رأي | ” الانحياز لمن هم تحت” : الجبهة الاجتماعية نموذجًا

سارة محمد براهمي

لم يحرّك الزلزل في سورية العربية الأرض وحسب، لقد بصق على ورقة التوت التي كان الغرب يتضلّل بها، واستنهض هممنا جميعا.من داخل لبنان، البلد المنكوب نفسه، جاءت استجابة لصرخات الأطفال تحت الأنقاض، وتعويضا عن تهاون الجهود الرسمية.

حاولت أن تخفف من آلام المصابين وأن تكون شمعة مضيئة في الأيام المظلمة التي يمر بها وطننا العربي، وفي واحدة من أسوأ الكوارث التي يشهدها – قيصر و قانونه وما قلبه وما بعده – قد يكون حائلا دون تلقي الدعم اللازم واستحضار اشكال التضامن الدولي، لكنه يخطئ حتما عزم شبابنا العربي واصرارهم على نجدة سورية، بكل الامكانيات والوقت والماديات .. واللحم الحي.

تكونت قافلة نجدة الشعب السوري من جهاز الدفاع المدني ووحدة المتطوعين بالجبهة الاجتماعيّة (ض)، ضمت امكانيات لوجيستية ومادية بسيطة : بنزين للسيارات وبضع دولارات لم تكن لتكفي الشباب ما يلزمهم من ماء وسجائر على الأقل (لا أعلم صراحة ان كان إدراج هذا التفصيل اخلاقيا) لكنهم مضوا .. مضوا بقلوب لا تلين وعزائم من حديد نحو الثلوج والطرق الوعرة ليعبروا الحدود الى اللاذقية.

وما حصل بعد الزلزال بساعات أثبت لي بحق أنّ التضامن يكون عربيا أو لا يكون، ويكون طبقيا أو لا يكون.و أثبت لي بحق معنى العِناد… هؤلاء الشباب عنيدون، لا يثنيهم شيئ، ولا يحبط عزائمهم شيئ، و”العمر واحد و الرب واحد” ، تعاملوا مع الزلزال كأنهم أمام العدو أو أحد وكلائه، إمّا حياة وإمّا شهادة “…تسعى القافلة الأولى الى التواصل والوصول إلى المنكوبين ودعم التعرّف على المفقودين، ورفع الأنقاض و استخراج الأشلاء و الجثث.

في حين أنّ الباقيات والباقين مثلي في لبنان، ينظمون حملات تبرعات مادية وعينية لاسناد المتضرّرين والنازحين وحملات التبرع بالدم والمواد الغذائية.لم نكن نعرف حجم الكارثة بداية، ولم نكن نتوقع أنّ هناك أبنية مهدّمة ومنكوبين تحت الأنقاض، ولم نكن نتوقع صعوبة الإجراءات الادارية والمالية في نقل المساهمات عبر العالم، خاصة في لبنان، حيث التلاعب بأسعار صرف الليرة والدولار، ففي الوقت الذي رفضت فيه ميليشيا “قسد” إرسال سيارات إسعاف وغيرها من المعدات الثقيلة لمساعدة المحافظات السورية المنكوبة، خضوعًا لما يُسمَّى “قانون قيصر” الذي يحاصر سوريا، جاء بعض “المُنحازين” وباشروا برفع الأنقاض رغم قساوة الطقس وقلة الزاد والمسافة الطويلة .

“مُنحازون” واخوتنا

من ناحية أخرى، أغلق موقع “GoFundME” حملة التبرعاتالتي أُقيمت لذعم المتضررين من الزلزال في سورية، بعدما تم جمع15 ألف يورو خلال أقل من 12 ساعة، وذلك بسبب خضوعها لتهديد العقوبات الأمريكية. زعم القائمون على الحملة أنهم “يريدون التأكد من أن المساعدات لن تذهب للنظام السوري”.و عليه، سخر العالم “المتقدم” منّا مجدّدا، وترك شعبنا لقدره -الذي صنعه له- يوم زرع فيه السفاحين والقتلة والوهابيّين وكبّله بعقوبات تمنعه حتى من الماء الصالح للشراب.

هان على الطائرات أن تمرّ فوق سماء دمشق لتشهد السماء تصدّع الأرض ومحاولة اذلال الانسان، هان على الطائرات الحاملة للأدوية والدم والأغطية أن تمرّ فوق طفلة تبسط يدها على رأس أخيها حماية له من الانشطار، هان على الزلزال أن يضرب سورية العربية ويُعفي كل وجوه سكان الأرض، وأن يُسقط حديدا وعواميدا على رؤوس المسحوقين ليُعفي الطُغاة و قتلة الأحلام.

تناسى “البيض” مجددا ضروب القهر والظلم وعقاب الحغرافيا والتاريخ على حد السواء.المتبجّحون بقيم الحريّة الساميّة والأخوة والتآخي والعدل والتضامن والحرية تناسوا هم، و تذكَّرْنا نحن، من نحنعربٌ، سُمرٌ ، نسكن جنوب خط الاستواء… فقراء ، نفتقد “التطور” و”العلم” و”الديمقراطية” و”السلام” .

وتذكّرنا .. اننا شعب يضمُّ ثلة من الشباب، سار الى سورية / الكرامة والهوية بلا مقابل مادي ولا كاميرات تصوير ولا بروباغندا اعلامية…ساروا .. ليتصدوا مجدّدا لأبشع ما عرفته البشرية، من حروب و تنكيل وقهر وياقات منافقة تبصق على حق العيش الكريم لكلّ سكان الكوكب.ساروا وانحازوا، هذا انحياز من تحت لمن هم تحت.و هذه أنا، أكتبُ ما سبق وأفكّر هذا الفجر في العاصفة و الأمطار والرياح القوية : كيف يتمكن شبابنا -كل مرة – من بناء شرفنا؟

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !