رأيْ | رقم قياسيّ جديد للرّجعيّة في تونس : عنف منظّم ضدّ النّساء

بقلم ريم الشعباني

تزامنا مع الحراك الاحتجاجيّ الذي اندلع في تونس منذ شهر جانفي الفارط تمّ تسجيل عدد مهول من الانتهاكات والتّجاوزات في صفوف المحتجّين والمحتجّات سواء داخل الأحياء والمنازل أو في المسيرات ومراكز الايقاف. صور وشهادات وتقارير لمنظّمات كتقرير الرّابطة التّونسية للدّفاع عن حقوق الإنسان، وثّقت جانبا مهمّا من هذه الاعتداءات و التّضييقات.

ثمّ جاء الإعلان عن المسيرة الّتي دعى إليها حزب حركة النّهضة ليمثّل منعرجا خطِرًا ومحفوفا بشتّى أنواع و درجات العنف الغير مسبوقة إلى حدّ ما.مؤشّرات ماقبل المسيرة،لا شكّ في امتلاك الرّجعيّات عموما والمتمكّنة من مقاليد الحكم أو المشاركة فيه على وجه الخصوص لواجهات(متعدّدة العناوين والوظائف) متغلغلة بإحكام وسط ارضيّات وقوالب جامدة وجاهزة لاستنكار ومهاجمة ونبذ كل ماهو خارج أو مختلف بشكل أو بآخر عن العرف والسّائد شكلا و مضمونا. ولا شكّ أيضًا في جاهزيّة هذه الرّجعيّات لتغذية هذا التّصادم وترسيخه.

أوّلا لتسطيح ما قد تطرحه مجموعات أو أفراد معارضة لسياساتها خياراتها ومنادية بإسقاطها. وثانيا لعزلها وضرب مصداقيتها والانحراف بأزمات القضايا المصيريّة والسّياديّة نحو دوّامة توزيع صكوك الأهليّة و المشروعيّة ومتاهات المحاكم الشّعبيّة والأخلاقويّات.وهو تماما ما وقع بينما كانت حملة منظّمة من الهرسلة وانتهاك المعطيات الشّخصيّة تطال عددًا كبيرًا من النّاشطين والنّاشطات والمحتجّين والمحتجّات، فلم تتوانَ حركة النّهضة ممثّلة في عدد من قياداتها وأنصارها عن المساهمة في تأجيج حملات التّحريض وقيادة موجات التّنمّر عليهم بل وإفساح المجال لإطلاق الفتاوي والأحكام الدّينيّة بشكل يزيد جدّيّا من تهديد سلامتهم الجسديّة.

و لعلّ أوضح مثال حيّ على ذلك “رانية العمدوني” الّتي تقبع وراء القضبان الآن والّتي واجهت حربا عشواء شُنّت عليها من جميع الجهات الواقفة وراء هذه الحملات مجتمعة ومن بينها الحزب المذكور. تنمّر وتشهير وسخرية وهرسلة كلّلت بالحكم عليها بالسجن لمدة ستّة أشهر.لم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، بل تمادت حركة النّهضة باعتبارها منخرطة في مثل هذه الممارسات مباشرة بعد انطلاقها في الحشد والدّعوة لمسيرتها، لتقوم بإقحام اسم “الجمعيّة التونسية للنساء الديمقراطيات” عبر صفحات منخرطيها وصفحات محسوبة عليها في دعايات وروايات كاذبة مستعملة في ذلك صور ومعطيات العديد من النّاشطات في الجمعيّة و صديقاتها و التّحريض عليهنّ.خلال المسيرة،تعرّض الصّحفيّون والصّحفيّات يوم 27 فيفري 2021 خلال حضورهمنّ للتّغطية إلى استفزازات تطوّرت سريعا إلى تهشيم معدّات ومنع وتحقيق في الهويّات من طرف الأنصار الحاضرين وكذلك لجنة التّنظيم التي تقمّصت دور الأمنيّين وتعمّدت إقصاء الإعلاميّين دون سواهم من محيط المنصّة التي ألقى فيها رئيس الحركة كلمته

كما أنّ الهجوم اللّفظيّ الذي رافق الاعتداءات كان يحيل بصريح العبارة على أنّه يوجد فرز لوسائل الاعلام المسجّلة في قائمة الرفض والمهاجمة مسبقا.كل هذا لا يعتبر منفصلا عن ماشهده قطاع الإعلام من محاولات الدّفع نحو الخوصصة. لا يرتبط هذا فقط بمحاولات تمرير قانون تنظيم قطاع الإعلام السّمعيّ البصريّ الذي يعكس الإصرار على تطويع المشهد الإعلاميّ والسّيطرة عليه بل إنه امتداد لما وقع منذ افريل 2012، اعتصام التّلفزة، كتابة عبارة “للبيع” على حائطها، ترسيخ و ترويج عبارات “إعلام العار”، استهداف عدد من الإعلاميّين و تهديدهم بالاسم.خلال ذات المسيرة، وقع التّحرّش الجنسيّ بصحفيّات أثناء قيامهنّ بعملهنّ.تحرّش بمباركة لجنة التّنظيم وتشفٍّ من المتظاهرات الحاضرات اللاتي تراوحت تعليقاتهن بين “يا إعلام العار تستاهلو” وبين التّبرير بانه كان بامكانهنّ الوقوف في مكان لا تتواجد فيه سوى النّساء إن كنّ لا يردن التّعرّض للتّحرّش.

سارعت الحركة بإصدار بيان إعتذار مبهم وسارع الأنصار في الآن ذاته إلى التّطاول مجددا عبر توجيه الاتّهام بالكذب للصّحفيّات اللّاتي أدلين بشهاداتهنّ وأصررن على فضح ماحصل ونقل شهادات زميلاتهنّ والمطالبة بردّ اعتبارهنّ ووضع حدّ لهذه التّجاوزات.هذا أيضا يحيلنا في جانب ما إلى ما ارتكبته وسيلة اعلاميّة مكتوبة محسوبة على ذات الحزب في حقّ النّقيبة الرّاحلة “نجيبة الحمروني” من تنمّر وهرسلة وذلك من خلال صورة ونصّ من إنجاز وجه متداول اعلاميّا الى الآن و مناصر علنيّ للحركة ومدافع عنها.ما بعد المسيرة،إثر انتهاء انتخابات المجالس العلمية بالجامعات يوم 6 مارس ، توجّه أنصار الاتّحاد العامّ لطلبة تونس للمسرح البلديّ ككلّ سنة و التحقت كذلك مجموعة من أنصار الاتّحاد العامّ التّونسيّ للطّلبة.وككلّ سنة أيضا يقع تراشق بالشّعارات و تعلن كل جهة عن المقاعد التي فازت بها وعادة مايكون الأمن حاضرا ليفصل بين الجهتين إلى أن يتفرّق الجميع.لكن و حوالي السّاعة السّابعة مساءً على مستوى الباساج بتونس العاصمة، تمّت مهاجمة وردة عتيڨ الأمينة العامّة للاتّحاد العامّ لطلبة تونس، سارة براهمي ناشطة سياسية وحقوقية وابنة الشّهيد محمّد البراهميّ، كذلك تمّ تعنيف نورس الدّوزي مما خلف لها أضرارا جسيمة على مستوى العين اليسرى.

نورس الدّوزي ، النّاشطة النّقابيّة والحقوقيّة الّتي شاع اسمها كثيرا مؤخرا نظرا لتجنّدها داخل مقرّ الرّابطة التّونسيّة للدّفاع عن حقوق الإنسان للإحاطة بعائلات الموقوفين و التّنسيق لمدّهم بالدّعم المادّيّ والمعنويّ وهي أيضا من واجهت أحد قياديّي الحركة في حوار تلفزيّ حصد نسبة مشهادات مرتفعة وكانت ناطقة خلاله بلسان كل المنادين والمناديات بإسقاط النّظام. أثناء تواجدها بمركز الشّرطة لتقدّم بلاغا، تقدّمت نورس نحو معنفها لتقوم بإعلامه بحقوقه في رفض التكلم حتى وصول محاميه وهو الذي اعتدى عليها غدرا.وبهذا أكمل المعتدون من المنظّمة الطّلّابيّة التّابعة لنفس الحركة بشاعة حلقة من حلقات العنف التي نواجهها العنف الممنهج و المنظم ضد النساء بشكل خاص و العنف الممنهج و المنظم ضدّ كل المنخرطين/ات و الدّاعمين/ات للحراك الاحتجاجي والمطالب الإجتماعيّة عموما.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !