فيديو|ڨابس: فلّاحو غنّوش مُهدّدون بالطرد من الأراضي التي استصلحوها

عمل صحفي لوجدي المسلمي

بمساهمة عمر مرزوق


أعلمت السلطات الأمنية بمدينة المطوية، يوم 8 ماي الجاري، 5 من أصل 43 فلاحا من المستغلين لأراضٍ دولية بمنطقة العوينات 1 و2 بمعتمدية غنّوش من ولاية ڨابس، بضرورة إخلاء مستغلاتهم الفلاحية في أجل لا يتجاوز أسبوع قبل الشروع في تنفيذ الإخلاء بالقوة العامة.

ولا يُعدُّ هذا القرار بالإخلاء مستجدًا في حق الفلاحين بلا أرض بالمنطقة المذكورة، إذ أنّ محاولات التهديد بإخلاء المستّغلات الفلاحية بالقوة العامة تعود إلى زمن نظام بن علي. وتم خلال سنوات التسعينيات إيقاف وسجن عدد من الفلاحيّن بالجهة. وبالرغم من كل التهديدات والهرسلة التي تعرّضوا لها، تشبث الفلاحون بحقهم في النفاذ إلى الأرض، وتقدموا بمطالب متواترة لتسوية وضعيتهم القانونية إمّا بالكراء أو بالتفويت، لكن السلطات المعنيّة رفضت ذلك.

فلاحون بمنطقة العوينات 1 بصدد حرث الأرض

قرار بالاخلاء جزاء الاستصلاح

تبلُغ المساحة الجملية للأراضي الدولية بمنطقة العوينات 1 و2 بغنّوش، وفق معطيات مجموعة العمل من أجل السيادة الغذائية ، 3000 هكتار. منها 1500 هكتار تابعة لديوان الأراضي الدولية، و 1500 هكتار تعود بالنظر إلى الملك العمومي للمياه بوزارة الفلاحة. استغلّ الفلاحون 1000 هكتار من هذه الأراضي المُصنَّفة غير قابلة للزراعة (سباخ)، ونجحوا في استصلاحها وتحويلها من أراض مهمَلة إلى أراضٍ منتجة لجميع أنواع الخضروات وصالحة لغراسة الزياتين والأشجار المثمرة. وبحسب نفس المصدر، يُساهم الفلاحون/ات والعاملون الزراعيّون/ات بالجهة – وعددهم حوالي 600 – بما يقارب 70% من الإنتاج الفلاحي بولاية ڨابس.

وفي هذا السياق، قال هادي عبّاس، فلاّح بمنطقة العوينات 1، في تصريحه لموقع إنحياز أنّ “الفلاحون المستغلّون للأراضي يريدون تسوية وضعيتهم القانونية عبر منحهم المقاسم على سبيل الكراء”، مطالبين الدولة الاعتراف بهم. وأفاد عبّاس أنهم تقدموا بمقترح لكراء الأرض ودفع المعاليم المستوجبة أثناء جلسة عمل انعقدت في شهر سبتمبر 2022 بمقرّ ولاية ڨابس، بحضور ممثلين عن وزارة أملاك الدولة والاتحاد الجهوي الفلاحيّن والمسؤولين المحلّيين بالمطويّة، بالإضافة لممثلّين عن المجتمع المدني الجهة. إلّا أنّ الوضع بقي على ما هو عليه.

وأضاف عباس أنّ “والي ڨابس السابق مصباح كرمدين رفض خروج الفلاحين من مستغلاتهم، واقترح إعادة هيكلة المقاسم الدولية وتكليف فريق من أملاك الدولة بايجاد حلّ قانوني للفلاحين. لكنّ هذا المقترح لم تتبناه المسؤولة الجهوية بوزارة أملاك الدولة بقابس”.

وتجدر الإشارة إلى أنّ مساحة المقاسم التي يستغلها كل فلاح بمنطقة العوينات 1 و2 لا تتجاوز 7 هكتارات في أفضل الأحوال.

أشجار الزياتين مهملة بأرضٍ دوليّة بمنطقة العوينات 2

من جهته قال محمد الغودي، فلاح بمنطقة العوينات 2، أنّه نفذ إلى الأرض بالجهة منذ 30 سنة وعمل على استصلاحها بعد جهد وتعب مضنيَيْن. وأضاف أنّها مورد رزقه الوحيد ويستغلها من أجل إعالة أبناءه الأربعة، خاصة أنّ “منحة الشيخوخة التي أتحصل عليها تبلغ 180 دينارا فقط ولا تكفي لضمان العيش الكريم مع عائلتي”. وتطرّق الغودي بحرقة إلى سعي الدولة لافتكاك الأرض منهم بعد تهيئتها واستصلاحها. كما أكّد محدّثنا أنه لن يغادر الأرض بعد كل التضحيات التي قدّمها خلال هذه السنوات من أجل احياءها.

وتابع بالقول : “إذا أخرجتني الدولة من الأرض فعليها أنّ تدفنني تحت شجرة الزيتون”. كما دعا بدوره الدولة إلى العمل على تسوية الوضعية القانونية الفلاحين المستغّلين.

وفي سياق متّصل، قال حمادي الفيتوري، فلاح بلا أرض بمنطقة العوينات 2، أنّ الأرض التي يستغلّها “كانت خرابًا ومهْملة قبل النفاذ إليها في العام 2018”. وأضاف الفيتوري أنّ غراسة الزياتين كانت مستعصية نظرًا لملوحة الأرض وأنّ عملية الاستصلاح استغرقت أشهر طويلة كلّفته مالاً كثيرًا اضطرّ لاقتراضه من أجل انجاح الغراسات. كما استغرب محدّثنا تجاهل السلطات لأحقيّتهم في استغلال هذه الاراضي وتعاطي الدولة مع الفلاحيّن الذين عملوا بجهد كبي رمن أجل تهيئة سباخ وإصلاحها وتحويلها الى أراض فلاحيّة منتجة.

وقد حاول موقع ’انحياز‘ عديد المرات التواصل مع مسؤول من وزارة أملاك الدولة للحصول على تصريح بخصوص هذا الملفّ، الّا أنّه لم يقع الردّ على اتصالاتنا.

محمد الغودي (72 عامًا) فلاح بمنطقة العوينات 2

لا عدالة في ملف الأراضي الدٌولية

إنّ الاستراتجية المُتّبعة من قبل الدولة التونسية تجاه مسألة الأراضي الدّولية ترواح مكانها منذ عقود من الزمن. وحتى مع قدوم مسؤولي “الجمهورية الجديدة”، لم تنعطف إلى حد الآن نحو العدالة في توزيع الأراضي على المزارعين بلا أرض أو العمل على إستغلالها من أجل أولوية انتاج الغذاء للتونسييّن/ات.

ولذلك يرى الناشطون في مجال السيادة الغذائية ومناصرة حقوق صغار الفلاحين والفلاحين بلا أرض أنّه رغم كون البلاد في حالة تبعيّة غذائية متزايدة، ما زالت الدولة تعطي الأفضلية في استغلال الأراضي الدولية الخصبة لمن ينهبها، وتشجّع خيار الخوصصة والمستثمرين. وذلك رغم أنّ هذه الخيارات الليبرالية أثبتت فشلها وانعكست سلبًا على منظومة انتاج الغذاء في تونس، وبيّنت عدم جدواها في تحقيق السيادة الغذائية.

إنّ استصلاح آلاف الهكتارات والأراضي المهملة التي طالها الضياع والخراب لسنوات عديدة، كما في قضية الحال، يستحقّ الإشادة وتشجيع الفلاحين من قِبل الدولة، عوض التفكير في الحل الأمني الذي سيكون له انعكاسات اجتماعية وخيمة على حياة الفلاحين بلا أرض بالجهة وعلى منظومة انتاج الغذاء في ولاية ڨابس ككل.






أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !