رأي | رأس الهمّ دادا كورونا

بقلم عمر مرزوق

“ما قبل و ما بعد الكورونا “
لا تكاد حصة تلفزية أو منبر اعلامي حتى على وسائل التواصل الاجتماعي دون أن تردد في ثلاثة أرباع وقت الحصة هذا المصطلح الطنان الذي تحول بفضل كلاب الحراسة ( مثقفين و إعلاميين و فنانين ) إلى أكثر المفردات إزعاجا و ضجيجا خاصة اذا ما تم اجتراره دون التمعن في جوهره “حركته .

فما يبدو بفضل السحر الكاريزماتي لمدّعي الاستشراف و الحكمة (الصافي سعيد …) مقاربة علمية في التاريخ بين ما يسبق المرض و ما يعقبه ليس سوى محاولة يائسة لتعويم الأثار الكارثية للرأسمالية (مركزية أو طرفية كانت ) عن طريق تحميل مسؤولية كل الكوارث الواعية(اقتصادية ،اجتماعية ،سياسية ،بيئية…) السابقة و اللاحقة إلى كارثة واحدة تلقائية ، لا واعية و مثالية تتعدى البشر و الطبيعة (فوق طبقية ).

فاليوم يكفي ان تلقي باللوم و لو عن طريق السخرية على الحكومة أو الإدارة أو حتى العسكر و الامن و من ورائهم البرجوازية على خلفية تردي الخدمة العمومية أو تقصير اي طرف حتى يصرخ الجميع في وجهك و حتى من كانوا يشاركونك نفس الموقف :
” الا تخجل من نفسك؟ كيف تصوغ لنفسك نقدهم و هم يعانون من وقع الأزمة بنفس الدرجة أو بدرجة أكبر “
و طبعا ستضطر بفعل الإحراج إلى ابتلاع ريقك و الانسحاب نحو الحجر الصحي مباشرة فأنت لا تتحمل التحول ل “نبيل القروي 2 “.


لا يحق لنا انتقاد المبالغة الأمنية في التعاطي مع الخارجين عن الحجر ولا يحق لنا انتقاد السادة النواب على خلفية التشريعات اللاشعبية الأخيرة و لا دور لنا سوى الاستهلاك النشيط مهما ارتفعت الأسعار و مشاهدة التلفاز هذا إن لم يفوتروهم.
و كذلك يروج هذا النوع من الخطاب الاستباقي و الاستشرافي تمهيدا او تحضيرا للشعب كي يتلقى بكل بساطة و سلاسة جملة التغييرات و التعديلات الهيكلية التي وجدت الفرصة المثالية لتمريرها تزامنا مع “حظر النقد ” و كي يقطع بنفسه مع المرحلة القديمة و ينال شرف الافتتاح.
والا فما الذي تعنيه اذا هذه المقاربة عدا عن كونها محاولة فاشلة لتقمص التاريخانية (التحول النوعي ) ؟


فالكورونا اذ تنتحل صفة الثورية كما تدعون و تصبح فاصلا تاريخيا بين مرحلتين ، مرحلة الما قبل و مرحلة الما بعد ، كان عليها وجوبا أن تهدم المرحلة السابقة و أن تجتث جذورها ففي النهاية لم يكن ماضينا سوى صراع طويل للبقاء في غابة لا يعيش فيها سوى الأقوياء و من الجلي أننا كنا دائما الأضعف، أولئك الذين للعيش يخسرون كل سبب للعيش ، من تستنزف جهودهم و ادمغتهم مقابل كسرة ( خبز عربي )و تستباح أراضيهم و ثرواتهم و مناعاتهم لكي يزيد موكب الأسود صخبا و عويلا.


نعم ، لقد مللنا فلم نعرف منذ فجر الطبقية سوى الحروب و المجازر و الأوبئة و الكوارث ، و كل كارثة نعتقد في زوالها ، الا و كانت تحمل بذور كارثة أكبر و أكثر سخرية و هكذا كانت تتوارث الرأسمالية أطوارها الاستعمارية منذ شروقها المركنتي في الأراضي المنخفضة ( هولندا netherlands ) إلى غروبها الإمبريالي في السور العظيم ، هكذا أنجب شقيق نابليون نابليونا جديدا بعد نصف قرن و هكذا يحمل الخاص المشعل على العام …
نعم مللنا ،نريد أن نحيا ما بعد الطبقات .


فهل هذا ممكن ايها الفيروس ؟
هل تكون مرحلة ما بعد الكورونا مرحلة تحررنا ؟؟


صدقا لا أعرف و لكن أستطيع أن أجزم بالثابت الوحيد في المسألة الا و هو عاملنا الذاتي ، فكلما كانت الضرورة أكثر تجليا كلما كان الانتقال إلى مملكة الحرية (جنة الارض) اسرع و أكثر صفاءا و هذا هو دورنا التاريخي. فما قيل سابقا عن نهاية التاريخ (فوكوياما ) بحثا عن سد آفاق الشعوب إلى التطلع بحتمية العدالة الاجتماعية كأن مصيرنا ينتهي بانتهاء الرأسمالية و لا مستقبل بعدها ، يقال الآن عن نهاية الرأسمالية حتى تأخذ وقتها في تجديد القناع و تناول المنشطات الوحشية بعيدا عن أنظار الشعوب العزّل و اعلام المقاومة ، فما اعلمه جيدا جيدا ان الرأسمالية كانت النمط الأقدر التاريخيا على التجدد و الاستجابة لحتمية التثوير المستمر للقوى الإنتاجية بما فيها من تنمية لإنتاجية العمل اقتصاديا (امريكا لم تعلق العمل بأغلبية مؤسساتها الانتاجية رغم الوباء ) و من تقوية لأجهزة الدمار عسكريا في مرحلة أولى و لقاعدة حتمية التوسع في مرحلة ثانية.

فمثلا ترامب رغم الوضع الموبوء لم يتوانى عن تسليط العقوبات على إيران كما لم يتأخر الاتحاد الأوروبي عن تعويض ايطاليا بمقدونيا الشمالية في ظرف كهذا ،كذلك زادت الصين من حجم صادراتها الجنينية(مساعدات ) بل يبدو انها ستتجاوز بعد الازمة نصف حجم صادرات العالم . على ما يبدو ان هنالك تقسيم جديد للعمل أكثر لاتكافئا و علاقات إنتاج أكثر هيمنة و استغلال و الجميع يستبطن هذه القناعة من سوء عشرته الطويلة مع الرأسمالية بل أخشى اكثر ما اخشاه أن تتقمص “نيو ديل” التي أنقذت الرأسمالية على حد تعبير روزفلت بعد أزمة الكساد الكبير في الثلاثينات قميص الصين الحريري( “طريق الحرير ” ) في عشرينات الألفية الثالثة خاصة و أن شبحها الكاينزي لا يزال يحوم في المكان.

ولكن مجرد البحث في هذه الاحتمالية الواقعية ممنوع فنحن في حجر النقد ! لذلك كان لابد من استبدال هذه المفاهيم العلمية بأخرى فوق علمية كالتي يحترفها الصافي مثل “الجيوبولتيك ” و التي تتعامل مع التغيرات الدولية دون تحديد المحرك فيها وحتمياتها بل تعيد سرد التواريخ و الملاحم الفوق تاريخية طبعا و تعيد ترتيبها بالتناوب و كأنها دورية متواصلة و كل وقت له حارسه الخاص و حتى إحصائياته التي يتباهى بواقعيتها فهي تحتاج إلى التجريد بنظرية علمية و وسائل تحليل علمية حتى تتحول إلى إنتاج للمعرفة النظرية ولا أظن صراحة أن سيف الدولة هو إحدى تلك الوسائل .


على العموم سواء كنا مؤمنين بنظرية المؤامرة أو من رافضيها فمن الواضح أن ما قبل و ما بعد الكورونا كمقاربة أو مقارنة بات واضحا لأي غرض تستخدم و بالتالي تسترجع الكورونا عضويتها بالسياق الطبقي العام و اذ ذاك تتمرحل تبعا لأطواره فتستحيل عنصرا ثوريا و ما يجب اليوم و ملح التحذير به هو أن الكورونا استنفذت طورها الأول أو طورها التلقائي و تحولت هي بدورها إلى استثمار على شكل مضاربة يقتنص كل فرصة ربحية و كل ثغرة زمنية و لو كانت محدودة جدا في الزمن و اذ ذاك تدخل في طورها الثاني و تتحول بدورها إلى اللبرلة و هذا جلي للمتمعن :


__خطاب الأطباء تسيس تماما و لم يعد هنالك من جدوى للتركيز على أساليب مجابهة المرض ( اجهزة تحليل، وسائل وقاية …) لأن المهم هو فضح عقدة البيروقراطية في الجهاز العمومي و تمهيد الطريق للفارس الخاص .

_النتائج الإيجابية لتجربة دواء الكلوروكين و التراخيص عن مضض باستعماله و لكن دائما بوصفة الطبيب و تحت مراقبته “السياسية”.

__الاشاعات المتكررة حول اكتشاف دواء حتى تنهار مصداقية البحوث العلمية المتواترة و في النهاية لن يكون هنالك سوى علاج واحد اما علاجهم المتأخر المسجل كبراءة اختراع و جميع حقوق ملكيته الفكرية في الاستثمار محفوظة أو دواء تفتكه الشعوب عاجلا بالضغط .

__شخصنة الخدمات العمومية ، الصحة العمومية في الطبيب و الجهاز التعليمي في المهندس… أو بتعبير أصح خلق أكباش فداء أو وسائط في تنفيذ الإملاءات النيوليبرالية العالقة ،فلو قلنا ان الصحة العمومية متردية ستعتبر إساءة للطبيب و لو قلنا اننا متخلفون عن ركب الرقمنة في التعليم و نرفض التعليم عن بعد طلع علينا المهندسون بإعجازاتهم البحثية و الرقمية و من ورائهم الراعي الرسمي للبحث العلمي “إجابة” مع الحرص على أيقنتهم بأكثر ما يمكن من الوجدان الاجتماعي ( الصف الأول ، جنود الخفاء، هذه حرب … و غيرها من المصطلحات الشعبوية) التي في الحقيقة لا تعكس اي مضمون اجتماعي لفعل هذه الفئات أو مفعولها السياسي و انا لا أعتقد صراحة في تسيدهم العالم للضرورة البيولوجية كما يدعي القومي السعيد .

__الاجراءات الاقتصادية لحماية الكبار و تهميش المؤسسات الصغيرة و اصحاب الدخل المحدود و الفئات الهشة.

__اللاشفافية و الصنصرة و كتم المعلومات تقريبا كما وقع للشاب الذي استفسر عن طبيعة دواء التعقيم في حلق الواد
لعل التعبير الوحيد الذي استرعى اعجابي على طول البرنامج هي “المعزولين العزّل ” فبالفعل هنالك معزولين مسلحين و هنالك معزولين عزل لم يبقى لهم خيار تقريبا سوى الانفجار و يمكن أن نصل قريبا إلى عصيان الحجر فكذلك الشرّ يقتل !


“أينما وليت وجهك كل شيئ قابل الإنفجار…”درويش “.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !