بودكاست | الإقتصاد بالسياسة الحلقة الاولى : منطق السوق-منطق الجوع

إعداد وصوت : وليد بسباس، باحث شيوعي

تصميم : وجدي المسلمي

إستمعوا للحلقة الأولى من أليوم لإقتصاد بالسياسة : منطق السوق-منطق الجوع

مرحبا بيكم في الحلقة الأولى من بودكاست “الاقتصاد بالسِّياسة”.

في الحلقة هاذي باش نرجعو على العركة الي خاضوها الفلاحة ضدّ الترفيع الي صار في أسعار العلف. عركة خاضوها بالخصوص الفلاحة الصغار و الي دخلو في حالة قريبة من العصيان بعد ما لزّولهم في أسعار العلف لين ولاّو يبيعو في منتوجاتهم بالخسارة، و وصلو يبيعو في الأبقار متاعهم. و من بعدها باش نحاولو نشوفو شنوة انجمو نعملو باش ما تعاودش تصير أزمة أخرى متاع علف كيما صارت عمناول والسنا.

ناخذو المسألة من شيرة الحليب، مع العلم أنو نفس الشي تقريبا ينطبق على اللحوم البيضاء والحمراء و العظم. اليوم الفلاحة التوانسة يبيعو في الحليب لمراكز التجميع بدينار و140 مليم، وهاذي تعريفة مسعّرتها الدولة باش تضمن الدخل الأدنى للمنتجين الأصليين و هوما الفلاحة. كيما زادا مسعّرة الحليب الي يتباع في آخر الحلقة للمواطن في الحوانت و المغازات بقريب دينار و350 مليم الباكو. بطبيعة في الثنية مراكز التجميع تبيع لمصانع الحليب الي تابعين للشركات الكبار والشركات هاذي توزع وتبيع في السوق الداخلية. يعني فما مصروف متاع تعليب و متاع تعقيم ونقل و غيرها تخلّي أنو الكلفة الحقيقية للحليب الي يتباع من المواطن هي قريبة من الدينارين. لكن الدولة هوني تعوّض للمصنّعين متاع الحليب عن طريق صندوق التعويض لأسباب منها الحفاظ على القدرة الشرائية و زادا السيطرة على التضخم. و كيف كيف باش تضمن مربوح شركات الحليب.

في سلسلة الانتاج هاذي الكل فما حلقة ناسينها و مسيّبينها تواجه في مصيرها وحّدها، هي الفلاحة. و بصفة عامة نلقاوهم فلاحة صغار، بما أنو 90% من منتجي الحليب عندهم أقل من خمسة أبقار.

الفلاح باش يوصل ينتج الحليب لازمتّو الأعلاف باش يوكّل الأبقار متاعو ويضمنولو حدّ أدنى من الإنتاجية. المشكل هوني هو أنو رغم الي سعر البيع متاع الفلاح محدّدتو الدولة، فإنو أسعار المدخلات -الي هي الأعلاف أساسا- هي أسعار حرّة.  مع ارتفاع الأسعار العالمية للأعلاف، الطرناطة علف زادات ضربة وحدة بـ300 دينار والشكارة زادات ب15 دينار، و صار الفلاح باش ينجم يعيش يلزم يبيع الايترة حليب بـدينار 855 ملّيم. نحكيو هوني باش يعيش، موش باش يجمع ثروات. بلغة أخرى وصل الفلاح  مجبور يبيع بالخسارة، و باش ما يبيعش بالخسارة ولّى يبيع في بقراتو بإخ تف. الفلاحة ولّى عندهم زوز خيارات: يا يبيعو بالخسارة و يفلسو و يموتو بالشر. يا يبيعو بقراتهم و يولّيو بطالة و يموتو بالشر. و إلا يحرقو. و إلا يسكّرو الكياسات ويحرقو العجالي حتى لين الدولة تلقى حلّ.

إيجا نشدّو أصل المشكل: الأعلاف

في تونس الأعلاف المركّبة تجي في غالبيتها الساحقة من التوريد. إلى حدود سنة 1996 كان ديوان الحبوب هو المورّد الوحيد لفيتورة السوجا والذرة، الي هي المكونات الأساسية للعلف المركب. لكن في إطار امتثال الدولة لتعليمات صندوق النقد الدولي، سلّم الديوان في المهمة هاذي للخواص و هذا أدّى إلى تحرير الأسعار. نشئت وقتها شركة إسمها “قرطاج للحبوب” و ولاّت هي المورّد الوحيد للسوجا و الذرة، و بعد ما تورّدهم تقوم بlمرحلة أولى متاع تحويل و تبيعها  للمصنّعين الي باش يخدمو المراحل النهائية متاع العلف المركّب و من ثمّة يبيعوها في السوق الداخلية.

الإشكال الأولاني هوني أنو حتى لفيفري 2021 كانت قرطاج للحبوب ما تبيع كان لتلاثة مجمعات كبرى: بولينا و ألفا و آلكو. التلاثة مجمعات هاذي هي الي تبيع العلفاء للفلاحة وتربح على ظهرهم. كي صارت الأزمة متاع عام 2021 تسيّب قطاع تسويق الأعلاف المركبة و ولاّو الفلاحة ينجمو يشريو مباشرة من شركة قرطاج للحبوب. و من عند موزعين أخرين. لكن هيهات، هذا ما بدّل شي لسبب بسيط: الشركات الكبرى التلاثة هاكي مشكّلة إحتكارات و كيما هي الي تبيع العلف للفلاحة هي الي مثلا تشري من عندهم الدجاج والعظم. بلغة أخرى: البحر أمامكم والعدو وراءكم و هي الي تحكم في السوق و تعصر الفلاحة قدّ ما تحبّ باش تكبّر مرابيحها. وهاذاكا علاش رينا مثلا أنو احتجاجات الفلاحة ما صارتش فقط قدام مقرّات السيادة، لكنها زادا صارت قدّام مصانع و حوانت المجمعات الكبرى هاذي (تسكير حوانت شهية الي تابعة لألفا و مزرعة الي تابعة لبولينا، إحتجاز كميون تابع لألفا،…)

الإشكال الثاني هو أنو هوني غذاءنا وفلاحتنا هي مرهونة لسياسات الربح متاع رأس المال الي مسيطر على سلسلة الانتاج. خاطر يلزم نعرفو الي كيف المجمعات الكبرى تضغط على الفلاحة الصغار و تجبرهم على التعامل بالأسعار الي تحب عليها، فإنها شيئا فشيئا تلز هاك الفلاّحة أنهم يبطّلو تربية الأبقار والدواجن وإنتاج الحليب و يبيع الملمّة و الي فما و يقلّك حانوت مسكّر و لا كرية مشومة. و هذا الي قاعد يصير عندو سنين وزاد تفاقم المدة الإخرى.

الإشكال الثالث هوني أنو الخواصّ هاذم ما عندهم كان ستراتيجيا وحدة، الي هي المربوح. ما يقلّقهمش أنو الذرة والسوجا نورّدو فيهم كليّا و ما عندهمش علاش يمشيو في اتجاه إنتاج الموادّ هاذي في تونس. و هذا الي يخلينا مرتهنين للأسواق العالمية باش نضمنو الغذاء متاعنا. و كيف كيف يخلي أسعارنا الداخلية مرهونة لرغبات السوق العالمية: ما يخفاكمش أنو أسعار الذرة و السوجا تتحدد على بورصات الأسواق العالمية. و كل ما تتأزم الأوضاع في العالم، كلّما يكثر الربح في بيعان الموادّ الأساسية هاذي، وكلّ ما زادا يزيدو يكثرو المضاربين على الأسواق هاذي.

يقول القايل شنوة ينجم يكون الحل؟

نبداو بملاحظة صغيرة في موضوع مشابه: القمح. الأسعار العالمية في القمح زادا طلعت بسبب الحرب. لكن لا فلاحة تقلّقت في الموضوع، لا أسعار طلعت على السوق الداخلية. المشاكل كانت من نوع آخر: إشكال متاع تزوّد نظرا لأنو المنافسة كبرت على الأسواق العالمية والكميات المستوردة نقصت و زادا إشكال متاع تمويل المخابز نظرا للصعوبات الي يلقاها ما يسمّى ب”صندوق الدعم”. هوني باش نحلّو قوس: و يجب أن نذكّر دائما و أبدا أنو إسمو “صندوق التعويض” و هوني مربط الفرس: ماهوش صندوق “دعم” للفئات المضرورة اجتماعيا، بل هو صندوق تعويص للمنتجين، و هي آلية للتحكم في الإنتاج.

شنوة الي يصير في موضوع القمح: فما الكميات المورّدة (الي هي الأغلبية)، يشريها ديوان الحبوب على السوق العالمية و يبيعها للمطاحن في الداخل بأسعار ثابتة ما تتأثرش بالأسعار العالمية. و من غادي صندوق التعويض يعوّض لديوان الحبوب. و فما الكميات الي نننتجوها أحنا على أراضينا: و هوني  قبل ما يبدا الموسم يمشي ديوان الحبوب للفلاّحة يقوللهم الي باش ياخو عليكم القمح بالسعر الفلاني، وهكة الفلاّحة كان عجبهم السوم يتشجعو و يمشيو يزرعو أرضهم مادام فما شكون باش يشري من عندهم بسعر مضمون. من بعد، يلمّ ديوان الحبوب الصابة و يبيعها للمطاحن بسوم يكون بصفة عامة أقل من السوم الي شرا بيه القمح. و كيف كيف هوني صندوق التعويض يتدخّل و يخلّص الفارق. و بالطريقة هاذي هانا ضامنين الفارينة المقرونة في الحوانت والخبز في الكوشة.

نرجعو لموضوعنا

هوني في المرحلة هاذي الي ما فهمش الي المشكل هو في السوق والفوضى الي يسببها والخطر الي يخلقو على غذاء الناس وحياتهم، وإلي ما فهمش أنو الحل في تدخّل الدولة كتعبيرة عن الإرادة الجماعية في عيش كريم، الي ما فهمش هذا ينجم يسلّ الفيشة. خاطر عندنا الواضح أنو المشكل فيه تلاثة أبعاد: غياب القدرة على الإنتاج الداخلي للأعلاف (و في نفس الوقت ننتجو في الفراز والكيوي و البردقان للتصدير)، البعد الثاني سيطرة الاحتكارات الكبرى على سلسلة الانتاج والبعد الثالث هو الخضوع لتقلّبات الأسواق العالمية.

من راينا هوني أنو الحلّ الجذري  يجي في تلاثة إجراءات أساسية:

1- كسر الاحتكارات. أختار: تشدّ العلفاء و إلا تشد الدواجن والعظم و غيرهها. هانا رينا و نراو: الي يطيح بين أنياب الاحتكارات مصيرو كان يا يخضعلهم يا يموت. هذا أصلا كان قبلنا بمبدأ أنو الخواصّ يتحكّمو في حلقات مصيرية للإنتاج كيما العلف.

2- تأميم قرطاج للحبوب و إخضاعها لنفس الآليات الي يتعامل بيها ديوان الحبوب. نربحو حاجتين: أولا نخرّجو المكوّنات الأساسية الي ننتجو منها غذاءنا من منطق السوق و ثانيا ندفعو في اتجاه استقلالية في إنتاج العلف. و تو نسمّيوه مثلا مثلا… ديوان العلف. على خاطر كيف نجيو نشوفو و نزيدو نتعمّقو في دور قرطاج للحبوب، شنوة هو؟ يورّد السوجا و الذرة بالعملة الصعبة (الي نجيبوها مثلا من السياحة ومن خدامة النسيج وتحويلات المهاجرين وتصدير زيت الزيتون وغيرها)  و بعد ما يورّدها يعمللها تحويل أوّلي (شوف هاك الإنجاز العظيم) و يبيع في السوق الداخلية ويربح. معناها هاذي مؤسسة حطينا على ذمتها مخزون العملة الصعبة متاع بلاد كاملة باش هي تربح في أساسيات انتاج الغذاء متاعنا. في المقابل كيف نأممو “قرطاج للحبوب” و يولّي عندنا “ديوان العلف”:

مؤسسة عمومية تورّد مكوّنات العلف من البرّة و تقوم بالتحويل الأوّلي أو كان لزم حتى تقوم بتصنيع العلف المركّب و تبيعهم بأسعار معقولة في السوق الداخلية. وفي نفس الوقت تكون من مهام الديوان هذا أنو يدفع الإنتاج المحلّي للذرة والسوجا عبر تشجيع الفلاّحة عليهم.

3- إخضاع نشاط ديوان العلف لمبدأ التعويض: أي بلغة أخرى نتعاملو مع ديوان العلف كيما مع ديوان الحبوب: مهما كانت الأسعار العالمية للذرة والسوجا، فإنّو أسعارها الداخلية تقعد كيما هي، أو على الأقل ما يلزمها تخضع كان للتوازنات الداخلية متاع البلاد. إيجاو نفهمو الصورة: ديوان العلف يشري الذرة والسوجا بالأسعار العالمية بالدولار و يبيعها في السوق الداخلية بأسعار معقولة بالدينار. لكن الي من غيرو ما يصير شي هو الدولار، موش الدينار. لأنو صحيح أنو الحاجة الي ب200 دولار على السوق العالمية تنجم تسوى 600 دينار في تونس، لكن نطلعو نهبطو كي نمشيو للسوق العالمية ب600 دينار ما انجمو نشريو حتى شي. لازمنا 200 دولار. بلغة أخرى، الكلفة الوحيدة للعلفاء الي نشريوها على الأسواق العالمية هي الي ندفعوها بالعملة الصعبة.

أنو نترجمو جميع تقلبات الأسواق العالمية على أسعارنا الداخلية، هي عبارة على أنك قاعد في دارك و البرّة الطقس تقلب و ولاّت رياح و عواصف ونتي مفروض عليك تخلي شبابكك محلولة. أنو نقبلو بالمنطق هذا هو أنو نقبلو أنو لا عندنا عملة وطنية لا عندنا سيادة نقديّة. إذا لازمنا نسكّرو الشبابك: مهما يصير في الأسواق العالمية، لازم نخلقو الآليات باش الأسعار الداخلية في المواد الأساسية ما تتحرّكش. كيما قاعدين نعملو في القمح: بالنسبة لينا داخل حدود الوطن، الباقات ب190 مليم، مهما يصير على الأسواق العالمية متاع القمح.

يقول القايل هانا شرينا من البرّة بالغالي و بعنا في السوق الداخلية بالرخيص، منين باش نجيبو الفلوس باش نعوّضو الفارق؟ كيما يصير مع القمح: عن طريق صندوق التعويض. إي صندوق التعويض، الي يقولو عليه اليوم توازناتو خايخة و كلفتو كبيرة و عامللنا مشاكل مع صندوق النقد الدولي الي طالب منا انحّيوه. أحنا نقولو أنو حتى صندوق التعويض موش صعيب أنّك تموّلو. و نقولو أنو البنك المركزي يلزم يكون عندو دور في الموضوع. كيفاش؟ الموضوع هذا باش نتوسّعو فيه في الحلقة الجاية.

هانا فهمنا الوضعية، و رينا الحلول الممكنة بالنسبة لينا، على الأقل بصفة مرحلية إلى أن نحققو سيادتنا الغذائية. لكن الثنية حتى لغادي باش تستوجب قطع الروابط مع منطق السوق ومبدأ حقيقة الأسعار. الثنية هاذي موش باش تعجب مؤسسات التمويل من صندوق نقد و بنك دولي و غيرهم الي اليوم مرهونين فيهم باش يسلّفونا، و بطبيعة هاذم باش يسلّفونا يفرضو علينا شروط أهمّها تعميق سياسات التقشف و إلي من أسسها الفكريّة فسح المجال للسوق و زادا استقلالية البنك المركزي.

المهم: المسألة اليوم بين ايدين أصحاب القرار: يا سياسة وطنية في مصلحة الناس، يا سياسة خضوع للإملاءات.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !