حلّ البرلمان لن يغني قيس سعيّد عن حسم خياراته: مع الشعب أم مع البرجوازية؟

بقلم غسّان بن خليفة

قرار حلّ البرلمان لا يعني شيئا بالنسبة لأغلب التونسيّين، الذين اعتبروا تجميده في 25 جويلية بمثابة الحلّ (بما في الكلمة من معنى مزدوج). وهو لا يعني سوى القليل حتى على المستوى القانوني أو الدستوري. هو فقط ردّ فعل سياسي محدود من قيس سعيّد على المناورة الأخيرة للنهضة وحلفاؤها. وهي الأجدر بالتحليل بتقديري.

حركة النهضة وحلفاؤها الليبراليين فشلوا خلال الشهور الماضية في تغيير الوضع لصالحهم عبر التحركات في الشارع. وذلك رغم مساندة الإعلام البرجوازي لهم والحياد “الإيجابي” لاتحاد الشغل ومنظمة الأعراف وغيرهم. ليس لأنّ سعيد يمتلك شعبية كاسحة. بل فقط لأنهم مازالوا مكروهين بشدّة من أغلب الشعب. ولأنّ الطبقات الشعبية مازالت تأمل أن يحقّق لها سعيّد شيئا ما… وخاصة لأنّ الأخير مازال يحوز ولاء المؤسسات القمعية للدولة: الجيش والداخلية.

قيادة النهضة مُدرِكة أنّنا مقدمون على شهر رمضان، وبعده بفترة قصيرة فصل الصيف. وهي مساحة زمنية “ميتة” سياسيا، ويصعب جدًا خلالها تنظيم تحركات سياسية متواصلة ذات زخم جماهيري. كما أنّ أغلب الشعب لن يهتمّ كثيرا بمتابعة الصراع على السلطة (ناهيك عن الاعلام البرجوازي الذي يدخل نجوم “بلاتواته” في سباتهم الصيفي)…

ماذا بقي إذن بيد الغنوشي وصحبه لإفشال “خريطة الطريق” السياسية للرئيس؟ اللعب على ورقة الخارج. وذلك من خلال افتعال حالة “ازدواج للسلطة” (شرعية البرلمان مقابل شرعية الرئاسة). تعرف النهضة أنها باستئنافها جلسات البرلمان عبر الانترنات لن تُقنع التونسيين بالوقوف الى جانبها بعد أن لفظوها. وهي تخشى انتظار المواعيد الانتخابية القادمة لأنّها ستكون بقواعد غير ملائمة لها هذه المرّة.

ولذلك، هي تعمد الى مغازلة القوى الامبريالية عبر فتح ثغرة جديدة لها كي تضغط أكثر من خلالها على سعيّد وتبتزّه. فالنهضة وحلفاؤها كانوا واضحين: جلسة السبت المقبل ستخصّص لمناقشة “الأوضاع المالية والاقتصادية والخطيرة”، ولأن يلعب البرلمان دوره في هذا المجال بغاية “انقاذ البلاد”. ترجمة ذلك: مقابل تردّد سعيّد النسبي وتخبّط حكومته حيال شروط صندوق النقد الدولي (خاصة في ظلّ مناورة اتحاد الشغل، الذي تضغط قيادته البيروقراطية النقابية من أجل ضمان مصالحها وقواعدها في القطاع العمومي، وكي يعترف بها سعيّد كلاعب أساسي)، نحن مستعدّون للموافقة على ما تريدون من “إصلاحات موجعة” للطبقات الشعبية، وسنصادق على ما تريدون من قوانين.

عندها سيكون الأمريكان والأروبيون ومؤسّساتهم “المالية الدولية” جاهزون بخطابهم الاستعماري المنافق المعهود : نعبّر عن قلقنا ونطالب بانتخابات ديمقراطية بمراقبة دولية في أقرب الآجال. ونحن مستعدّون كذلك لمساعدة الشعب التونسي واقتصاده بالمساعدات متى حُسمت مسألة الشرعية السياسية والخ. هذا الوضع سيجعل قيس سعيد (المعوّل على صندوق النقد، وعلى حكومته التكنوقراطية النيوليبرالية، عوض تعويله على الشعب) في وضعٍ حرج: القبول بكلّ الشروط والدخول في أزمة اجتماعية، أو الممانعة والدخول في مايشبه حالة النبذ والحصار الدوليّين.

واستباقا لذلك، قد يتهوّر سعيّد أكثر ويمضي في اتخاذ اجراءات جزائية ضد قيادات النهضة وحلفاؤها (محاكمات، إيقافات، إقامة جبرية والخ). وهو ما سيضيف الى الصعوبات الاقتصادية والتململ الاجتماعي والابتزاز الامبريالي، مادّة جديدة لخطاب المظلومية “الحقوقية” للنهضة وحلفاؤها. وسيسهّل أكثر اتهامه بـ”الاستبداد”…

سيزيد ذلك من حالة التوتر السياسي، المعطوف على الفشل الاقتصادي، وما قد يليه من تصاعد لحراك المعارضة في الشارع، الذي سيستدعي بدوره المزيد من القمع الأمني والتضييق على الحريات. ومن ثمّة تزايد الإدانات من”العالم الحرّ” المتفجّع على أوضاع ديمقراطيتنا وحرياتنا وحقوقنا الأساسية… وصولا الى انفضاض التحالف الحالي بين سعيّد وقيادات الجيش والداخلية، وما قد يعنيه ذلك من سيناريوهات ممكنة لإزاحته من السلطة، بمباركة خارجية…

على خلاف هذه السيناريوهات المظلمة، مايزال هناك سيناريو آخر وأخير أمام سعيّد وأنصاره: التخلّي عن وهم التوافق الطبقي وعن السعي للجمع بين المتناقضات: البرجوازية السمسارة (التي يعتقد أنّ فيها “شرفاء”) والطبقات الشعبية؛ الشعب والقوى الاستعمارية ومؤسساتها الدولية؛ الكادحون المفقّرون والمستثمرون الرأسماليّون؛ الأولويات الاقتصادية الملموسة للناس والأولويات الدستورية والسياسية التجريدية للرئيس؛ متطلبات الاقتصاد المنتج ودولة الرعاية الاجتماعية من جهة، وشروط صندوق النقد وسياسة محافظ البنك المركزي من جهة ثانية والخ.

الوقت ينفد، زاوية المبادرة تنغلق، صبر الشعب لن يطول، والتاريخ لن يرحم.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !