“الحاكم”

 

عفراء بن عزّة*

 

الناشطة الحقوقية عفراء بن عزّة

لا أعتقد انّ هذه الرقعة الجغرافية المسمّاة بالجمهورية التونسية عرفت يومًا مفهوم الدولة.

فمنذ تأسيسها، يحرص كل موظفّيها، أو ” رجال الدولة “، على تحطيم كل محاولة لقيام هذه الدولة. وعلى هدم أسسها المتمثلة في سيادة القانون وحياد المؤسسات واستقلالية السلط وغيرها من مقومات الدولة المدنية. ينقسم المواطنون هنا الي فئتيْن: عامّة الشعب، وهي الفئة التي يطبق عليها القانون وتُنتهك حقوقها؛ وفئة ثانية هي “الحاكم” ] أيْ البوليس بالدارجة التونسية[ .

فمَن وظيفته تطبيق القانون هو أوّل مخالفيه. إذ لم يعد “الحاكم” هنا سلطة سياسية، بل صار سلطة بوليسية.  وهو ما تجسّده اليوم النقابات الأمنية، التي أصبحت تنوي خلق كيان مستقل لها، عصابات مسلّحة خارجة عن نطاق المؤسسات لا تحكمها قوانين. وهكذا تحوّلت وظيفة  ] الأمن[  إلى تجاوزها عبر هضم حقوق غيره  ودهس من لا نفوذ له.

 

تعريف الارهاب المعروف هو: تنظيم مسلّح يستعمل قوة السلاح للاعتداء على العزّل و تهديد سلامتهم وسلب حقوقهم الإنسانية. كلّنا ندين هذا الاجرام ونسعى لاستئصاله من اوطاننا. لكنّ الأخطر من هذا هو جرائم الدولة، جرائم من كُلّفِوا بحمايتنا من الإرهاب. نتحدث هنا عن ” الإرهاب المرخّص له “، إرهاب أصحاب السلطة أو إرهاب الدولة. فقد تصل السذاجة البشرية الى درجة تبرير ممارسة الارهاب بمقاومة الارهاب او بمحاربة الجريمة.

لقد نخر الفساد في بلادنا كلّ أجهزة الدولة لنبلغ نتيجة الافلات من العقاب: الوقوع في سلطة العصابات “المرخص لها”. فالحاكم هنا هو عبارة عن مجموعات مسلّحة تستخدم نفوذها ومكانتها كسلطة تنفيذية وما لها من حماية قانونية للاعتداء على المواطنين العزّل. فالاحتجاز التعسّفي وإساءة معاملة المواطنين والاعتداء بالعنف والتعذيب وحرمانهم من حقوقهم المدنية… كانت ولا تزال الطريقة الأساسية المتبعة عند اجراء التحقيق. لا مع السياسيين فحسب، بل مع أغلب المواطنين ممّن لا سند لهم. فالحاكم هنا ينصّب نفسه قاضيًا ومعاقبًا، فيتشفّى في هذا ويعذّب ذاك.

لطالما كان الافلات من العقاب الغذاء الأساسي لجرائم الدولة. فلا نذكر صدور أيّ حكم إدانة بحق كلّ من امتهن التعذيب وأسقط قتلى في مراكز الإيقاف. أو بحق من تجاوز السلطة واستغلّ وظيفته لإهانة المواطنين وتعنيفهم، والتلاعب بمستقبلهم، عبر تلفيق تهم لهم بفضل ماله من صلاحيات قانونيّة.

يتصرف أعوان وزارة الداخلية هنا على انهم عصابة لا مؤسسة من مؤسسات الدولة. فحين يُتَّهمون بجريمة ما أو يشتكيهم مواطن للقضاء يرفضون المثول امام القاضي. ويمتنع زملائهم عن تقديمهم إلى العدالة. وهذا طبيعي لأنّ “الحاكم” فوق الحساب.

إلى متى ستبقى جرائم الدولة خطًا أحمر لا تدان ولا تعاقب ولا تستأصل من أجل إصلاح ما تبقى من الدولة؟ كيف سنتخلصّ من عقلية الحاكم إن كان القضاء ما يزال يؤمن بها ويُسندها؟

 

(*): ناشطة حقوقيّة

 


التحرير: الأراء التي يعبّر عنها في مقالات الرأي تلزم أصحابها، ولا يتحمّل فريق تحرير الموقع أيّ مسؤولية عنها، بغضّ النظر عن موقفه منها.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *