رأيْ | انخراط البلديّات في مشروع “كليما ماد”: خطى ثابتة نحو التطبيع… بتغطية رسميّة!

آلاء الهادف
تلميذة رابعة ثانوي، عضوة بالحملة التونسيّة لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني

في ظلّ تنامي بشاعة انتهاكات نظام الأبرتهايد الصهيوني في حق الفلسطينيين من جهة وتتالي طعنات الأنظمة العربية الرجعية المطبّعة من جهة أخرى، نستقبل السنة الجديدة بمشروع تطبيعي جديد تورطت فيه السلطات التونسية رسميا.  اذ انخرط عدد من البلديات في مبادرة أورومتوسطية اسمها  clima-med  (أو مناخ المتوسط) ذات طابع بيئيّ من بين أهدافها المزعومة مواجهة التغير المناخي.

وقد تفطّن مؤخّرا مناضلون حقوقيّون وطنيّون بمدينة بنزرت إلى مصادقة المجلس البلدي للمدينة على الانخراط في هذه المبادرة. وهو ما أثار احتجاجات شعبيّة على القرار، كما فتح الباب لاكتشاف تورّط بلديات أخرى في نفس المبادرة. إذ ينصّ الموقع الرسمي لهذا المشروع على مساهمة الأطراف التالية من تونس:

ممثّلون عن وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، الوكالة الوطنية للحفاظ على الطاقة، وزارة الشؤون المحلية والبيئة، مركز التدريب ودعم اللامركزية، وزارة الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم.

كما صادقت عليه بلديّات: بنزرت (ورئيسها كمال بن عمارة)، صفاقس (ورئيسها منير اللومي)، بلدية سوسة (ورئيسها إقبال خالد)، بلدية القيروان (ورئيسها رضوان بودن).

ماهي مبادرة “مناخ المتوسط” ولماذا نعارض الانضمام إليها؟

يذكر الموقع الرسمي للمبادرة أنّه تمّ إطلاق هذا المشروع في جويلية 2018 ليتم تنفيذه على مدار 48 شهرا بميزانية إجمالية قدرها 6,9 مليون يورو تم توفيرها بالكامل من قبل الاتحاد الأوروبي. ويزعم القائمون على المشروع أنّ هدفهم هو ” تحسين حوكمة سياسات تغير المناخ ودعم تعميم العمل المناخي”. وبغضّ النظر عن نقاش الزاوية الليبرالية، التي تُقحم الشركات والقطاع الخاصّ في قضايا تهمّ المصلحة العامّة، والزاوية الاستعماريّة التي تعطي الحقّ لبلدان الشمال الأوروبي أن يضعوا معايير حماية المناخ و”التنمية المستدامة” لبلدان الجنوب، سنركّز أكثر على ما فيه من جوانب تطبيعيّة واضحة.

يغصّ موقع المشروع بالمضمون التطبيعي الواضح. فإلى جانب ما تتضمنّه رؤية المشروع من مديح لمزايا “التواصل” مثل: ” العمل الجماعي ونشر المعلومات والخبرات والتعلّم المشترك ” و” ضمان وجود تفاهم ومشاركة ودعم؛ وخلق نشاط تفاعلي للتغيير في جميع أنحاء المنطقة” و” ودعم الإجراءات المشتركة وإقامة الشبكات وربط المبادرات المماثلة” و” المشاركة في الأحداث الوطنية أو الإقليمية التي تشمل مختلف الشركاء وجذب شركاء التمويل والشركات” و” وضع وتنفيذ برامج لبناء القدرات جانبًا أساسيًا من مقاربتنا التشاركية من أجل تمكين التعاون القوي بين البلدان وتوسيع نطاق أفضل التجارب الطويلة الأجل من المستويين المحلي والوطني إلى منظور إقليمي.” فإنّه يكفي الإطّلاع على فريق عمل المبادرة لنتأكّد من أنّها إطار تطبيعي يجمع بين أعضاء عرب (منهم عضوة تونسية) وأعضاء اسرائيليّين.

إذًا بتشجيع من الاتحاد الأوروبي لبناء وتوطيد العلاقات بين ثمانية من دول جنوب المتوسّط تدخل تونس شراكة العار لتصبح واحدة من سبع دول مطبّعة مع دولة الاحتلال في إطار الآلية الأوروبية للتعاون.. أو بالأحرى آلية التطبيع المُقَنَّع والانخراط في عملية “الغسيل الأخضر” (أي غسل الوجه المتّسخ للاحتلال من خلال الاهتمام المزعوم بالقضية البيئيّة) لتاريخ دولة الاحتلال وتبَّني سرديّاتها المشوَّهة والترويج لها.

وقد سبق للحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل أن شدّدت على خطورة الأنشطة الأورومتوسطيّة كمدخل للتطبيع مع الكيان الصهيوني:

” فلسطين وقضيتها هما في قلب هوية ووجدان الوطن العربي المعاصر؛ لذا، فأشكال مقاومة العرب لإسرائيل، ومنها المقاطعة، يجب أن تنسجم تماماً مع متطلبات المقاومة الفلسطينية لدولة الاحتلال (…) وأهم معيار هنا هو مكافحة محاولة الجمع بين الفلسطينيين و/أو العرب بالإسرائيليين (في مشاريع لا تهدف بأي شكل إلى مقاومة الاحتلال والاضطهاد)، التي تهدف بالأساس إلى تسويق نظرة زائفة وخادعة للعلاقة بين الطرفين وكأنها طبيعية. (…) والأنشطة الأورو-متوسطية، تحديداً، هي خير مثال، إذ تذكر أدبيّاتها مثلاً مشاركة الدول التالية: تونس، مصر، إسرائيل، المغرب، لبنان، إلخ، وتعير أسماء الدول المشاركة، لا أسماء الأفراد، كل الاهتمام.

إنّ في انخراط البلديات المذكورة في هذه الفضيحة تنكّرٌ صارخٌ للموقف الرسمي للبلاد التونسية، الذي يؤكّد عليه دستورها وتاريخ شعبها في النضال المشترك إلى جانب الشعوب العربية الرافضة للتطبيع مع دولة الميز العنصري الصهيوني. كما أنّه يناقض حتى بيان وزارة الخارجية الأخير الذي ذكّر بثبات موقف الدولة التونسية من قضية الشعب الفلسطيني وشرعية حقوقه الأساسية التي لا تقبل المساومة ولا السقوط بالتقادم.

مرحى لهم جميعًا إذن دخولهم التاريخ من باب الخيانة والاصطفاف إلى جانب الأنظمة الرجعية.

لكن، في ظلّ حالة تراجع الوعي وانتشار ثقافة الاستسلام والفردانيّة، لسائل أن يتساءل: لماذا ترفضون التطبيع وتتصدّون له؟ 

ما هو التطبيع؟

التطبيع كما تعرّفه الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل هو:

“المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، مصمم خصيصا للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين فلسطينيين (و/أو عرب) وإسرائيليين (أفرادا كانوا أم مؤسسات) ولا يهدف صراحة إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التمييز والاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني. وأهم أشكال التطبيع هي تلك النشاطات التي تهدف إلى التعاون العلمي أو الفني أو المهني أو النسوي أو الشبابي، أو إلى إزالة الحواجز النفسية.”

وكما نعرّفه في الحملة التونسيّة لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني: هو كلّ نشاط أو موقف أو فعل، صادر عن شخص أو جهة رسميّة أو غير رسميّة من الوطن العربي، يساهم في الاعتراف بالكيان الصهيوني العدوّ أو اعتباره كما لو كان دولة طبيعيّة وشرعيّة.

لماذا نرفض التطبيع مع الكيان الصهيوني؟

رغم ما يبدو لنا عليه السؤال من بداهة فإنه من المفيد أن نُذَكِّر، ردًا على الأصوات المدافعة عن المشروع والمروّجة لخطاب التطبيع:

أوّلا، بالعدوان الصهيوني على البلاد التونسية يوم الأوّل من أكتوبر سنة 1985 (الغارة الجويّة على حمّام الشطّ التي سمّاها العدوّ بـ”عمليّة الساق الخشبيّة”)، وقد أسفرت عن استشهاد العشرات من التونسيين والفلسطينيين.
 لطالما كان شعبنا شريكا في المأساة وفي النضال ضد الاحتلال الصهيوني. ” تونس هي البلد الوحيد الذي دخلناه و لم نخرج منه مطرودين” هكذا أكد الشاعر الفلسطيني محمود درويش.

ثانيا، بكون مشروع الاحتلال الصهيوني مشروعا استعماريا توسعيا حليفا لكل الأنظمة الرجعية والاستبدادية. وهو بالأساس قاعدة متقدّمة للإمبريالية في قلب منطقتنا العربيّة. ففي يوميّاته يصف ثيودور هرتزل، النمساوي مؤسّس الحركة الصهيونيّة، مشروعه الاستيطاني بما يلي: ” جزءٌ من استحكامات أوروبا في مواجهة آسيا، موقع أمامي للحضارة الغربية في مواجهة البربرية (الشرقيّة)”.

إن التطبيع إلى جانب كونه خيانة لعقود من النضال الشعبي المشترك لكل الشعوب المطالبة بالحرية والعدالة في المنطقة العربية والعالم أجمع ولنضالات أسرانا بالسجون الصهيونية والأوروبية، هو إعلان ذُلٍ وانهزام وخطر على السيادة الوطنية وعلى حق الشعوب العربية في تحقيق مصيرها بنفسها. فواهمٌ من يخالُ أنّ مسألة الحق الفلسطيني هي قضية تحرر وطني لشعب واحد. إن القضية الفلسطينية تمثل نقطة تقاطع نضالات كل الشعوب العربية الساعية إلى الحرية، العدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية.

لن يتحرر شعب عربي مادامت فلسطين محتلة!

ولسنا نجد أقرب ولا أدل على ذلك من تطبيع النظام المغربي مع الكيان الصهيوني مقابل اعتراف الولايات المتحدة الأمريكيّة بمغربية الصحراء الغربية.

 إنها مهزلة تتكرّر وتذكّرنا بـ”وعد بلفور”: وعدُ من لا يملك لمن لا يستحق.

الكيان الصهيوني و”الغسيل الأخضر”

إننا نأسف لاضطرارنا شرح مفاهيم أساسية و بديهية مثل التطبيع و الغسيل الأخضر. فرغم تقديرنا للتعددية الفكرية والسياسية في خوض نضالاتنا ضد الاقتصاد الملوث إلا أن التطبيع من أجل أهداف بيئية مزعومة لا يعدو أن يكون خيانة ومساهمة في تبييض صورة الاحتلال الذي لا يفوّت قضية عادلة ليعبث بها و ينصّب نفسه نصيرا لها متجاهلا ما يحمله موقفه من تناقض.

فهذا الاحتلال الذي يسوّق لنفسه نصيرًا للقضايا النسوية، يقتل النساء الفلسطينيات ويرمّلهن و يثكلهنّ ويشردهنّ. وهذا الاحتلال الذي يعلّق أعلام الفخر كل سنة، ينسى أو يتناسى أنه سليل الامبريالية الأمريكية التي انطلق ضدّها العصيان الكويري الذي نحيي ذكراه خلال شهر الفخر. كما أنّه يضطهد المثليّات والمثليّين الفلسطينيّين كغيرهم من أبناء شعبهم.

الاحتلال الذي يلوث الموارد المائية الفلسطينية، يدمّر المساحات الخضراء، يحتل المراتب الأولى عالميا من حيث التلوث العضوي حيث هناك 27 طنا من التلوث لكل كيلومتر مربع من المياه. كما يهدد مفاعل ديمونا النووي بتدمير السلسلة الغذائية ناهيك عمّا يطال السكان من أمراض سرطانية بسببه … هذا الكيان المعادي للبشر والحجر يريد اليوم أن يقنع العالم بأنه صديق للبيئة مشارك في مشاريع التنمية والحماية من التغير المناخي.

ناهيك عن الاتحاد الأوروبي الذي يكرّس تبعية دول الجنوب عن طريق إثقال كاهلها بالصناعات الملوثة في إطار التقسيم الجديد للعمل. فهو يعتبر دول الجنوب مكبّ قمامة يرسل إليه صناعاته الملوثة ذات المداخيل المتدنية ويفرض عليه سياساته النيوليبرالية التي لا تقل قذارة عنها. يسعى هذا الاتحاد الأوروبي جاهدا، من خلال أساليب وأطر مختلفة (من أخطرها مشروع ساركوزي “الاتحاد من أجل المتوسّط”) إلى دعم القذارة السياسية التي تحكم بلدان الجنوب لتحمي مصالحه دون اعتبار للمضاعفات البيئية للمنظومة الاقتصادية الحالية، منظومة المنافسة والتلوث والتطاحن الاجتماعي من أجل الربح المادي. هذا الاتحاد الأوروبي يدعو اليوم دول الجنوب “المتخلفة” إلى اعتماد منوال تنموي صديق للبيئة.

هذا هو ببساطة الغسيل الأخضر للكيان المحتل وللاتحاد الأوروبي.

كيف نتصدى لهذا المشروع الذي ألحق العار بالبلاد التونسية و بتاريخ شعبها؟ كيف نقف في وجه مبادرة تسيء هذه الإساءة إلى قافلة الشهداء التي قدمها الشعب التونسي للقضية الفلسطينية حتى اليوم؟

” إنها حرب إبادة جماعية/ إما أن نخوضها متحدين.ات و منتصرين.ات وإما أن يقتلونا فرادى.”

ولذا، فقد تمّ رسم خطوات أولى للتصدي لهذا المشروع التطبيعي تتمثل أساسا في :

  1. العمل على نشر الفضيحة التطبيعية ودعوة كافة أطياف المجتمع تامدني والأحزاب و المنظمات الطلابية والتلمذية إلى التنديد بها.
  2. تكوين لجنة من المحامين.ات المتطوعين.ات لتتبع الملف قانونيا.
  3. حملة إعلامية عبر المواقع والمنابر الإعلامية المساندة للحق  الفلسطيني.
  4. هذا كله سيكون في إطار إدامة الزخم لتحرك ميداني ضخم ضخامة الذل لحقنا بسبب هذا المشروع.

أخيرا..  فلنردّد مع الشهيد الفلسطيني الفنّان ناجي العلي:

” يطير صوابي..

أنا أعرف خطا أحمرا واحدا!

أنه ليس من حق أكبر رأس

أن يوقّع وثيقة اعتراف واستسلام لـ”إسرائيل”.”

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !