رأي | من قلب الوجع: يسقط خطاب الهزيمة!

أمل عامر، طالبة


7/10/2023 سنتذكّر هذا اليوم جيّدا. سيذكره عدوّنا جيّدا.

من غزّة المحاصرة منذ عقدين والمقطوعة عن العالم، من الأرض الّتي ارتكب فيها الاحتلال أبشع مجازره وجرائمه ليبيد مقاوميها، والّتي أنفق مليارات الدولارات ل”يطهّر حدودها”، تطلع البارودة لتذكّرنا بأن المقاومة جدوى مستمرّة وبأن الفدائيّين خلف العدوّ في كلّ مكان. سقط خطاب الهزيمة. بالنّار والبارود والصّواريخ الموجّهة إلى العدوّ في عقر داره. سقطت أسطورة الجيش الذي لا يقهر والمنظومة الدّفاعية العصيّة على الاختراق.

تألّم عدوّنا كثيرا. ترنّح حدّ الدخول في حلقة من العنف الانتقاميّ الّذي صبّه على المدنيّين أمام عجزه عن إنهاك فصائل المقاومة وعن المواجهة وجها لوجه.

17/10/2023

بعد يوم من تغيير القيادة العسكريّة الصهيونيّة. قصف مستشفى المعمداني. مئات الضّحايا في ساعات. وسط صمت دوليّ مطبق. الدّم الذي رأيناه، الأشلاءالمبتورة، الأجساد التي لم ينجح ذووها في التعرّف عليها، كلّها تعود لنا. الصّراع ليس فلسطينيّا إسرائليّا فقط، إنّما هو عربيّ صهيونيّ . نحن طرف في الصّراع، جزء منه، وفلسطين تخوض الحرب على جبهة النّار بالنّيابة عنّا مثلما يخوض الكيان حربه نيابة عن الرّجل الأبيض والإمبرياليّة العالميّة التي ركّزت المشروع الصهيونيّ ودعمته كوكيل لها في المنطقة. الدّم الذي رأيناه معلّق في رقاب ممثّلي الدّول الغربيّة، وفي رقاب وكلائهم ببلداننا العربيّة، وفي رقبة كلّ من طبّع مع الكيان.

هند صبري قبل ساعات من قصف المعمداني ” أرفض أن أختار أطفال من سأبكي”. مثال للمثقّف الانتهازيّ الذي يتأرجح بين إرضاء سيّده الأبيض وجمهوره العربيّ فيساوي بين الجلاد والضّحية.

ساعات ويأتينا التّذكير من الكيان: لا مجال للمقارنة بين أطفالنا وأطفالهم. العالم الحرّ لا يعترف إلا ببشريّة العجوز البيضاء والطّفل ذي الشعر الأشقر والعينين الزرقاوين. آما أطفالنا الّذين يلعبون في الشوارع، ونساؤنا اللاّئي ثكلن  أولادهنّ الواحد تلو الآخر فيمكن أن يقصفوا ويمرّغوا في التّراب. مشهد الأمّ الّتي تنتحب في جلبابها الأسود مشهد اعتاده العالم الحرّ. فقط مشهد السّيّدة البيضاء النّاعمة هو ما يربك ضميره الإنسانيّ. “احزنوا. ابكوا. لكن لا تكونوا مهزومين. كلّ فعل تأتونه يحمل قيمة أمام هذه الفضيحة التي تسمّى العالم الحرّ” فدائيّو غزّة يذكّروننا : المقاومة جدوى مستمرّة.

تسألني كيف نقاوم ؟

بمراكمة الحقد على هذا النظام العالميّ. بأن نتحوّل إلى قنابل معدّة للانفجار في وجهه في كلّ مكان. بأن نشعل النّار حول ممثّلي الدّول الدّاعمة للكيان وسفاراتها. بأن نحاصرهم في كلّ عواصمنا العربيّة. وبأن نفضح وكلائهم. بكشف زيف الرّواية الصّهيونية التي يروّجها إعلام غربيّ مزدوج المعايير يسمّي من يخوضون حرب تحرير إرهابيّين ومن يقصف مدنيّين في المستشفيات جيش دفاع. بفضح الممارسات الصّهيونيّة ونشر صور الضّحايا وأصوات الفلسطينيّين الّذين يطلبون منّا أن نخبر العالم الحقيقة. بأن نطالب بتحويل الموقف الرسميّ المشرّف لدولتنا إلى إجراءات عمليّة على رأسها تجريم التّطبيع. نقاوم بنشر الوعي وإحياء الذّاكرة المقاومة. بأن نخبر أطفالنا عن حقيقة أن هناك كيانا استيطانيّا يقتل المدنيّين على مرأى من العالم. بأن نعيد قراءة غسّان كنفاني عن رجال تحت الشّمس والعودة إلى حيفا. بأن نقرأ حنّا مينة وعبد الرّحمان منيف يخبرنا “الحقد أفضل المعلّمين”. فرانس فانون عن الاستعمار وسمير أمين عن عدم التّكافئ في  المنظومة العالميّة التي قامت على دمنا وحطامنا.  بأن نشاهد أفلام إيليا سليمان والذّاكرة السّينمائية للمقاومين القابضين على الجمر. بأن نكتب على جدارننا الموّال الفلسطينيّ “ضرب الجناجر ولا حكم النذل فيا” نقاوم أيضا بالمدد التّضامني الذي هو الحدّ الأدنى أمام كارثة إنسانية يرتكبها كيان عنصريّ في حقّ شعب أعزل بتزكية من العالم الحرّ. المقاومة في فلسطين تمنحنا فرصة لاسترجاع إنسانيّتنا المهدورة.

“تحرير القدس يبدأ بتحرير العواصم العربيّة” الشّهيد أبو عليّ مصطفى. الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. “الله يخليكم ما تتركوا البارودة” الشّهيد إبراهيم النّابلسي قبل دقائق من استشهاده بعد أن أرهق الكيان في ملاحقته. نحن أمام اختبار لإنسانيّتنا التي نزعها العالم الحرّ عنّا.


إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي إنحياز وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !