي مطالبة بتوفير الموارد الطبيعية كالأرض والمياه بأرخص الأثمان و تحمُّل التبعات البيئية والاجتماعية لهذه العملية في تكريس واضح للتقسيم العالمي للعمل حيث دول الشمال تصدر التكنولوجيا ودول الجنوب تمدها بالمواد الأولية واليد العاملة الرخيصة.

 الكلفة الفعلية ووهم التنمية

يتم التسويق من طرف السلطة لفكرة أن إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس يمثل فرصة لتوفير عائدات مالية كبيرة  بالإضافة لوضع موطئ قدم في السوق الأوروبية.  ويتم التغافل عن أن المشاريع المرتبطة به ستساهم في تعميق اختلال موازين القوى مع دول الشمال الأوروبية. فتونس تعاني مثل معظم دول الجنوب من أوجه قصور هيكلية لعل أهمها:

–  التبعية الطاقية باعتبار عدم القدرة على تحويل المواد الطاقية الخام والافتقار للتكنولوجيا اللازمة لهذه العملية.  ففي تونس تتم معالجة النفط الخام عبر مصفاة النفط الوحيدة الموجودة في الشمال ( جرزونة من ولاية بنزرت) والتي تبلغ طاقتها التكريرية 34 ألف برميل يوميا في حين يبلغ  إنتاج النفط الخام 50 ألف برميل5 . إذن ليست القدرة التكريرية المتاحة لهذه المصفاة كافية لمعالجة حجم النفط الخام المنتج في تونس ولا لتلبية الطلب الوطني. بالتالي تضطر تونس لتصدير المواد الخام وتحمل فارق الكلفة بين النفط الخام ومشتقاته مما يجعل الميزان التجاري عاجزا. أما على مستوى الطاقة الكهربائية، فباعتبار الاعتماد المطلق حاليا على الغاز الطبيعي للإنتاج، يتم استيراد أكثر من نصف الطلب الداخلي عليه من الجزائر حتى يتسنى ضمان التزويد الكهربائي اليومي المستمر.

– التبعية الغذائية فقد بلغت نسبة إيرادات  تونس في العام 2020 من القمح اللين (الذي يعتبر من أهم مكونات الحمية الغذائية للتونسيين) 94% .ومع ذلك فإن البلاد تصدر الفراولة والطماطم والتمور وزيت الزيتون بالإضافة لعدد من الزراعات الأخرى التي تستجيب لطلبات المستهلك الأوروبي والغربي عموما والتي لها كلفة مائية و بيئية كبيرة. دون أن نغفل عن ذكر استباحة الأراضي الفلاحية لصالح مشاريع الطاقات المتجددة دون المرور بتغيير الصبغة و موافقة وزارة الفلاحة  مثلما ضمن بالمرسوم عدد 68 لسنة 2022 والذي يزيد في تعقيد الوضعية الزراعية بالبلاد.

– الاختصاص في الصناعات ذات القيمة المضافة المنخفضة  مثل صناعات التركيب و كذلك صناعة النسيج بصفة المناولة للشركات متعددة الجنسيات التي تغريها اليد العاملة الرخيصة بالإضافة للتمتع بالمواد الأولية بأثمان زهيدة كالماء والكهرباء مقارنة مع ما تجده في بلدانها الأصلية. كما لا يجب إغفال عملية إعادة توطين الصناعات الملوثة وذات التبعات الإيكولوجية الباهظة بدول الجنوب  وهو ما تندرج في سياقه مشاريع تصدير الهيدروجين الأخضر وخاصة مسألة الماء.

فمن أجل بلوغ الهدف الذي وضعته الاستراتيجية الوطنية التونسية (6 مليون طن للتصدير)، لا بد من تركيز ما يفوق 90 جيغاوات من الطاقات المتجددة1 (طاقة الرياح و الطاقة الفولتوضوئية) أي ما يعادل 15 ضعف قدرة الطاقة الكهربائية – بجميع أنواعها – المركزة حاليا بالبلاد. من أجل ذلك سيتم استغلال مالا يقل عن 500 ألف هكتار من الأراضي بالجنوب التونسي1 لصالح هذه المشاريع وفي معظم الأحوال – ستوفر إما عبر الاستيلاء عليها عنوة كالأراضي الاشتراكية6 (كما حصل في سقدود من ولاية قفصة7) أو عبر الأراضي المملوكة من طرف الدولة التي ستقدم على طبق من فضة للمستثمرين.  هذه الكمية من الطاقات المتجددة المركزة ستساهم  في استخراج غاز الهيدروجين  H2 من مياه البحر بعد تحليتها. هذا يعني بناء محطة / محطات لتحلية المياه بقدرة إنتاجية تساوي على الأقل 160 مليون متر مكعب سنويا أي ما يعادل استهلاك 400 ألف مواطن تونسي  (باعتماد معدل 400 متر مكعب سنويا لكل فرد)  في بلد يواجه كابوس الجفاف و صعوبة مستمرة من سنة إلى أخرى في توفير مياه الشرب لمواطنيه دون التغافل عن صيحات الفزع التي تطلقها فعاليات المجتمع المدني الناشطة في المجال حول الوضعية المائية  وما تتطلبه من تدابير عاجلة لعل أهمها الكف عن استنزاف هذه الثروة لصالح مشاريع مراكمة الأرباح دون عوائد فعلية للبلاد و العباد8.

توزيع الأراضي المنتجة للطاقات المتجددة المخصصة للهيدروجين الأخضر1

إضافة الى ما سبق، فإن تقييما للفرص الاقتصادية ومختلف التحديات التي تواجه الاستثمار في الهيدروجين الأخضر قد ضُمِّن بدراسة9 نشرتها وكالة التعاون الفني الالماني GIZ  تؤكد  عدم جاهزية النسيج الصناعي التونسي للاستفادة من هذه التقنية  في قطاعات كالنقل وصناعة الحديد والاقتصار على امكانية إنتاج بعض المشتقات التي يتم توريدها حاليا. بالتالي وجب التوجه فقط نحو الإنتاج بهدف التصدير (على المدى القصير و المتوسط )كمادة أولية لدول الاتحاد الأوروبي حتى تستطيع هذه الأخيرة الإيفاء بالتزاماتها في التخفيف من الانبعاثات الكربونية  الناتجة عن صناعاتها.

جدول مأخوذ عن دراسة  الفرص المتاحة في “Power-to-X » في تونس يبين امكانيات استعمال مشتقات الهيدروجين الأخضر في تونس

 ” الوطن… هو ألا يحدث ذلك كله “

عند تفحص الوثائق المتعلقة بالهيدروجين الأخضر المعدة من طرف الشركة التونسية للكهرباء والغاز10 قبل احتداد الصراع الروسي الأوكراني، نلاحظ أن المسوغات التي تم اعتمادها حينها من أجل الدفع نحو هذه التقنية وطنيا هي المرونة و المساهمة في التصرف الأمثل لمواجهة تقطعات الطاقات المتجددة المتسببة في عدم القدرة على التحكم في نسق إنتاجها (وهو العنوان الذي أعطي لهذه الوثيقة).

جوانب من وثيقة متعلقة بالهيدروجين الأخضر المعدة من طرف الشركة التونسية للكهرباء و الغاز

من أجل ذلك، تم عرض شكل الأحمال الكهربائية بتونس – ضمن هذه الوثيقة – خلال مختلف الفصول كحجة تبين أهمية اعتماد الهيدروجين الأخضر خزانا للطاقة في ظل عدم إمكانية استغلال كل الكهرباء  المنتجة من الطاقات المتجددة خلال فصول تراجع الاستهلاك المحلي للكهرباء .

أشكال أحمال الكهرباء في تونس خلال مختلف فصول السنة و العوائق التقنية لنفاذ الطاقات المتجددة من الوثيقة المذكورة أعله

إذن، الهدف الأساسي لإنتاج الهيدروجين الأخضر كان في البداية تجاوز الإشكاليات التي يطرحها المخطط الشمسي التونسي11. وقد تضمنت الوثيقة المذكورة أعلاه أيضا الخطوات اللازمة (بدون تفصيل) من أجل بلوغ الأهداف المرجوة مثل إعداد مخطط وطني استراتيجي للهيدروجين الأخضر وخارطة طريق لتحديد مجالات التطبيق الممكنة و الأنسب للبلاد.

لكن ومع أزمة التزود بالطاقة التي تعيشها دول أوروبا ( ألمانيا بالخصوص) على مدار السنتين الفارطتين ( جراء الحرب في أوكرانيا)، تم العدول عما ذكر آنفا و قامت الوكالة الألمانية للتعاون الفني بدورها من أجل تحويل أهداف المشروع  عبر إشرافها على إعداد الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر في تونس الهادفة لتصدير جل الإنتاج وكل الدراسات الصادرة عن سلطة الإشراف في هذا المجال.

لسائل أن يسأل عن البدائل الممكنة لتجاوز ما تضمنته هذه الاستراتيجية الوطنية و كيف يمكن أن تستفيد البلاد حقا من هذه النوعية من المشاريع بعيدا عن المطامع الاستعمارية للدول الغربية خاصة. لكن و قبل طرح هذه البدائل، لا بد – من وجهة نظرنا – تجاوز الإشكاليات التي ساهمت في هذه التوجهات وغذتها وسمحت للوكالات الأجنبية بالتدخل ولعل على رأسها المخطط الشمسي التونسي بصيغته الحالية.

هذا المخطط الذي تعتبره السلطة الحل الأمثل لتجاوز عجز البلاد الطاقي، أصبح يمثل إشكالا نظرا لكونه لا يعبر عن استجابة حقيقية لمتطلبات الواقع التونسي وإنما صدى للتوصيات والإملاءات الغربية (الأوروبية خصوصا). وقد أصبح تعديل هذا المخطط على مستوى المضامين ضرورة قصوى:

بداية، لا بد من  مراجعة توزيع نوعية الطاقات المتجددة المزمع تركيزها: فالكميات المبرمجة لطاقة الرياح ضمن هذا المخطط لا تستجيب لخصائص الاستهلاك الوطني للكهرباء مما سيحافظ على تبعيتنا تجاه الغاز الطبيعي المستورد خصوصا خلال فترة الذروة الصيفية أي الفترة التي تمثل إشكالا كبيرا للتزود بالكهرباء. ولتعويض ذلك لا بد من الاعتماد على الطاقات الشمسية سواء كانت طاقة حرارية أو فولتوضوئية. هذه الأخيرة التي تسمح – رغم تأثرها بدرجات الحرارة المرتفعة صيفا- بتوفير كميات مستقرة نسبيا من الطاقة الكهربائية على مدار السنة نظرا لما تتمتع به البلاد من معدلات إشعاع شمسي وهو ما سيساهم في التخفيض الكمي لاستهلاك الغاز الطبيعي وتضمن وثوقية أكبر في إمدادات الكهرباء المنتجة مقارنة بطاقة الرياح.

بالإضافة لذلك، لا بد من التسريع في تجهيز البلاد بمحطات تحويل الطاقة عبر ضخ المياه (مثال : مشروع وادي المالح بالشمال الغربي التونسي). هذه المحطات ستمثل خزانا للطاقة خصوصا خلال فترة الذروة الصيفية بقدرة يمكن أن تتجاوز 1000 ميغاوات حسب دراسة  أعدتها وزارة الفلاحة تتمحور حول الاستراتيجية المائية للبلاد في غضون 2050 وهي مهمة جدا لمجابهة الطلب دون اللجوء للغاز الطبيعي لأنها ستساهم في تخزين الكهرباء المنتجة عند هبوط الطلب الكهربائي.

ولا يفوتنا التذكير بنبذ أوهام التصدير والتركيز حاليا في المستقبل القريب والبعيد على الاستجابة لحاجيات البلاد أساسا عبر تعبئة كافة الموارد المتاحة وتحفيز الاستثمارات العمومية في المجال ودعمها كذلك بالمبادرات المواطنية القائمة  على الاستغلال الجماعي لمشاريع الطاقات المتجددة لمجابهة الاستهلاك الذاتي و المحلي.

هذه بعض ملامح ما يمكن أن يكون بديلا و قد تناولته مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطاقة بتفاصيل أكثر من خلال وثائقها السابقة12 كما أنها ستضمنه مستقبلا بالتركيز على الآليات العملية لمجابهة العجز الطاقي والدفع بعملية التنمية خصوصا في الجهات التي عانت التهميش لعقود .

أما بخصوص الهيدروجين الأخضر، فالأوْلى هو إعادة النظر في مجمل الاستراتيجية الوطنية و ذلك عبر إخضاعها لمعيار المصلحة الوطنية والاستجابة لمتطلباتها بغض النظر عما تخطط له الوكالات الأجنبية المنتصبة بالبلاد والتي لا تخدم سوى مصالح بلدانها. وإذا كان الاستثمار في الهيدروجين الأخضر ضرورة تفرضها المصلحة والوقائع وما يشهده العالم من تحولات، فلا بد من اعتماد مقاربة وطنية شاملة لكافة القطاعات (لا تقتصر فقط على رؤية وزارة الصناعة و الطاقة و المناجم) تساهم  حقيقة في دفع التنمية.

فيمكن، مثلا، استغلال الهيدروجين الأخضر من أجل تصنيع الأمونياك الذي نستورده بالكامل من الخارج لتلبية احتياجاتنا منه المتعلقة أساسا بإنتاج الأسمدة الضرورية للزراعات. و يكون هذا المشروع في إطار شراكة قطاع عام – قطاع عام بين المجمع الكيميائي التونسي والشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه. هذه الشراكة على مستوى التمويل والاستغلال وبمرافقة من وزارة البيئة ووزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية وتحت إشراف الدولة التونسية ستساهم في خلق ديناميكية جديدة على مستوى المشاريع العمومية. فالشركة التونسية للكهرباء والغاز ستقوم بإنتاج الكهرباء عبر الطاقات المتجددة وتوفيرها للمجمع الكيميائي التونسي الذي سيستفيد من المياه بعد تحليتها من طرف محطات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه وينتج الأمونياك لحاجياته ويمكن حينها تصدير الفوائض إن وجدت.

أما بالنسبة للأراضي التي سيتم استغلالها للطاقات المتجددة، فيمكن القيام بشراكة مع الأهالي سواء عبر المساهمة في الإنتاج بصيغ جديدة ( تعاونيات – شركات اهلية ..) أو عبر تمكينهم من استغلال أجزاء منها فلاحيا والاستفادة من المياه المحلاة لاستصلاحها وتركيز زراعات متناسبة مع طبيعة المناطق التي ستقام عليها هذه المشاريع.

سيساهم هذا المشروع وعبر عدم الاقتصار على استغلال محطات التحلية لأغراض صناعية وإدماج توفير مياه الشرب ضمنه  – خصوصا بالجنوب التونسي  – في عوائد لا اقتصادية فقط وإنما تنموية وانعكاسات ذات بعد وطني سيادي من خلال الاستثمار في  الثروات الطبيعية لصالح المجموعة الوطنية .

هذا نموذج لما يمكن أن يكون من تصورات ومقاربات حول البدائل لمشاريع الهيمنة المفروضة من دوائر رأس المال العالمية في استعادة للماضي الاستعماري بصيغ جديدة وحتى لا يكون وادي الهيدروجين13 المزعوم ” واد غير ذي زرع “.

مخطط مشروع وطني لإنتاج الأمونياك ” الأخضر ” عبر الشراكات قطاع عام – قطاع عام و الأهالي


المراجع و الهوامش:

1-Stratégie nationale pour le développement de l’hydrogène vert et ses dérivés en Tunisie, Ministère de l’industrie, des mines et de l’énergie avec GIZ ( Coopération Tuniso-Allemende), 06 Septembre 2023

2-A hydrogen strategy for a climate-neutral Europe ,COMMUNICATION FROM THE COMMISSION TO THE EUROPEAN PARLIAMENT, THE COUNCIL, THE EUROPEAN ECONOMIC AND SOCIAL COMMITTEE AND THE COMMITTEE OF THE REGIONS,  Brussels, 8.7.2020

3-National Hydrogen Strategy Update ,Federal Ministry for Economic Affairs and Climate Action (BMWK) Public Relations ,July 2023

4-REPowerEU Plan,COMMUNICATION FROM THE COMMISSION TO THE EUROPEAN PARLIAMENT, THE EUROPEAN COUNCIL, THE COUNCIL, THE EUROPEAN ECONOMIC AND SOCIAL COMMITTEE AND THE COMMITTEE OF THE REGIONS,Brussels, 18.5.2022

5-on the European Hydrogen Bank,COMMUNICATION FROM THE COMMISSION TO THE EUROPEAN PARLIAMENT, THE COUNCIL, THE EUROPEAN ECONOMIC AND SOCIAL COMMITTEE AND THE COMMITTEE OF THE REGIONS,Brussels, 16.3.2023

6-Electrolyser Joint Declaration, European electrolyser summit ,Brussels 5 May 2022

7-Hydrogen Insights 2022 An updated perspective on hydrogen market development and actions required to unlock hydrogen at scale, the Hydrogen Council in collaboration with McKinsey & Company ,September 2022

8-Fadhel Kaboub, A Comprehensive & Coherent Global South Vision ,20 october 2023

9-OBG (2017). Renewed investment in Tunisia’s energy sector to reduce the supply gap. Oxford Business Group.

London, UK

10-هيثم القاسمي :فك الارتباط بعد المقاطعة: فك الارتباط بماذا؟ (الجزء الأول) ,موقع نواة في 16 نوفمبر 2023 ,ONAGRI, La céréaliculture en chiffres, la campagne 2020

11- مرســـوم عدد 68 لسنة 2022 مؤرخ في 19 أكتوبر 2022 يتعلّق بضبط أحكام خاصة بتحسين نجاعة إنجاز المشاريع العمومية والخاصة.

12- مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطاقةي الجنوب التونسي: الاستحواذ على الأرض لصالح الرأسمالية الخضراء, المفكرة القانونية في 2024-03-19

13-Elaboration de la vision et de la stratégie du secteur de l’eau à l’horizon 2050 pour la Tunisie, Ministère del’agriculture, de la pêche maritime et des ressources hydrauliques avec STUDI et CKW , Octobre 2022

14-Study on the opprtunities of «  Power- to – X » in Tunisia , GIZ , 2021

15- Gestion de l’intermittence des EnR’s par le vecteur hydrogène, Direction Maitrise de la Technologie , STEG

16-Nouvelle version du plan solaire Tunisien , Agence nationale de la maitrise de l’énergie , Septembre 2015

17-Elaboration de la vision et de la stratégie du secteur de l’eau à l’horizon 2050 pour la Tunisie EAU 2050 ,Octobre-2022

18- نحو انتقال طاقي عادل في تونس ، مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطاقة ، نوفمبر 2022

19-OEC (2020). Tunisia. Observatory of Economic Complexity based on Simoes, A., Hidalgo, C. A. (2011). The Economic Complexity Observatory: An Analytical Tool for Un-derstanding the Dynamics of Economic Development.Workshops at the Twenty-Fifth AAAI Conference on Artificial Intelligence.

20- التسمية الإصطلاحية لمشاريع الهيدروجين الأخضر التي ستركز ضمن الاستراتيجية الوطنية من قابس إلى تطاوين مرورا بقبلي ومدنين

مارس 2024


أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !