رأي | الانتقال الطاقي الأخضر في تونس: تكريس للتبعية وتفريط في السيادة الطاقية

بقلم سالم بن يحيى

تضمّنت مذكرة التفاهم التي أمضتها الدولة التونسية مع الاتحاد الأوروبي بتاريخ 16 جويلية  المنقضي فقرة عنوانها “الانتقال الطاقي الأخضر”، تنعت العلاقات المستقبلية بين أوروبا وتونس في هذا الميدان بـ”الشراكة الاستراتجية”.
لسائل أن يتساءل: ما هي مصلحة الشعب التونسي في هذا الموضوع؟  وهل ستحقّق هذه الاتفاقية الانتقال الطاقي في بلادنا وتُنهي العجز الطاقي الذي تعيشه تونس؟

تقول المذكّرة : “وإدراكًا منها لإمكانيات تونس من حيث الطاقات المتجددة ومن مصلحتهما المشتركة لضمان أمن أفضل من حيث إنتاج وتوريد الطاقة بين الطرفين، تعمل تونس والاتحاد الأوروبي على إبرام شراكة استراتيجية في مجال الطاقة، وبالتالي تعزيز النموّ الأخضر وخلق فرص العمل”. كما “يسعى الطرفان إلى تعزيز إنتاج الهيدروجين المتجدّد ومشتقاته، بما في ذلك الأمونيا في تونس… ” و”ستساعد هذه الشراكة الاستراتيجية على تعزيز أمن إمدادات الطاقة وتزويد المواطنين والشركات (مواطنو وشركات تونس أم أوروبا؟؟؟) بطاقة منخفضة الكربون وبأسعار تنافسية”.

وتمّ التطرق لمشروع الخط الكهربائي الرابط بين تونس وايطاليا “ألماد”، والاتفاق على منحة من  أوروبا بقيمة 307 ملايين يورو (335 مليون دولار) تضاف إلى قرض البنك الدولي بقيمة 268 مليونا و400 ألف دولار، لتمويل المشروع. وهو ما سيمكّن تونس من أن تصبح مركزا  لتصدير الطاقة المتجددة. ويتمثل مشروع “ألماد” للطاقة المتجدّدة في ربط شبكة الطاقة التونسية بالشبكة الأوروبية من خلال كابل بحري بقدرة 600 ميغاواط.

كما يجب التذكير أنّه ثمّة مشروع ثان لتصدير الطاقة الكهربائية من تونس سيشرع في انجازه مجمع “تونور” (برؤوس أموال أمريكية “أرمونيا” وانجليزية  “نور اينيرجي” و مالطية “زميط قروب”) عام 2025 بكابلين، الأول نحو مالطة والثاني نحو روما بقدرة 2500 ميغاواط. اذ دفعت الالتزامات المناخية والتوترات الجيوسياسية المرتبطة بالحرب الروسية -الأكرانية الى اعلان الدول الاوروبية  عن خطّة “الهيدروجين الأخضر” بحلول عام 2030 بما قدره 10 ملايين طن سنويًا من أجل اعادة تزويد أوروبا بالطاقة.

ترغب أوروبا في الخروج من منظومة الطاقة المصنوعة من المواد الأحفورية (بترول+ غاز) وتريد التزود بالطاقة الكهربائية المنتَجة من الشمس وكذلك بالهيدروجين المنتَج من الطاقة الشمسية. وتستخدم الطاقات المتجددة ( شمسية، رياح…) لانتاج الهيدروجين الأخضر بتشغيل محلّلات كهربائية  تفصل الماء إلى هيدروجين وأكسجين (10 لتر من الماء لانتاج 1 كغ من الهيدروجين). يمكن استخدام هذا الهيدروجين الأخضر كوقود متعدّد الاستخدامات في مختلف القطاعات، بما في ذلك النقل الفردي والعمومي والنقل الجوي والبحري، ولتعويض توربينات الغاز المنتجة للكهرباء والصناعة (الصلب والكيماويات والأسمدة) وانتاج الأمونيا والميثانول، دون انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون (المتسبّب في كل التغييرات المناخية)، وبالتالي تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والتخفيف من تأثير تغيّر المناخ.

تخلّت الدولة التونسية منذ مدّة عن احتكار انتاج الكهرباء، وذلك منذ أن مكنت شركات “ماروبيني” و “جنرال الكتريك” ثم “نبراس باور” القطرية من انتاج الكهرباء. وها هي اليوم تمنح الشركات الأجنبية حق انتاج الكهرباء في مواقع عدة في القيروان (“امييا باوار” الاماراتية+ “كسينجيانق” الصينية ) وفي برج بورقيبة ( “سكاتك” النرويجية) وقفصة (“انجي” الفرنسية+ “ناريفا” المملوكة للعائلة الملكية المغربية) وسيدي بوزيد و توزر (“سكاتك”)، كما أنّ البعض من محطات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية ستحاذيها مصانع لانتاج الهيدروجين والأمونيا للتصدير نحو أوروبا.

إنّ أوّل اشكال تطرحه هذه المذكّرة هو أنّها طُبخت في غرف مظلمة طيلة شهور دون علم الشعب التونسي، كما حدث  مع اتفاقية “اليكا” المقبورة . جلّ المحطات المزمع انشائها تحتاج الى مساحات كبيرة من الارض (بين 10.000 و 25000 هك) في مناطق لا تملك الدولة فيها أراضي، لأن أغلب الاراضي في الجنوب الغربي والوسط والجنوب هي أراضي “عروش”. فهل تنوي الدولة انتزاعها؟ وبأي حق؟ هل تنوي الدولة تحوير القانون وتمكين الأجانب من ملكية الأرض؟ ثم هل فكّر من فاوض الاتحاد الاوروبي في موضوع الشحّ المائي الذي تعيشه المناطق نصف القاحلة حيث ستقام المشاريع؟

للتذكير فان انتاج 6 مليون طن من الهيدروجين يحتاج سنويا الى 60 مليون متر مكعب من الماء، أي ما يعادل استهلاك 140.000 مواطن في السنة (بمعدل 430 م3 للفرد الواحد). كما نتساءل: لماذا لم تعُد أوروبا تنشأ مصانع الأمونيا على أراضيها؟ هل يا ترى لأنّها ملوثة ومضرة بالمحيط؟

إنّ مشروع انتاج الكهرباء الخضراء والهيدروجين والأمونيا ينخرط مثل سابقيه (السياحة + تصديرالباكورات والحوامض والزهور والملابس الخ..) في نفس دائرة منظومة التوزيع العالمي للعمل النيوكولونيالي ولا يخلق تنمية بل يوطّد علاقة التبعية المالية والاقتصادية والتكنولوجية مع الدوائر الامبريالية.


إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي إنحياز وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً.







أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !