رأي | فضيحة زيارة الرّئيس التّونسي لـ “ديكتاتور ترامب المفضّل” والتّابع المطيع لنتنياهو

الصورة : الرئيس التونسي قيس سعيد في زيارة إلى ضريح أنور السادات، اول رئيس عربي طبع مع اسرائيل، وهو الذي قال إن التطبيع خيانة عظمى...

أحمد عبّاس

أحمد عبّاس : باحث في الرياضيات؛ مدير بحوث بباريس ومنسّق الحملة التّونسيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثّقافيّة لإسرائيل (TACBI) وأمين الجمعيّة الفرنسيّة للجامعيين من أجل احترام القانون الدّولي في فلسطين (AURDIP).

ترجمه من الفرنسية الشاعر وكاتب السيناريو علي اللواتي، عضو الحملة التّونسيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثّقافيّة لإسرائيل.

بعد إحساس الدكتاتور المصري عبد الفتّاح السّيسي بتغيّر الأحوال إثر الخسارة الانتخابية للرّئيس السّابق ترامب أكبر مرشد له، اتّجه بآماله إلى الرّئيس الفرنسي ماكرون الذي وافق على استقباله في زيارة دولة، بل منحه أعلى مكافأة فرنسيّة وهي صليب وسام جوقة الشّرف في حفل فاخر بقصر الإيليزي متعمّدا إخفاءه عن أنظار المواطنين الفرنسيين وعن الصّحافة إلى أن كشف عنه البرنامج التّلفزيوني “كوتيديان” (Quotidien). والتزم الجنرال السّيسي في مقابل ذلك بشراء مزيد الأسلحة من فرنسا ليستعملها ضدّ شعبه وضدّ الشّعبين المجاورين اللّيبي واليمني.

وكانت فرنسا في العام 2019 ثاني أكبر مزوّد أسلحة لمصر (1,1 مليار دولار) بعد الولايات المتّحدة، كما أنّ مصر تُعَدُّ من ضمن ثلاثة أكبر متزوّدين من نتاج الصّناعة الفرنسية للأسلحة. وقد أدّت ردود الفعل المستنكرة لتلك الزّيارة مع القرار الذي أصدره البرلمان الأوروبي بعدها بأيّام قليلة عن “تدهور وضع حقوق الإنسان في مصر”، إلى تفاقم العزلة الدّولية للدّكتاتور المصري. ومن أبلغ الأدلّة عن تلك العزلة دعوته الموجّهَة أخيرًا إلى زميله التّونسي الذي لا يُعرفُ له نشاط دبلوماسي ذو بال وليست له سلطة فعلية في بلاده ذاتها.

ويوضّح البيان المقتضب للرّئاسة التّونسيّة أنّ الزّيارة تندرج في إطار “إرساء رؤى وتصوّرات جديدة تعزّز مسار التّعاون المتميّز القائم بين تونس ومصر بما يلبّي التّطلّعات المشروعة للشّعبين الشّقيقين في الاستقرار والنّماء”. لقد قبل الرّئيس التّونسي تلك الدّعوة عملاً بالقول المعروف “عدوّ عدوّي هو صديقي”، وهكذا يضرب عرض الحائط بالمبادئ التي ما فتئ يردّدها منذ حملته الانتخابيّة حول احترام الدّيموقراطيّة ورفض التّطبيع مع العدوّ الصّهيوني الذي يعتبره “خيانة عظمى”.

إنّ من عادة الدكتاتوريين أن يسجنوا شعوبهم، ولكن الجنرال السّيسي يسجن شعبين : شعبه المصري والشّعب الفلسطيني في غزّة.لقد قاد السّيسي الجنرال ومسئول المخابرات السّابق انقلابا في العام 2013 على ديمقراطية ناشئة بعد ثلاث سنوات من انتفاضات الرّبيع العربي لسنة 2011؛ ومنذ ذلك التّاريخ يعيش الشّعب المصري تحت تهديد الجّيش.لقد أطلق السّيسي العنان لدولة بوليسيّة عنيفة، أكثر قمعًا من الحكم الفردي لسلفه حسني مبارك؛ ومنذ استيلائه على السّلطة أقدمت مؤسّساته الأمنية المختلفة على حبس المنتقدين لحكمه من أقصى المشهد السّياسي إلى أقصاه، من الإسلاميين إلى اليساريين. وكان ذلك على المكشوف ودون الوقوف عند حدّ؛ وتفاقم القمع دون حياء إلى درجة بات لا يُسْمَحُ معها، حتّى همسًا، بأيّ معارضة لسياسات السّيسي.

وتروي الأرقام التي تنشرها منظّمة رصد حقوق الإنسان (Human Rights Watch) ومنظّمة العفو الدوّلية (Amnesty International) ومجموعات دفاع أخرى عن الحقوق الإنسانيّة، القصّة المظلمة لمن يسقطون ضحايا للجهاز الأمني بمصر. وتقدّر “هيومن رايتس ووتش” عدد المساجين السّياسيين في ظلّ نظام السّيسي بستّين ألف سجين (60.000). ويوجد بداخل مجمّع طرة السّجني الضّخم بجنوب القاهرة، قسم يحمل اسم “برج العقرب” مخصّص للسّجناء السّياسيين وحسب أحد قدماء الحرّاس العاملين فيه، فقد “أُنْشِئ لكي لا يخرج الدّاخلون إليه إلاّ موتى”.ويتجسّد القمع دون شفقة أو رحمة في ما عانته أستاذة الرّياضيات بجامعة القاهرة ليلى سويف وأسرتها طيلة سنوات عديدة؛ فعند ولادة ابنتها منى خلال الثّمانينات، كان زوجها أحمد سيف الإسلام، وهو المحامي البارز والمدافع عن حقوق الإنسان، يقبع في السّجن من أجل نشاطه كمناضل يساري.

وفي نوفمبر من العام 2013، بعد انقلاب السّيسي العسكري ، شهدت ليلى سويف مرّة أخرى سجن ابنها علاء الذي كان من أيقونات ثورة 2011 المصريّة. وبعد بضعة أشهر، في جوان 2014، أتى دور ابنتها سناء لتُعَتَقَل خلال مظاهرة تُطالِبُ بإطلاق سراح المساجين السّياسيين ومنهم علاء. وقد دخل أبناؤها الثّلاثة، ومنهم اثنان رهن الاعتقال، في إضراب جوع دام أكثر من شهرين، احتجاجًا على سجن علاء وسناء. وبعد الإفراج بقليل عن علاء في سبتمبر 2019، أُعيد اعتقاله وبذلت ليلى من جديد جهدًا للإفراج عنه، وعلى إثر مظاهرة صغيرة نظّمتها للمطالبة بإطلاق سراح السّجناء خلال جائحة كورونا، تمّ إيقافها وأُفْرِجَ عنها في اليوم التّالي. وحيث أنّ زيارات السّجناء أوقِفَتْ وقُطِع التّواصل بينهم وبين عائلاتهم، دخلت ليلى سويف في اعتصام أمام السّجن، مطالبة بالسّماح لها بتسلّم رسالة من ابنها علاء؛ وكان أن تعرّضت للعنف الجسدي هي وابنتيها اللّتين لحقتا بها. وعندما ذهبن لإبلاغ السّلطات بالاعتداء شهدت إيقاف ابنتها سناء من قِبَلِ أعوان شرطة بالزّيّ المدني والاحتفاظ بها ، وصدر بحقّها في الفترة الأخيرة حكم بالسّجن لمدّة 18 شهرا.

والآن وقد مرّ أربعة عشر سنة منذ أنّ حوّلت إسرائيل غزّة إلى سجنٍ كبير في الهواء الطّلق، فليس هناك حديث كثير في العالم العربي عن حقيقة هذا الحصار اللاّ إنساني الذي ما كان له أن يكون لولا تواطؤ النّظام المصري. ويمثّلُ رامي شعث، المدافع عن الحقوق الإنسانيّة المصريّ-الفلسطينيّ ومنسّق حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وتسليط العقوبات عليها، بمصر (BDS)، رمزًا لوحدة المصير بين سجناء الرّأي المصريين والمواطنين الفلسطينيين في غزّة، إذ يقبع إلى اليوم في سجن طرة سيّء الذّكر منذ واحد وعشرين شهرًا. وهو رهن الاحتجاز الاحتياطي في ظروف لا إنسانية مثل المسجونين معه (من 10 إلى 18 سجين يُحشرون في مساحة 25 مترا مربّعا).

وبناء على تهمة لا تقوم على أيّ بداية حجّة، أصدرت محكمة مصرية يوم 17 أفريل 2020 في غيابه ودون حضور محامييه، حكما عليه وعلى اثنتي عشر شخصا منهم النّائب البرلماني السّابق زياد العليمي، وهو أيضا من الوجوه البارزة لثورة 2011، لألحقهم بقائمة “الإرهاب” المصرية، بكلّ ما يعني ذلك من تضييقات على حقوقهم.وقد أصدر أخيرا خبراء الأمم المتّحدة بيانًا صحفيّا جاء فيه : “نعرب عن القلق البالغ بشأن تأثير إضافة السّيّد شعث والسّيد العليمي إلى تلك القائمة، على حقوقهما في محاكمة عادلة وفي حريّة التّجمّع وتشكيل الجمعيّات، بالإضافة إلى الأثر السّلبي على حياتهما الأسرية وحقّهما في العمل والمشاركة في الشّؤون العامّة”.

وقد دعا سبعة عشر حزبا سياسيّا ومنظّمة من المجتمع المدني في مصر إلى الإفراج عن رامي شعث وزياد العليمي وسحب اسميهما من قائمة “الإرهاب”. وأطلقت منظّمة العدل الدّولية عريضة تطالب بإطلاق سراح رامي شعث جمعت بعد بضعة أسابيع أربعين ألف توقيع.

إنّ زيارة الرّئيس التّونسي المخزية إلى مصر تأتي نتيجة للجهل، بل للاّمبالاة لدى قطاع عريض من المجتمع المدني التّونسي إزاء معاناة الشّعب المصري تحت نير دكتاتوريّة الجنرال السّيسي. وكان الأجدر أن تذكّر التّونسيين بالزّيارة الرّسمية التي أدّاها الرّئيس الفرنسي جاك شيراك إلى تونس سنة 2003 والتي صرّح خلالها أنّ “أوّل حقوق الإنسان هي الأكل”، مسلّما هكذا صكّا على بياض لزين العابدين بن علي وشهادة استحسان لـِ “تعزيز الدّيمقراطيّة” في تونس. ولنتصوّر مدى خيبة الأمل والقرف الذين ستثيرهما هذه الزّيارة لدى المواطنين المصريين وهم أوّل من استجاب لنداء الحريّة والكرامة الذي أطلقته الثّورة التّونسيّة.


التحرير: الأراء التي يعبّر عنها في مقالات الرأي تلزم أصحابها، ولا يتحمّل فريق تحرير الموقع أيّ مسؤولية عنها، بغضّ النظر عن موقفه منها.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !