رأي | رمل ‘السيليسيوم’: الثروة المنهوبة

بقلم سالم بن يحيي
سجين سياسي سابق

كشف اغلاق مصنعيْ الشركة الإيطالية ‘مينيرالي اندسترالي’  في الوسلاتية وسوسة خلال شهر جانفي من عام 2023 مدى خطورة ملف تصدير رمال السيليسيوم من تونس.

انطلق الحديث عن قطاع الرمال يوم أقرّ قانون المالية لسنة 2023 معلوما  بـ100 د على كل طن يتم تصديره من رمال السيليسيوم. تعطّلت يومها كل دواليب و”ميكانزمات” منظومة الرمال وتلخبطت أوراق العاملين في هذا القطاع، من أصغر مهرّب للرمال ( على غرار ناهبي الرمل في سواني اللوز والزياتين المهجورة في جهة صفاقس أو سارقيه في برج حفيّظ في جهة نابل) وصولا إلى الشركات المصدّرة مثل ’مينيرالي‘ أو ’سوميفام‘.

يُستغلُّ الرمل بعد تصفيته من الشوائب في صناعات عديدة (البلور ومواد الطلاء والبلاستيك والكوتش والصناعات البترولية والحديد والصلب…) بالإضافة إلى استعماله في مجال البناء. يقول الخبراء أنّ نقاوة رمال السيليسيوم في بعض المقاطع (قرية الدويرات كمثال) يمكن استغلالها في انتاج رقائق أنصاف وأشباه الموصلات.

إنّ الرمل التونسي من الرمال المطلوبة بالأسواق العالمية، وثمة شركات تونسية (سوميفام) وأجنبية (مينيرالي) تقوم بتصديره نحو الأسواق الأوروبية، وتحديدًا إلى الأسواق الإيطالية والفرنسية. وبحسب المركز العالمي للتجارة الدولية، التابع لمنظمة التجارة العالمية، فقد صدرت تونس منه في 2022 ما قيمته 35 مليون دولار.

لا تعود العقود الاحتكارية، التي تحوزها الشركات الأوروبية، في غالب الأحيان بالنفع على الدولة والاقتصاد المحلّي لأنها تندرج في اطار استمرار المنظومة القديمة للاستعمار. والمتمثلة في نهب ثروات ومقدرات الدول التابعة و تؤبّد دورها كمنتج للمواد الخام. ويتم تعديل علاقات إنتاج البلدان التابعة لضمان إعادة الانتاج في هذا السياق.

المنتجات الزراعية والغذاء والمواد الخام اللازمة لتغذية التصنيع الأوروبي

إن ملف اقتصاد الرمل كغيره من الثروات الطبيعية للبلاد، على غرارالملح والنفط والغاز والفسفاط ، يكتنفه الكثير من الغموض والريبة بالاضافة لعدم الوضوح في الأرقام والمعطيات التي تقدمها الجهات الرسمية، خاصة خلال العشرية الماضية. إذ عمّ الفساد الإداري وغابت الرقابة وانتشرت الفوضى في المقاطع، كما تفشّت ظاهرة السطو على الملك العمومي من طرف عدد من المتنفذين الذين سخّروا أجهزة الدولة وأعوانها  لذلك.

طالب نشطاء المجتمع المدني المختصين في متابعة وضع الثروات الطبيعية للبلاد التونسية في أكثر من مناسية وزارة الطاقة بمراجعة القوانين المنظمة لاستغلال هذه الثروات وطرق وآليات الاستثمار فيها، كذلك مراجعة العقود القديمة التي يعود بعضها إلى زمن الاستعمار الفرنسي المباشر. إلى حدّ اليوم، يتمّ نهب مقاطع الرخام والحجارة والطين والرمل على مرأى ومسمع من الجميع. وذلك بتواطؤ من الفاسدين صلب وزارة التجهيز ووزارة أملاك الدولة ووزارة المالية، الذين كانوا ملزمين بتحرير محاضر في الغرض وإعلام النيابة العمومية مثلما إقتضت ذلك أحكام الفصل 29 من مجلة الإجراءات الجزائية بإعتبار أن الأمر يتعلق بجرائم على معنى القانون عدد 20 لسنة 1989 المتعلق بتنظيم إستغلال المقاطع.

تتمثل أهمّ مظاهر النهب و الفساد في هذا القطاع في خروقات وتجاوزات، منها :

  • تعدد حالات توسعة المساحات المستغلّة من قبل المتسوّغين
  • افتقار المصالح المختصّة بوزارة التجهيز للمعطيات الواضحة بخصوص المقاطع التقليدية
  • تسويغ المقاطع مراكنةً  وفي مخالفة صريحة للبنود التعاقدية.
  • اعتماد معيّنات تسويغ بخسة ودون اللّجوء إلى اختبارات المصالح المختصة.
  • تغيير صنف الرخص، بخصوص المقاطع التقليدية بغرض الانتفاع بالإجراءات الاستثنائية لكراء المقاطع.
  • عدم التقيّد بمدّة صلوحية الرّخص وعدم سحب الرّخصة عند معاينة تجاوز الكميات القصوى لاستغلال مقطع تقليدي
  • عدم تهيئة أغلب المقاطع التي تمّ غلقها.
  • محدودية مبالغ الاستخلاص وتباين المعطيات حول وضعية الاستخلاص والنقص في نجاعة اجراءات التتبع
  • واقتصار مراقبة وزارة التجهيز على إجراء معاينات وإعداد تقارير دون رفع مخالفات.
  • ضعف نسبة تغطية المقاطع بالمراقبة البيئية للوكالة الوطنية لحماية المحيط وغياب التنسيق في هذا المجال مع مصالح وزارة التجهيز.

لقد أصبحت سطوة عصابات نهب الرمال في جبال وهضاب بتونس واضحة للعيان. حاولوا أن تقتربوا من مقطع (في اغلب الأوقات عشوائي) في برج حفيّظ أو في الوسلاتية وبيدكم ألة تصوير. سيخرج إليكم أناس مسلحون ببنادق صيد لملاحقتكم. صحيح أننا  في تونس لم نصل بعد إلى الوضع المغربي، حيث تتقاتل عصابات مافيا رمال الجبال و البحر بالأسلحة النارية، لكننا على قاب قوسين أو أدنى من ذلك.

التبعية الاقتصادية مسار تاريخي كامل تتكون فيه وتنشأ علاقات تبادل غير متكافئة بين متنفّذين محلّيين بمختلف أحجامهم، يقومون بنهب الخامات المحلية بكل الطرق (القانونية وغير القانونية) ويسلمونها للشركات الرأسمالية مقابل عمولة. هذا الرأسمال لا وطني. بل هو جشع وجاهل وعنيف ورثّ.


إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي إنحياز وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !