رأي | مأزق قد يطول

بقلم غسان بن خليفة

جهة رسمية تمنع كتب وأخرى تأمر بإعادتها، تقاعس أمني مشبوه في مباريات رياضية يؤدّي الى مواجهات مع شباب ناقم، قضايا مفبركة أو لأسباب واهية ضدّ نقابيين وناشطين على خلفية تدوينات عبّروا فيها عن أراء، وأحيانا دون خلفية واضحة أصلا والخ. مع عودة واضحة لوجوه وممارسات منظومة بن علي في عديد القطاعات والمجالات…

في العديد من هذه الحالات، هناك مؤشرات أنّ قيس سعيّد شخصيا لا يعلم بالموضوع أو لم يأمر به أو لا يوافق عليه (رغم تعلّق بعض مواضيع القضايا بشخصه)…كلّ هذا يدلّ بتقديري على خطورة ما سبق التحذير منه: الحكم عبر الأجهزة وتهميش “الأجسام الوسيطة” (حزب يحمل رؤية الرئيس ويسمح له بجسّ نبض الشارع وتعبئته بشكل مباشر بعيدا عن الأجهزة) والاعتماد على جمهرة غير متجانسة من الأنصار فيها الكثير من المتسلّقين وعديمي الكفاءة ودون قيادة توجّهها…

هذه الفوضى غير الخلّاقة ستؤدّي ضرورة إلى تعاظم دور بيروقراطية الدولة وسطوة أجهزتها (وهي في عمقها كمبرادورية وغير مرتاحة لخطاب الرئيس وان تقاطعت معه في أولوية “استعادة هيبة الدولة”) وستسمح بتصاعد صراعات الأجنحة داخلها وبارتباط هذه الأجنحة بمراكز نفوذ داخلية أو خارجية… وفي المحصّلة سواء وافق الرئيس على أفعالها أو لم يوافق فإنّه يتحمّل بالضرورة (بحكم اختياره نمط الحكم الرئاسي المطلق والفوقي) مسؤولية كلّ ما تقوم به الدولة وأجهزتها سياسيا وأخلاقيا.

هذا الاستنتاج ربّما هو اليوم أكثر وضوحًا ورسوخًا لدى المشتغلين بالحقل السياسي منه لدى الطبقات الشعبية (التي مازال بعضها يثق في “نظافة الرئيس” الذي تحيط به مؤامرات “أزلام عشرية الخراب”)، لكنّ هذه الطبقات لن تصبر طويلا على تواصل تدهور أوضاعها المعيشية وعلى عودة السطوة البوليسية، في ظلّ ما يبدو واضحًا من افتقاد قيس سعيّد لرؤية استراتيجية بديلة يجسّد بها ما يعبّر عنه أحيانا من “نوايا طيبة” تجاه المفقّرين والمهمّشين… وسينتهي بها المطاف بدورها إلى تحميل الرئيس مسؤولية كلّ ما يحدث.

والأخطر في الأمر أنّ الضرر لن يلحق سعيّد فحسب، بل أنّه سيلحق حتى بعض الشعارات الإيجابية (مثل العدل الاجتماعي والسيادة الوطنية) أو المواقف الصحيحة (الموقف من شروط صندوق النقد الدولي وابتزاز وكالات التصنيف والدول الاستعمارية) التي عبّر عنها سعيّد بشكل شعاراتي يفتقد للمضمون المبني على رؤية وخطّة بديلة.وما يزيد الطين بلّة، أنّه لا وجود اليوم لأيّ قوة سياسية ثورية، أو حتى اصلاحية، لديها عمق شعبي وقادرة على تعديل ميزان القوى المختلّ مع الدولة، ولا حتى أن تفرض على سعيّد أن يتحالف أو يتوافق معها على جملة من المسائل التي تصبّ في مصلحة الأغلبية الشعبية.

وهذه بتقديري من أخطر تداعيات الفشل الجماعي الذريع للعشرية الماضية. نحن في مأزق. لا حلول واضحة في الأمد القريب. لكن حلول الأمد المتوسط والبعيد معروفة (ثورة وطنية شعبية ذات أفق اشتراكي) وطريقها واضح (النضال طويل النفس مع وصلب الطبقات الشعبية).


إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي إنحياز وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !