رأي | السوريات غير مرئيات: مُعاناة مُضاعفة بعد الزلزال

سارة محمد براهمي

قرأت مرة أن كلمة “تابو” تعني في الأصل دم الحيض، واليوم أصبحت كلمة تابو تعني كل ما هو “خط أحمر” وممنوع ولا يمكن المساس به. الكلمة شائعة بخاصة في مجال الصحافة، حيث أدرج تحتها مئة عنوان ممنوع من التناول، وجسدي منبع هذه العناوان، وعلى رأس القائمة: أنا امرأة عربيّة.

الملح الزائد في الطعام خيبتنا الأولى، ثم انتقلت العدوى من المائدة إلى الفساتين ومن الفساتين إلى الكلام ملحنا زائد في الحب، والشتائم، والسكوت يتشكل ملحي الزائد – أنا، سارة – باقتراب موعد دورتي الشهرية هاجس لدى جميع النساء. لكن الأمر يتفاقم بالنسبة للسوريات اللواتي لا تكفيهن الآلام العسيرة خلال فترة الطمث وما يرافقها من اضطرابات نفسية وهرمونية. ولا تكفيهن تبعات 10 سنوات من الحرب الملتئمة على أرضهنّ.

المنطلق هو ان الفوط الفوط النسائية، إحدى الاحتياجات الأساسية للنساء، أضحت خياراً كمالياً مع زيادة حدة الفقر في سورية (بعد تآمر الكوكب عليها طبعا) والتي وصلت إلى 90% من إجمالي عدد السكان حسب إحصائيات الأمم المتحدة، مما يضرب الحلقة الأضعف طبعا في حقهن في العيش بكرامة وحقهن في الصحة وكذلك الحق في الاستقلال الجسدي تزداد قضية فقر الدورة الشهرية على نطاق عالمي في أوقات الطوارئ والحاجة إلى المساعدات الإنسانية، الزلزال الذي حصل في سورية وتركيا يوم ستة فيفري مثلا.

قد أسأل مستنكرة ان فكر احد ما بجدية في مآل النساء، ولكني أكاد أجزم أن أحدا لم يفعل، حتى المساعدات العينية التي تلقيتها واخوتي لايصالها الى المناطق المنكوبة العربية، لم أرَ علبة فوط صحية واحدة، أو مسكن آلام نسائي واحد، و هذا يعود الى “سوء التعرف” على ماهية دورة الجسم الطبيعية بالإضافة إلى عدم فهم وجوب وضع معايير اجتماعية داعمة لمناقشة قضايا الدورة الشهرية دون الخوف من أن يتم إسكاتها أو اعتبارها أمرًا معيبًا، بما أن الاستجابة الإنسانية للدورة الشهرية ذات بُعد طبيعي طبعاً.

يستند هذا الى بعض الشهادات الحية التي جعلتنا نقدر حجم الضرر الذي لحق بالنساء في سورية في ما يتعلق بالوصول إلى منتجات النظافة الصحية ومستلزمات الدورة الشهرية بسبب الارتفاع الحادّ في الأسعار والمترتب على أسوأ أزمة اقتصادية تواجهها البلاد أولا، و بسبب النكبة الأكبر : الزلزال الذي لا تزال أعداد ضحاياه في ارتفاع متزايد. وعوضا عن الاطناب في ذكر الآثار الصحية والنفسية لفقر الدورة الشهرية في سورية، أو عن الرد بتشكيل نص واضح عن كل من يعتبرها ترفاً فكريا، سآتي على ذكر بعض الدعائم التي تَقُصُّ لنا أن النساء هن اللاتي أكثر تضررا من الزلزال: بعيدا عن التهجير وفرص العمل غير المُؤمنة، الآن منازلهنَ مُهدّمة.

الامهات المرضعات معرضات لخطر جفاف اللبن، والحليب الصناعي غير متوفر، ان لم أقل مُحتكر في ومن الأسواق وهذا يعود لأسباب عديدة أهمها قانون قيصر. حتى انه -بمكان ما- لا أعتقد أن سورية كانت خطرة على النساء العابرات جنسيا وجندريا كما هي اليوم.

النساء غير مرئيات في الحروب والاحتلال والاستعمار والأوبئة والكوارث الطبيعية

معاناة السوريات وهمومهن أكبر وأقسى من مجرد ألم جسدي لا يلاحظه أحد، (لاحظته انا بغرقي بامتيازاتي، بيت دافئ، عدد مهول من الفوط الصحية، ودرج مليئ بالحقن والمسكنات) أشياء كثيرة لا يمكن أن تخطر على بالنا نحن اللواتي لم نعش في المخيمات او لم نهرب من التكفيريين او لم تنهر منزلنا فوقنا.

هكذا كبرنا، بامتيازات عديدة، لكننا كنا نخفي عن العالم أننا كائنات تنزف وتتألم حد الجنون، يُطلب منا ألا نخبر أحداً تجاربنا. كبرنا ونحن نعتقد أن “دورة” كلمة إرهابية، وأن رحمنا مجرم حرب أو مطلوب صهيوني، وكناشطات سياسيات واجتماعيات، نفكر ألف مرة قبل كتابة نص قصير في الغرض، او الوقوف بثقة وقول: النساء السوريات جزء مهم من الضحايا، على الخطط الاغاثية ان تشملهن بشكل خاص. وصل ظلم العالم الى أقصاه.

استحضر قوله تعالى “فناداها من تحتها الا تحزني”.


أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !