رأي | الإطاحة بعمران خان، فصل آخر من غطرسة الامبريالية الأمريكيّة

بقلم شمس الهادف

تم منذ يومين عزل عمران خان رئيس الوزراء الباكستانيّ المنتخب ديمقراطيا عام 2018 من منصبه بانقلاب ناعم مدعوم من أمريكا. بغض النظر عن المواقف الميزوجينية والمرجعيّة الدينيّة لعمران خان والتي يتم استعمالها من قبل الإعلام الغربيّ لتبرير الإطاحة به، فإن من الواجب اليوم التّذكير بالأسباب الحقيقيّة التي دفعت بأمريكا للتخطيط لعزله. هذه أهمّ مواقف عمران خان الّتي يمكن أن نفهم منها سبب العداء الذي يكنّه الغرب له إذ لا يمكن أن نتخيّل أنّ الإعلام الغربيّ والقوى السياسيّة الخارجيّة المتدخّلة في الشّأن الدّاخليّ الباكستانيّ تهتمّ حقيقة للقضيّة النّسويّة والعنف الموجّه تجاه النساء الباكستانيّات.

عمران خان مناهض شرس للتّدخّلات الأمريكية في الشؤون الداخلية الباكستانية.

صرّح عمران خان في 2011 بأن أمريكا تدمّر باكستان “لأن باكستان توجّه قواتها العسكرية ضدّ شعبها بتمويلات وتوجيهات أمريكية.” وفي سبتمبر 2011، تعقيبا على تصريح باراك أوباما بأن الجيش الأمريكي كان وراء مقتل أسامة بن لادن، اعتبر عمران أحمد خان أن هذا التصريح “مخز” للباكستانيين، لأن الجيش الأمريكي كان المتسبب في مقتل بن لادن لا الجيش الباكستاني، مستنكرا عجز باكستان عن إلقاء القبض عليه في الوقت الذي نجحت فيه أمريكا في ذلك رغم كونه يعيش على مسافة ميل من الأكاديمية العسكرية الباكستانية.

عمران خان داعم لقضايا التحرر الوطني في العالم وعلى رأسها القضيّة الفلسطينيّة

لطالما كان عمران خان صوتا جريئا مندّدا بالسّياسات الاستعماريّة الأمريكية لدرجة دفعت بمكونات المجتمع الدولي لاستنكار “جرأة خطابه” ووصفه بالـ “متعصّب”، وقد استنكر الإعلام الغربيّ خطابه في الجمعية العامّة للأمم المتّحدة في 2019 ووصفه بالمتطرف بعد أن وجّه نقدا لاذعا للسياسات الاستعماريّة للدول الغربيّة القويّة ونهبها لدول الجنوب ودعمها للنخب الحاكمة والحليفة لها في دول الجنوب لمزيد فرض الهيمنة على مجتمعاتها.

وقد أدان خلال ماي الماضي الحرب الاسرائيليّة على فلسطين وصرّح “نحن نقف إلى جانب فلسطين، نحن نقف إلى جانب غزّة.” كما أدان تطبيع الإمارات مع إسرائيل في مناسبات عدة واعتبر أن “دول العالم الإسلامي فشلت في التصدي للمشروع الصهيوني” وكان مباشرا وواضحا في نقده لتطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية . ومما لا شكّ فيه أن عمران خان كان بالمرصاد للجهود الأمريكية والاسرائيلية لفرض التطبيع أمرا واقعا داخل باكستان.

إذ شُنّت حملة إعلامية شرسة من أجل فرض حقيقة التطبيع مع إسرائيل في المجتمع الباكستاني كما “واجهت باكستان ضغوطات خارجية من دول صديقة” كي تطبع مع دولة الاحتلال الصهيوني وأخرى داخلية من جهات سياسية وقيادات عسكرية عبرت عن استعدادها للمضي في الصفقات الطبيعية طمعا في كسب ثقة واشنطن ودعم الإدارة الأمريكية. بيد أن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان كان متصديا شرسا للمحاولات التطبيعية داخل باكستان وناقدا صريحا لها خارجها. وقد نجح في تشكيل خطر قيادة جديدة لدول العالم الإسلامي تقترب أكثر من محاور مناوئة للإمبريالية الأمريكية قد تسحب البساط من تحت السعودية المنبطحة والوفية لواشنطن.

السياسة الخارجية الباكستانية خلال فترة حكم عمران خان: خطى ثابتة نحو فك الارتباط بدول المركز الامبرياليّ وتوطيد العلاقات مع قوى عالمية جديدة.

شهدت باكستان خلال فترة حكم عمران خان جهودا لتوطيد العلاقات مع روسيا والصّين.

العلاقات الآسيويّة

فعلى الرغم من التوجهات الإسلامية لعمران خان والتي دفعت حتى بالمعادين للإمبريالية الأمريكية إلى وصفه بالشعبوي والرّجعيّ وإنكار شرعية معاداته للإمبريالية، إلا أنه لم يقع في فخ البروباغندا الغربية المستغلة لمشاعر المسلمين والتي تتغذى على نظرية المؤامرة وخطاب “الإسلام في خطر” من أجل شيطنة الصين باستغلال الصراع بين مسلمي الإيغور والدولة الصينية. بل إن عمران خان صرح بكونه “يتفهّم تصرّف الصين مع الإيغور الانفصاليين” مبينا بذلك، مرة أخرى، على أولوية المسألة الوطنيّة لديه وأهميّة الحرص على تمتين الصداقة الباكستانية الصينيّة في وجه موجة الشيطنة الغربية لكل القوى المعادية أو المنافسة لدول المركز الامبرياليّ. وقد تظافرت الجهود الباكستانيّة والصينيّة من أجل إنجاح مشاريع البنية التحتية التي ترمي إلى ربط المنطقة وخلق فضاء اقتصاديّ مشترك مثل الـ CPEC (الممرّ الاقتصاديّ الصّينيّ الباكستانيّ).

كما يمكن أن نستنتج الكثير عن عمق العلاقات بين الدولتين وعن اعتراف الصين بالقيادة الباكستانية “للعالم الإسلامي” من حضور وزير الخارجية الصينيّ وانغ يي في قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسلام أباد.

باكستان – أوروبا الشرقية

بعد عقود من العداء الباكستانيّ الرّوسيّ، الذي ترجع أصوله إلى العداء بين موسكو الاتحاد السوفييتي وباكستان حيث اعتبرت باكستان أن موسكو صديق حميم لنيو دلهي وبعدما كانت روسيا توفر نصف الواردات العسكريّة الهنديّة بين سنتي 2006 و 2020، وبمناسبة أولمبياد بكين، قبِلَ خان دعوة بوتين لزيارة موسكو. وقد أقام في موسكو لمدّة أيّام خلال فترة القصف الروسي على أوكرانيا. وحين وجهت له رسالة من السفراء الأوروبيين تندّد بعدم إدانته للهجوم الروسي على أوكرانيا كان ردّه “ماذا تعتقدون؟ أنّنا عبيد لكم؟ أننا سننفّذ كلّ ما تأمروننا به؟” وطالب الدول الغربية بإدانة العدوان الإسرائيلي على فلسطين والعدوان الهندي على كشمير قبل مطالبة العالم بالتضامن مع أوكرانيا.

عمران خان صوت معاد للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية ومعارض نشيط لسياسة “الحرب على الإرهاب”

في الوقت الذي يسوّق فيه الوحش الإمبريالي الأمريكي لنفسه على أنه “سوبر مان” العالم، وحيث لم يجرؤ معظم زعماء العالم على تقديم خطاب معاد للإمبريالية الأمريكية وسياساتها الخارجية الاستعمارية والمجرمة في حق الشعوب التي تقع ضحية الهيمنة الأمريكية سواء عبر الغزوات العسكرية أو عبر الانقلابات الناعمة أو عبر ابتزاز الحكومات من أجل تطبيق أوامر الجهات المانحة أو عبر اختراق المجتمعات من خلال منظمات ما يسمى بالمجتمع المدني والبروباغندا الثقافية التي تسعى لنشر براديغمات التفكير التي ينتجها النظام ودفع ضحاياه إلى استبطان خطابه كي يصبحوا خطه الدفاعي الأول.

وبينما يبقى العالم صامتا في وجه التغول الأمريكي ويعبر زعماء دول الجنوب عن انبطاح متزايد للولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها، كان عمران خان يتبنى خطابا يضعه في عداء مباشر مع الإمبريالية الأمريكية وعملائها في باكستان حتى وُصف بالتطرف لمعاداته الراديكالية لسياسات الولايات المتحدة الخارجيّة وتجرؤه على نقد الخطاب الغربي العنصري والإسلاموفوبيا التي يستعملها في تبرير الحروب الاستعمارية التي شنتها الولايات المتحدة على أفغانستان وغيرها. وقد لُقّب بـ” طالبان خان” على إثر مواقفه هذه. وقد اعتبرت الولايات المتحدة سقوط كابول في يد طالبان انتصارا لعمران خان.

سؤال عن النّسويّة
لقد استعملت النّسويّة كغطاء لغزو أفغانستان سابقا، ويتمّ استعمالها حاليّا لبيع أجساد النّساء وإعطاء الرّجال مزيدا من فرص فرض الهيمنة على النّساء، على جنسانيّاتهنّ وعلى تعبيراتهنّ وهويّاتهنّ الجندريّة عن طريق الأفلام والبورنوغرافيا وعمل الجنس والإسلاموفوبيا والعنصريّة… وسرعان ما توجّه تهم عديدة لأي خطاب معاد للخطاب النّسويّ السائد “هذا خطاب ذكوريّ” أو “هذا خطاب ‘متطرّف’ / راديكاليّ” أو “هذا ما فعلته أطروحات ما بعد الحداثة بالنّسويّة”، سعيا إلى خلق كل أشكال الوصم الممكنة لأي خطاب نسويّ راديكاليّ – حيث أصبحت الرّاديكاليّة ذاتها تهمة. لذلك فمن غير المستبعد أن نرى نفس المشهد يتكرّر اليوم لتُستعمل النّسويّة وغيرها من الشعارات والقضايا لعزل سياسيّين سياديّين ووطنيّين.

فلننطلق من واقعة عزل عمران خان ولنتجاوزها باعتبارها لا تعدو أن تكون إلا محطّة تاريخيّة جديدة يتم فيها توظيفنا وتوظيف أجسادنا لأغراض لا تخدم مصالحنا ولا قضايانا، أيّ نظريّة نسويّة نريد اليوم وأيّ خطاب نسويّ نتبنّى؟ وكيف نجعل خطابنا يسود مكان النّسويّة الاستهلاكيّة الامبرياليّة البشعة الّتي تهيمن على الحراك النّسويّ في العالم؟ أي أدوات سنعتمد لفرض هذا التّوجّه النسوي الذي يخلّص مطلب تحرير النّساء من الهيمنة السياسيّة الذّكوريّة والامبرياليّة؟


التحرير: الأراء التي يعبّر عنها في مقالات الرأي تلزم أصحابها، ولا يتحمّل فريق تحرير الموقع أيّ مسؤولية عنها، بغضّ النظر عن موقفه منها.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !