لماذا الاشتراكية؟

ألبرت أينشتاين

مقدمة

تنسب لألبرت أينشتاين عبر الأنترنت وفي شبكات التواصل الاجتماعية مقولات عديدة لا أساس لها من الصحة تتسم عموما بالسطحية والعمومية وتشبه مقولات التنمية البشرية إذ تسوق لثقافة النجاح والفردانية وغيرها من قيم الرأسمالية. ولد عالم الفيزياء الكبير يوم 14 مارس 1879 وكان من أنصار الاشتراكية. بمناسبة ذكرى ميلاده وللأسباب السابق ذكرها ننشر هذه الترجمة للنص الذي كان قد نشره في العدد الأول من مجلة “المونثلي ريفيو” الاشتراكية الأمريكية سنة 1949 والذي يعبر فيه عن أفكاره الاجتماعية والسياسية. ولعل التذكير بأفكار هذا العالم الكبير الذي يصفه البعض بالعبقري أفضل رد على من يدّعي أن الاشتراكية فكرة غير عقلانية أو غير جدية أو مثالية صبيانية. تندرج هذه الترجمة إذن ضمن الصراع ضد عملية التعتيم والاسترجاع التي تمارسها النيوليبيرالية بوقاحة حتى ضد أعدائها المعلنين.

فريق الترجمة


هل من المنصوح لمن ليس خبيراً في القضايا الاقتصادية والاجتماعية أن يبدي آراء حول موضوع الاشتراكية؟ أظن ذلك لعدد من الأسباب.

دعونا أولا نتناول السؤال من وجهة نظر المعرفة العلمية. يمكن أن يبدو أنه لا وجود لفوارق منهجية جوهرية بين علم الفلك والاقتصاد: يحاول العلماء في كلا المجالين اكتشاف قوانين عامة المقبولية لمجموعة من الظواهر المحددة بهدف جعل ترابط هذه الظواهر مفهوما بقدر ما يمكن من الوضوح. لكن في الواقع، مثل هذه الاختلافات المنهجية موجودة بالفعل. يصعب اكتشاف قوانين عامة في مجال الاقتصاد بسبب ظرف تأثر الظواهر الاقتصادية الملاحظة غالبا بعديد العوامل التي يصعب جدا تقييمها على حدة. على سبيل المثال، أغلب الدول المهمة عبر التاريخ مدينة بوجودها للغزو. لقد قام الغزاة بإقامة أنفسهم، قانونياً واقتصادياً، كطبقة صاحبة امتيازات في البلاد التي غزوها. كما افتكوا لأنفسهم احتكارا لملكية الأرض وقاموا بتعيين جماعة من الكهنة من بين صفوفهم. جعل الكهنة المتحكمون في التعليم من التقسيم الطبقي للمجتمع مؤسسة مستديمة وخلقوا نظاماً من القيم يرسم للناس من ذلك التاريخ فصاعداً، وإلى حد كبير بشكل غير واع، قواعد سلوكهم الاجتماعي.

ولكن هذا الميراث التاريخي، إن صحت العبارة، صار من الماضي؛ ولا يوجد مكان حيث استطعنا أن نتغلب فيه على ما يسميه تورشتاين فيبلين بـ “الطور الافتراسي” للتطور البشري. تنتمي الحقائق الاقتصادية الملاحَظة إلى ذلك الطور بحيث أن حتى القوانين التي يمكن اشتقاقها منها لا تنطبق على الأطوار الأخرى. وبما أن الغاية الحقيقية للاشتراكية هي بالضبط التغلب على الطور الافتراسي للتطور البشري، والتقدم عبر تجاوزه، لذا، فإن العلم الاقتصادي في وضعه الحالي لا يستطيع إنارتنا بالكثير حول المجتمع الاشتراكي المستقبلي.

ثانيا، الاشتراكية موجهة نحو غاية اجتماعية-أخلاقية. غير أن العلم لا يستطيع ان يخلق غايات وأقل من ذلك أن يغرسها في نفوس الناس؛ في أفضل الأحوال يستطيع العلم ان يزودنا بالوسائل التي يمكن بواسطتها بلوغ غايات معينة. لكن الغايات ذاتها تشكلها شخصيات ذات مثل إيتيقية رفيعة و – إن لم تولد هذه الغايات ميتة، بل ولدت قوية وحيوية – يتم تبنيها والتقدم بها إلى الأمام من قبل أولئك الكثيرين من الناس الذين، عن نصف وعي، يحددون التطور البطيء للمجتمع.

لهذه الأسباب علينا أن نكون حذرين وألا نبالغ في تقدير العلم والمنهجيات العلمية عندما يتعلق الأمر بالقضايا الإنسانية؛ لا يجب أن نعتقد بأن المختصين وحدهم يملكون الحق في التعبير عن وجهات نظرهم في المسائل التي تمس تنظيم المجتمع.

تعبر أصوات لا تحصى ولا تعد لمدة معتبرة الآن على كون المجتمع البشري يمر بأزمة وعلى أن استقراره اهتز بشدة. إنه لمن خاصيات هذا الحال ان الأفراد يشعرون بعدم الاكتراث أو حتى بالعداء تجاه المجموعات الصغيرة أو الكبيرة التي ينتمون اليها. ولكي أوضح قصدي اسمحوا لي ان أسجل هنا تجربة شخصية. كنت قد ناقشت مع رجل ذكي وحَسَنِ النوايا خطر حرب جديدة، الشيء الذي، حسب رأيي، يشكل تهديدا جديا لوجود البشرية وأشرت الى ان تشكيل منظمة دولية وحده يمكنه توفير حماية من هذا الخطر. إثر ذلك قال لي ضيفي بكل هدوء وبرودة دم: ” لماذا تعارض زوال النوع البشري بهذه القوة؟”

أنا متأكد أنه قبل قرن من الآن لا أحد ما كان ان يقول شيئا من هذا النوع بمثل هذه البساطة. مثل هذا تصريح صادر عن إنسان كان قد سعى دون جدوى لبلوغ حالة توازن مع نفسه، لكنه، بدرجة أكثر أو أقل، فقد الأمل في النجاح. انه تعبير عن وحدة موجعة وعزلة يعاني منها الكثير من الناس هذه الأيام. ما هو السبب؟ وهل هناك من مخرج؟

من السهل طرح مثل هذه الأسئلة ولكن من الصعب الإجابة عليها بدرجة من التحقق. مع ذلك عليا أن أحاول بقدر ما أستطيع، رغم أني أدرك حقيقة أن مشاعرنا ومساعينا غالبا ما تكون متناقضة وغامضة ولا يمكن التعبير عنها في صفات بسيطة وسهلة.

الإنسان كائن انفرادي وكائن اجتماعي في الوقت ذاته. ككائن انفرادي يسعى للدفاع عن وجوده وعن وجود الناس الأقربين له، ويسعى الى تلبية رغباته الشخصية وتطوير قدراته الفطرية. ككائن اجتماعي يسعى لنيل اعتراف وعطف البشر أمثاله ومشاركتهم متعهم ومواساتهم في أحزانهم وتحسين ظروف حياتهم. فقط وجود هذه المساعي المتنوعة، غالبا المتناقضة، يبين الطبع الخصوصي للإنسان وتحدد تركيبتها الخصوصية الى أي مدى يمكن لفرد ان يحقق حالة من التوازن الداخلي وقدرته على الإسهام فيما هو خير للمجتمع. ومن الممكن أن تكون القوة النسبية لكل من هاتين النزعتين في مجملها ثابتة بالوراثة. لكن الشخصية التي تتبلور في النهاية تتشكل في جزء واسع منها من خلال البيئة التي يجد شخص نفسه فيها خلال تطوره وبنية المجتمع الذي يترعرع في داخله وتقاليد وعادات ذلك المجتمع وتثمينه لأنواع معينة من السلوكيات. ان مفهوم “المجتمع” المجرد يعني بالنسبة للفرد المجموع الكلي لعلاقاته المباشرة وغير المباشرة مع معاصريه ومع جميع الأفراد الذين ينتمون الى الأجيال السابقة. الفرد يفكر ويشعر ويسعى بنفسه؛ ولكنه يحتاج كثيرا للمجتمع – في وجوده الفيزيائي والفكري والعاطفي – ولذلك من المستحيل فهمه خارج الإطار العام للمجتمع. إن “المجتمع” هو الذي يوفر للإنسان الأكل واللباس وبيتا وأدوات عمل ولغة وأشكال التفكير وأغلب محتوى الأفكار؛ حياته ليست ممكنة إلا من خلال عمل وإنجازات عديد الملايين من الماضي والحاضر المختفين كلهم وراء كلمة “مجتمع” الصغيرة.

إنه إذن لمن المسلمات أن تبعية الفرد للمجتمع حقيقة طبيعية لا يمكن إلغاؤها – مثلما هو الحال مع النمل والنحل. مع ذلك وبينما أن كل العملية الحياتية للنمل والنحل محددة إلى أصغر التفاصيل بغرائز وراثية جامدة، المناويل الاجتماعية والعلاقات الإنسانية متحولة جدا وقابلة للتغيير. الذاكرة والقدرة على القيام بتركيبات جديدة وموهبة التواصل الشفوي مكنت من تطورات صلب الإنسانية لا تمليها الحتمية البيولوجية. مثل هذه التطورات تتجلى في التقاليد والمؤسسات والتنظيمات؛ في الأدب؛ في العلم وإنجازات الهندسة؛ في الأعمال الفنية. هذا يفسر كيف أن الإنسان يمكنه، بمعنى معين، التأثير في حياته من خلال تصرفاته وأن التفكير الواعي والرغبة يمكنهما لعب دور في هذه العملية.

يكتسب الإنسان عند الولادة عبر الوراثة تركيبة بيولوجية يجب علينا اعتبارها ثابتة وغير قابلة للتغيير بما في ذلك الغرائز الطبيعية الخصوصية للنوع الإنساني. زيادة على ذلك يكتسب خلال حياته تركيبة ثقافية يتبناها من المجتمع عبر التواصل ومن خلال عديد أنواع التأثير الأخرى. إن هذه التركيبة الثقافية هي موضوع التغيير مع مرور الوقت وهي التي تحدد إلى حد كبير علاقة الفرد بالمجتمع. الأنثروبولوجيا الحديثة علمتنا عبر البحوث المقارنة لما يسمى بالثقافات البدائية أن السلوكيات الاجتماعية للإنسان تتغير بشكل كبير مع تغير المناويل الثقافية الغالبة وأنواع التنظيم السائدة في المجتمع. هذا هو ما يجب أن يؤسس عليه من يسعون لتحسين وضع الإنسان آمالهم؛ البشر ليسوا محكومين بسبب تركيبتهم البيولوجية بإبادة بعضهم البعض أو أن يكونوا تحت رحمة قدر أليم ومفتعل.

إذا سألنا أنفسنا كيف يجب تغيير بنية المجتمع والسلوكيات الثقافية للإنسان حتى تصبح الحياة الإنسانية مرضية قدر الإمكان، يجب أن نكون واعيين باستمرار أن هنالك بعض الأوضاع التي لا يمكننا تغييرها. مثلما أشرنا سابقا، الطبيعة البيولوجية للإنسان، عمليا، ليست موضوع تغيير. زيادة على ذلك، خلقت التطورات التكنولوجية والديمغرافية في القرون القليلة السابقة أوضاعا ستبقى ولن تتغير. في مجموعات سكنية مستقرة وكثيفة نسبيا ومع المنتوجات الضرورية لتواصل وجودها، تقسيم شديد للعمل ومركزة عالية لجهاز الإنتاج ضرورتين مطلقتين. الزمن – الذي إذا نظرنا إلى الوراء يبدو شاعريا جدا – الذي كان خلاله يمكن لأفراد أو مجموعات صغيرة أن يحققوا اكتفاءهم الذاتي التام ذهب إلى الأبد. إن القول، حتى في هذه الآونة، أن الإنسانية تشكل مجتمع إنتاج واستهلاك على مستوى الكوكب ليس أكثر من مبالغة طفيفة.

وصلت الآن إلى النقطة حيث يمكنني الإشارة باختصار إلى ما يمثل بالنسبة لي جوهر أزمة عصرنا. الأمر يهم علاقة الفرد بالمجتمع. أصبح الفرد واعيا أكثر من أي وقت مضى بتبعيته للمجتمع. لكنه لا يعيش هذه التبعية كميزة إيجابية، كرابط عضوي، كقوة تحميه، بل كتهديد لحقوقه الطبيعية أو حتى لوجوده الاقتصادي. أكثر من ذلك، إن موقعه في المجتمع من شأنه أن يجعل النزعات الأنانية التي شكلها تشتد باستمرار في حين تتدهور تدريجيا نزعاته الاجتماعية وهي بالطبيعة أضعف. كل البشر مهما كان موقعهم في المجتمع يعانون من سيرورة التدهور هذه. سجناء لأنانية أنفسهم وهم لا يعلمون، يحسون أنهم غير آمنين وأنهم وحيدون ومحرومون من متعة بريئة وبسيطة وزهيدة بالحياة. الإنسان يمكن أن يجد معنى للحياة، قصيرة ومخيفة كانت، فقط بتكريس نفسه للمجتمع.

الفوضى الاقتصادية للمجتمع الرأسمالي مثلما تتواجد اليوم هي حسب رأيي المصدر الحقيقي للشر. نرى أمامنا مجتمعا هائلا من المنتجين يحاول أعضاؤه دون هوادة حرمان بعضهم البعض من ثمار عملهم المشترك – لا بالقوة بل عموما بالامتثال عن حسن نية لقواعد قائمة قانونيا. في هذا الصدد من المهم أن ندرك أن وسائل الإنتاج – أي كل القدرة الإنتاجية اللازمة لإنتاج البضائع الاستهلاكية وأيضا المزيد من البضائع الرأسمالية – يمكن أن تكون ملكا خاصا لأفراد وهي في غالبها كذلك.

بغاية التبسيط سأسمي في النقاش الموالي بـ “العمال” كل الذين ليس لهم نصيب في ملكية وسائل الإنتاج – رغم أن هذا لا يتماشى تماما مع الاستعمال المعتاد للمصطلح. يوجد مالك وسائل الإنتاج في موقع يمكنه من اشتراء قوة عمل العامل. باستعمال وسائل الإنتاج ينتج العامل بضائع جديدة تصبح ملكية للرأسمالي. النقطة الجوهرية في هذه العملية هي العلاقة بين ما ينتجه العامل وما يتقاضاه بقياس القيمة الحقيقية لكليهما. ما دام عقد الشغل “حرا”، لا يحدَد ما يتقاضاه العامل بالقيمة الحقيقة للبضائع التي ينتجها بل بحاجياته الدنيا وبمتطلبات الرأسماليين من قوة عمل في علاقة بعدد العمال المتنافسين على مواطن الشغل. من المهم فهم أن، حتى نظريا، أجر العامل لا يحدد بقيمة منتوجه.

رأس المال الخاص يؤول إلى التركز في قلة من الأيادي جزئيا بسبب التنافس بين الرأسماليين وجزئيا لأن التطور الاجتماعي والتقسيم المتزايد للعمل يشجعان تشكل وحدات إنتاج أكبر على حساب الوحدات الأصغر. نتيجة هذه التطورات هي أوليغارشية من رأس المال الخاص لا يمكن التحكم في سلطتها الضخمة فعليا، حتى من مجتمع سياسي منظم ديمقراطيا. هذا صحيح بما أن أعضاء الأجسام التشريعية تختارهم أحزاب سياسية يمولها أو يؤثر عليها بشكل أو بآخر رأسماليون خواص، يفصلون في كل الأمور العملية الناخبين عن المشرّع. يترتب على ذلك أن ممثلي الشعب لا يدافعون بالشكل الكافي على مصالح القطاعات غير المحظية من الشعب. زيادة على ذلك، في الظروف القائمة يتحكم رأسماليون خواص لا محالة مباشرة أو بصفة غير مباشرة في المصادر الأساسية للمعلومة (الصحافة، الإذاعة، التعليم). يصبح إذن من الصعب جدا وفي أغلب الأحيان، فعلا، من المتحيل على المواطن كفرد من الوصول إلى استنتاجات موضوعية واستعمال حقوقه السياسية بذكاء.

الوضع الطاغي على اقتصاد أساسه الملكية الخاصة لرأس المال، يختص بمبدأين إثنين: أولا، وسائل الإنتاج (رأس المال) مملوكة بصفة خاصة والمالكون يتحكمون فيها كما يرون ذلك صالحا؛ ثانيا، عقد العمل حر. طبعا ليس هنالك مجتمع رأسمالي نقي بهذا المعنى. يجب الإنتباه بصفة خاصة إلى أن العمال وعبر صراعات سياسية طويلة ومريرة نجحوا في تأمين شكل أفضل من “عقد العمل الحر” لبعض أصناف العمال. ولكن إذا أخذناه ككل، اقتصاد اليوم لا يختلف كثيرا على الرأسمالية “النقية”.

يتم الإنتاج من أجل الربح لا من أجل الاستعمال. ليس هنالك ضمان أن كل الذين لهم القدرة والرغبة في العمل سيكونون دوما في موقع يمكنهم من إيجاد عمل: يوجد “جيش من العاطلين عن العمل” بشكل شبه دائم. العامل خائف على الدوام من خسارة شغله. بما أن المعطلين والعمال ذوي الأجور الضعيفة لا يمثلون سوقا مربحة، يتم الحد من إنتاج الحاجيات الاستهلاكية وتنجر عن ذلك مأساة كبيرة. التطور التكنولوجي كثيرا ما يتسبب في مزيد من البطالة بدل تخفيف حمل العمل للجميع. حافز الربح في ارتباط مع التنافس بين الرأسماليين مسؤول على اضطرابات في مراكمة واستعمال رأس المال ما يؤدي إلى أزمات كبيرة حادة. التنافس دون حدود يؤدي إلى إهدار ضخم للعمل وإلى ذلك التكبيل للوعي الاجتماعي للأفراد الذي أتيت عليه سابقا.

أعتبر تكبيل الأفراد أفدح مساوئ الرأسمالية. كل منظومتنا التعليمية تعاني من هذا السوء. سلوك تنافسي فج يلقن للطالب الذي يتعود على تأليه النجاح الاكتسابي كاستعداد لمسيرته المهنية المستقبلية.

أنا مقتنع بأن هنالك طريقة وحيدة للقضاء على هذه المساوئ البليغة، أعني عبر إقامة اقتصاد اشتراكي تصاحبه منظومة تربوية تكون موجهة نحو أهداف اجتماعية. في مثل هذا الاقتصاد، يمتلك المجتمع نفسه وسائل الإنتاج ويتم استعمالها بشكل مخطط. اقتصاد مخطط يعدل الإنتاج حسب احتياجات المجموعة، سيوزع العمل الذي يجب القيام به على كل من يقدر على العمل وسيضمن العيش لكل رجل وامرأة وطفل. تربية الفرد إلى جانب تطوير مواهبه سيرمي إلى أن ينمي داخله حسّا بالمسؤولية تجاه مثيله الإنسان بدل تمجيد السلطة والنجاح في مجتمعنا الحاضر.

رغم ذلك فإنه من الضروري أن نتذكر أن اقتصادا مخططا ليس بعد الاشتراكية. في حد ذاته، اقتصاد مخطط يمكن أن يصاحبه الاستعباد الكامل للفرد. تحقيق الاشتراكية يتطلب الحل لبعض المشاكل الاجتماعية-السياسية الصعبة جدا: كيف يمكن، بالنظر إلى المركزة واسعة الامتداد للسلطة السياسية والاقتصادية منع البيروقراطية من أن تصبح الاستقواء والتغطرس؟ كيف يمكن حماية حقوق الفرد وبذلك وإلى جانبه ضمان موازنة ديمقراطية لسلطة البيروقراطية؟

الوضوح حول غايات ومشاكل الاشتراكية على غاية من الأهمية في عصرنا الانتقالي. بما أن النقاش الحر والمفتوح لهذه المسائل صار، في الظروف الحالية، يقع تحت وطأة حظر قوي، فإني أعتبر أن تأسيس هذه المجلة خدمة مهمة للعموم.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !