رأيْ | مكافحة الفساد: الخطاب الإيديولوجي للبرجوازية الصغيرة والهيمنة الإستعمارية

رأي – تحليلات – اقتصاد سياسي – حمزة ابراهيم

صديق الموقع، كاتب ديمقراطي واشتراكي

“إنّ الأفكار السائدة بالمجتمع في كلّ عصر هي أفكار الطبقة السائدة […] فهي أيضا أفكار سيطرتها”
كارل ماركس وفريدريش أنجلز – الإيديولوجيا الألمانية.

“شغل، حرية، كرامة وطنية” هذا هو الشعار-البرنامج الذي حمله الحراك الثوري شتاء 2010-2011. بقي هذا الشعار حاضرا بقوة في الخطاب السياسي لعدة سنوات ولو في إطار النفاق. اليوم بعد مرور أكثر من ثمان سنوات صار هذا الشعار مُغَيبا تماما. فمثلا رغم نسبة بطالة رسمية تفوق 15% نادرا ما تُطرح هذه المسألة كمشكلة أساسية. هذا أنّ شعارا آخر بسط هيمنته التامة على المشهد السياسي ألا وهو “مكافحة الفساد”.

نجحت “مكافحة الفساد” في تحقيق وحدة إيديولوجية بين يوسف الشاهد ومعارضته الأكثر شراسة (على مستوى المظاهر على الأقل) أو استعراضية: سامية عبو وحزب التيار الديمقراطي. هنالك اليوم إجماع، خال من أي تساؤل نقدي، على أنّ “الفساد” هو المشكل المركزي والأساسي في تونس. لا يتجرّأ أيّ سياسي أو صحفي أو مفكر على التشكيك في مفهوم الفساد هذا ولا في شبه-سياسة “مكافحة الفساد”. فكيف مرّ إذًا مثل هذا التحوّل في الخطاب السياسي مرور الكرام وكيف تمّ قبوله بتلقائية من جميع فئات المجتمع التونسي؟ من أين أتى مفهوم الفساد هذا وما هو محتواه؟ ما هو الدور الذي يلعبه وماهي المصالح التي يمكن أن يخدمها؟

رغم الحضور اليومي والمكثف لخطاب مكافحة الفساد منذ سنوات، نلاحظ أن هذا المفهوم – الفساد – لم يتمّ تعريفه أبدا. يعود ذلك إلى سببين أساسيّين، أحدهما نظري والآخر سياسي. في الحقيقة “الفساد” (كما يفهمه ويتحدث عنه الجميع اليوم)، مثله مثل “التنمية”، هو مفهوم شديد الضبابية ويكاد يستحيل تعريفه. فمنذ بروزه في أدبيات المؤسسات المالية الدولية1 في تسعينات القرن الفارط، حاول الباحثون في العلوم السياسية والإجتماعية التماس تعريف متماسك ومقنع له دون جدوى. إذ عادة ما تفضي هذه البحوث إلى تساؤلات جديدة أكثر من أية أجوبة.

في الواقع تُستعمل كلمة “فساد” في عدد كبير من التشكيلات الإجتماعية-الثقافية المتنوعة للحديث عن ظواهر مختلفة. اذ يمكن أن تُعتبَر بعض الممارسات “فاسدة” في مجتمع ما وعادية أو مقبولة في مجتمعات أخرى2. من باب النزاهة الفكرية، دفعت هذه المعاينة بعض الباحثين لطرح جدوى التخلي التام والكلّي عن هذا المفهوم3. في المقابل، يبدو رأس المال العالمي والمؤسسات المالية الدولية، وحلفاؤهم وخدَمهم في السياسة و “المجتمع المدني” والجامعة، أقل اكتراثا للنزاهة الفكرية وأكثر ميْلا للخداع الإيديولوجي؛ ولذا يواصلون استعمال هذا المصطلح مُعَرِّفين إيّاه، متى لزم الأمر، حسب ما تقتضيه مصالحهم.


[1]سنستعمل هذه العبارة طيلة هذا المقال للحديث عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أساسا.

الأخلاقوية والتكنوقراطية واللاسياسة

أكثر التداعيات الإيديولوجية أثرا لخطاب الفساد هي نبذ التسييس والتسيُّس والعزوف عن السياسة عموما. لعجزه عن تعريفه، وبالتالي عن فهم أسبابه الهيكلية، يقدّم “القطب الأخلاقوي لمكافحة الفساد” – والذي يترأسه بجدارة التيار الديمقراطي – “الفساد” على أنه سقوط أخلاقي للسياسيين والبيروقراطيين الموجودين في السلطة. عوض التحليل العقلاني البنيَوي للمشاكل وتقديم حلول سياسية لها، يتمثل الحلّ بالنسبة لعائلة عبّو “المُقَدّسَة” في تعويض الأشرار بالأخيار (الحقيقيين!)، أي التيار الديمقراطي (فيوسف الشاهد مثلا رغم ادّعاءاته ليس خيّرا حقيقيا حسب بيت عبّو للإفتاء في الفساد والنزاهة!). وبالتالي تتحول السياسة من مسألة أفكار ومشاريع إلى مسألة أشخاص. هذا الإختزال والتتفيه للسياسة، بتقديمها كمسألة إرادة وأشخاص وصعود وهيمنة النزعة الأخلاقويّة على حساب الفكر التحليلي (كي لا نقول الجدَلي)، يمثّل انحدارا وتراجعا مؤسفيْن للثقافة السياسية في تونس.

أكثر من هذا، يبرز خطاب الفساد كعائق كبير أمام الوعي الطبقي السياسي. اذ يضع هذا الخطاب السياسيّين والبيروقراطيين الفاسدين، الذين يسرقون ويهدرون المال العام، في خانة ومجمل المواطنين في الخانة المقابلة كضحايا لهذه الممارسات. يحمل هذا التصوير للصراع السياسي مغالطتين: أولا، هذا الطرح يوهم ضمنيا بأنّ الصعوبات الإقتصادية-الإجتماعية التي تعاني منها البلاد متأتية من سرقة المال العام وليس من خيارات وسياسات إقتصادية (السياسات الجبائية والتجارية، التقشف…والخ.)؛ ثانيا، بذلك هو يحجب كون عديد الفئات، من برجوازية وبرجوازية-صغيرة (من ممارسي المهن الحرة والتجّار مثلا) ورأس مال أجنبي، تنتفع من سياسات الحكومات المتعاقبة على حساب الفئات الأخرى. المشكلة مع الحكومات المتتالية ليس في كونها “فاسدة” وتهدر المال العام (ولو صحّ ذلك) بل في كونها حكومات نيوليبيرالية. فحتى وإن كانت على غاية من النزاهة و “نظافة اليد” ستؤدّي نفس السياسات الاقتصادية التي اتبّعتها إلى نفس النتائج، ولم يكن حال الفئات المتضررة ليتحسّن.

يتم تناول الفساد من قبل أبطال مكافحته (يوسف الشاهد والتيار الديمقراطي) بطريقتين: إمّا على هيئة طيف ميتافيزيقي مخيّم على البلاد أو في شكل “ملفّات” حول أشخاص يجب محاسبتهم أو يتمّ الرمي بهم في السجن. هذا الطرح لا يمكن أن يؤدي إلاّ إلى عملية مطاردة ساحرات. أيضا، إذا كانت المشكلة الأساسية هي مشكلة أشخاص “فاسدين” فهذا يعني ضمنيّا أنّ “النظام” لا بأس به؛ فقط هو في حاجة لتنقيته من بعض الأشرار المُفسدين ولا داعي لإسقاطه مثلما دعا إلى ذلك بعض المتهوّرين ذات شتاء 2010-2011.

يتمثّل الفساد الذي يعرفه ويفهمه عامة التونسيين في الرشاوي التي يتلقاها أعوان الشرطة والديوانة، و “التدخلات” في مناظرات الإنتداب… ونظرا لأنّ هذه الظواهر لا يمكن أن تفسّر الصعوبات الإقتصادية التي تواجهها البلاد، يضطرّ فُرسان مكافحة الفساد للخوض في موضوع الفساد السياسي4 (دون تعريفه طبعا) والى المزايدة بالحديث عن “المافيات”. لكن منذ بداية حملته الرئاسية سارع محمد عبّو إلى التذمّر؛ فهذا الخطاب يغذّي انطباع “كلّهم سرّاق وفاسدين” ويؤدّي إلى الرمي به في نفس سلّة “السياسيين”: شيء غريب حقا وهو واحد منهم! يفسّر هذا الانطباع الكثير حول العزوف عن الإنتخابات والتصويت للمستقلّين في البلديات وصعود مرشحين أكثر “ديماغوجية” (نبيل القروي) وأكثر طهرانية (قيس سعيد) من محمد عبّو. أكثر من هذا، يذهب التيار الديمقراطي شيئا فشيئا نحو تحقيق وحدة وانصهار قُطبَيْ مكافحة الفساد، الأخلاقوي والتكنوقراطي. إذ وعد محمد عبو في حملته الرئاسية بتسمية أقل ما يمكن من السياسيين وأكثر ما يمكن من “الكفاءات” (أي التكنوقراط)5.

عادة ما يفضّل “القطب التكنوقراطي لمكافحة الفساد”، وهو أقلّ بروزا في تونس، التركيز على أهمية “الكفاءة” وخاصة الحوكمة – هي نوعًا ما النقيض الإيجابي للفساد ويشاطره نفس الخواء المفهومي6. باستعماله أكثر من عشرين مرّة مصطلح الحوكمة وتقديمها كسبب وحلّ لـ 70% (!) من مشاكل تونس7 دون تعريفها أو تفسير ما يمكن أن تعنيه “الحوكمة الرشيدة”، أو فيما يمكن أن يتمثل وضعها حيز التنفيذ، جسّد “القدّيس” شوقي طبيب، خلال موعظته في قناة الحوار التونسي، السطحية والتهافت الذين يميّزان القطب التكنوقراطي لمكافحة الفساد، وأيضا القدرة الفائقة لممثّليه على التدجيل. ذهبت المترشّحة النكرة فاطمة بن سالم ضحية هذا المصطلح وصارت محلا للسخرية لعدّة أيام لسوء حظها وبساطتها وضعف قدرتها على السفسطة والحديث عن مصطلحات لا تفهمها – كونها ببساطة لا معنى لها. كان بودّنا لو سُئِل كبير كهنة مكافحة الفساد نفس السؤال، لكن للأسف لا يمكن أن نعوّل على مريم بالقاضي لتطرح مثل هذه الأسئلة المزعجة على “السيّد العميد”.

خطاب مكافحة الفساد كوسيلة لصناعة الرضا

قبل صعود خطاب مكافحة الفساد كانت مشاكل البلاد تُطرح في الساحة السياسية بطريقة أخرى. كان الحديث يدور حول التهرب الضريبي، الإقتصاد الموازي، التهريب، البطالة، التفاوت الجهوي… هذه المصطلحات تشير إلى ظواهر يمكن تعريفها بوضوح وتحليلها وحتى تقدير انعكاساتها الإقتصادية. وكان “الفساد”، إن ذُكِر، يُتناول كغيره من المشاكل لا أكثر. يمكن أن نتساءل إذن لماذا لا يتواصل الحديث عن هذه المشاكل بوضوح ويتمّ اليوم إخفاءها وراء خطاب شديد الغموض بما أدّى تقريبا إلى محوها من مخيّلة المجتمع. أوّلًا وببساطة، القوى السياسية التي ترفع شعار مكافحة الفساد هي قوى برجوازية (يوسف الشاهد) وبرجوازية-صغيرة (التيار الديمقراطي)؛ لا يمكن لحزب يطرح تحسين “مناخ الأعمال” وإرجاع ثقة “المستثمرين” في الدولة أن يتحدث بوضوح عن التهرّب الضريبي، ويَصِمُ بذلك الطبقة الرأسمالية كمتسبّب في المشاكل الإقتصادية.

لكن في الواقع هنالك شيء أكثر عمقا وخطورة وراء هذه النُقلة إلى خطاب أخلاقوي غامض. خطاب مكافحة الفساد هو سلاح إيديولوجي يتمّ استعماله لبلوغ أهداف سياسية معينة. اذ يمثل خطاب الفساد الوسيلة الأساسية لصناعة رضاء الشعوب وضمان قبولها بالسياسات النيوليبيرالية التي تدعو لها المؤسسات المالية الدولية. من الصعب جدا الوقوف في وجه سلطة تستمدّ شرعية أخلاقية من وعدها بمكافحة الفساد. فأيّ معارضة لها يمكن أن توصم بتهمة الفساد، أو حتى أن تجد نفسها في السجن مثلما رأينا مع يوسف الشاهد8.

في خضم كلّ البلبلة حول “الفساد” هناك سوء تفاهم غير بريء بالمرّة: فمن ناحية يقدّم الخطاب المهيمن الفساد كمسألة أخلاقية والجماهير تفهمه كذلك، لكن من ناحية مقابلة يعّرفه تكنوقراط المؤسسات المالية الدولية بمنطق اقتصادي تقني: كنقص في الشفافية وسعيٍ وراء الرَيْع9. هذا هو في نهاية التحليل الدافع السياسي لهذه الضبابية المستمرّة حول “الفساد”. فالهدف هو إضفاء مشروعية أخلاقية على أجندة “الإصلاحات” النيوليبيرالية القادمة وشلّ أعداءها. بلغة أوضح سيتم طرح سياسات الخوصصة واللَبْرَلَة (“تحرير الأسواق”) و “التبادل الحرّ” باسم “مكافحة الفساد” وكوسيلة لتحقيق هذه الغاية الأخلاقية السامية. هذا تحديدا ما حصل في تركيا مثلا عند بداية أزمتها الإقتصادية سنة 2001 10. وهو نفس ما بدأ العمل عليه في تونس على الأقل منذ سنة 2014، عندما أطلق البنك الدولي في وسائل التواصل الإجتماعي عملية بروبقندا ممنهجة حول تقرير قام بنشره.

النيوليبيرالية واقتصاد الرَيْع

تُعتبر منظمة الشفافية الدولية المرجع العالمي في مكافحة الفساد، وتُمثّل منظمة “أنا يقظ”، فرعها التونسي تحت التأسيس11. “أسّس هذه المنظمة غير الحكومية سنة 1993 السيد بيتر إيجن، مدير إقليمي سابق بالبنك الدولي، إلى جانب السيد مايكل ارشمان، عضو سابق في الإستخبارات العسكرية الأمريكية، والسيد فرانك فوجل، مستشار إعلامي سابق في عالم المالية وقد مرّ هو الآخر بصفوف البنك الدولي، والمتوفّي جورج مودي ستيوارت الذي حقق ثروة في قطاع السكّر”12. في تعريفها للفساد، تركّز هذه المنظمة بصفة خاصة على القطاع العمومي مثلما هو الحال في تعريف البنك الدولي سنة 1997 – “سوء استعمال منصب عمومي من أجل الإستثراء الشخصي” – وهو نفس التعريف الذي يواصل صندوق النقد الدولي استعماله.

هذا رغم بعض التنسيب والمراجعات التي فرضت نفسها بعد انفجار سلسلة من الفضائح الكبرى (انرون، وُورلدكوم، ليبور…) في القطاع الخاص المعروف بـ “شفافيته ونزاهته”! مثل هذه التعاريف العرجاء ليست بريئة وهي مسيّسة بوضوح، إذ تعتبر منظمة الشفافية الدولية أنّ الدولة هي المصدر الأساسي للفساد. أكثر من هذا، هي ترى القطاع الخاص كأحد الأعمدة التي يمكن أن ترتكز عليها مكافحة الفساد. باختصار، يمكن القول أنّ منظمة الشفافية الدولية هي الذراع الجمعياتي للنيوليبيرالية العالمية13.


إن كانت هاته التعاريف المؤدلجة بصفة بذيئة تُفصح الكثير عن نوايا هؤلاء، فإنّ الأمر لا يقف عند النوايا. عمليًا تستهدف المؤسسات المالية الدولية مسألة اقتصادية معينة، تعتبرها في نفس الوقت مصدرا للفساد وأهم أشكاله، ألا وهي السعي وراء الرَيْع. ظهر هذا المفهوم في الأدبيات الاقتصادية النيوليبيرالية خلال الثمانينات وبدأ استعماله في نشريات المؤسسات المالية الدولية في أوائل التسعينات. فيما يخصّ تونس، تمّ استعمال هذا المصطلح لأول مرة في تقرير مهمة لصندوق النقد الدولي يعود إلى سنة 2000. في سبيل مقاومة هذه الظاهرة يدعو التقرير إلى التسريع في عمليات الخوصصة وإلى الإنفتاح على المنافسة الأجنبية.

من جهته استعان البنك الدولي بهذا المفهوم لوصف النظام الإقتصادي التونسي كرأسمالية محاسيب14 سنة 2014. منذ ذلك الحين تتكرّر التوصيات بتفكيك “الريْع” (و “فتح المنافسة”) في إطار مكافحة الفساد، وآخرها تقرير البنك الدولي حول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الصادر بداية شهر أكتوبر الفارط، والذي يربط الأمريْن مباشرة عديد المرات. في هذا الصدد يدعو التقرير مثلا إلى تقليص الدعم ورفع كل القيود عن التوريد… في سبيل مكافحة الفساد. من ناحيته يشدّد صندوق النقد الدولي في آخر تقاريره على أهمية مكافحة الفساد وتسمية أعضاء هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد لتحسين مناخ الأعمال.

بقيت المعرفة بهذا المفهوم الجديد للريْع وتداوله في تونس حكرا على النخب التكنوقراطية النيوليبيرالية إلى حد مداخلة أنيس مراكشي في إطار ندوة نظمها التونيزيان ثينك تانك. على أساس تحليل منقوص وموجه للقطاع البنكي التونسي15 وسلسلة من الكليشيهات الليبيرالية حول منافع المنافسة ومساوئ التدخل الإقتصادي للدولة يفسر هذا الموظف السامي بوزارة الإقتصاد والمالية الفرنسية “إقتصاد الريع في تونس”16. مع استعماله بعض الطُرُفات النمطية التي تدغدغ المستبطنات الإيديولوجية لجمهروه17، تلقت البرجوازية-الصغيرة والقطاعات الليبيرالية من الطبقات الوسطى هذا الإسقاط الإيديولوجي على الواقع التونسي لبعض المفاهيم النيوليبيرالية البالية والقادمة مباشرة من أدبيات المؤسسات المالية الدولية كاكتشاف فكري لـ “كفاءاتنا الشابة بالخارج”! طبعا مقترحاته على نفس المستوى من الريادية والإبتكار: تراجع الدولة واللَبْرَلة.

من بين المعجبين باكتشافات أنيس مراكشي والمتابعين الشغوفين له نجد محمد العربي الجلاصي عضو المكتب السياسي للتيار الديمقراطي ومدير الحملة الرئاسية لمحمد عبو. أيضا تحدثت سامية عبو في البرلمان عن “اقتصاد الريع” عديد المرات. إستعملت في أولها هذا المصطلح دون فهم معناه الحديث حيث وصفت اقتصاد تونس بالرَيْعي لكونه يعتمد أساسا على الموارد الطبيعية (!) كما يؤكد ذلك مقال نشر على موقع الحزب18. توِّج هذا التوجه رسميا في برنامج التيار الديمقراطي الذي وصّف الإقتصاد التونسي باقتصاد الريع. نفس الخطاب حول التراخيص واستحواذ بعض العائلات على الإقتصاد التونسي والشفافية و “المنافسة المتكافئة” والفساد استعمله سفير الإتحاد الأوروبي بتونس للدفاع عن اتفاقية الآليكا الإستعمارية.

في هذا المستوى وعلى أساس كل التقاطعات التي قمنا ببلورتها من باب الذكر والحجة لا الحصر، يمكن أن نقول أنّ البرنامج الإقتصادي للتيار الديمقراطي من مكافحة فساد وتحسين مناخ أعمال وجلب استثمارات أجنبية وتفكيك ريع هو برنامج النيوليبيرالية العالمية. ربما من المهم هنا التأكيد على أن كل هذه التقاطعات والتحالفات الموضوعية لا يجب فهمها كمؤامرة محبوكة من القوى الإمبريالية يلعب فيها التيار الديمقراطي أو أنا يقظ دور العميل بكل وعي. في الحقيقة بعد انهزام ثورة أو انتفاضة 2010-2011 وفشل القوى السياسية المعنية بتمثيلها (لغياب برنامج وتنظيم ثوري) وجدت برجوازية “النظام السابق”، باقتصادها المهترئ، نفسها تحت نيران التحالف الموضوعي للرأسمال العالمي والبرجوازية-الصغيرة الصاعدة.

نظرا لافتقار الأخيرة لأي نظرية فلسفية أو سياسية متماسكة ولأي مشروع تاريخي فهي لقمة سائغة لكل التلاعبات والتوظيفات والتناقضات – تصرخ سامية عبو في المجلس للدفاع عن السيادة الوطنية رافعة شعارات من استحوذ عليها. كما أنّ موقعها الإقتصادي وحرصها على حماية امتيازاتها (أو ما تراه كذلك) يجعلانها ترفض التغيير الجذري للمنظومة وتسعى دوما نحو سراب إصلاحها وأخلقتها19 مما يجعل شعارات نيوليبيرالية مثل “مكافحة الفساد” و “المنافسة الحرة والنزيهة” تستهويها. هذا يعني أن جل قواعد التيار وأعضاء أنا يقظ يجهلون أنهم يحملون مشروعا نيوليبيراليا (لضعف تكوينهم النظري) وسيصعب عليهم الإعتراف بذلك (لأسباب اقتصادية ونفسية متأتية من موقعهم الطبقي). لكن هذا التحليل الطبقي الموضوعَوِي نفسه يجب تنسيبه فالوعي واللاوعي والموضوعي والذاتي في وحدة جدلية دائمة. فقد بينت “قضية الناتو” الأخيرة أنّ هذه التحالفات لها أيضا بعد ذاتي حيث أكد أشرف عوادي وأنا يقظ أن ليس لهم أي مشكلة في التعامل مع القوى الإمبريالية وذلك بمساندة من محمد العربي الجلاصي وهو ليس بالأمر العجيب حيث لا يمكن أن يجهل هذا القيادي البارز أنّ برنامج حزبه مستوحى مباشرة من تقارير المؤسسات المالية الدولية. لا يمكن أن ننهي هذا الجزء دون الإشارة إلى كتابي عزيز كريشان الأخيرين المثيرين للفضول20.

فمن ناحية يطرح هذا العضو السابق في منظمة برسبكتيف الثورية مسألة السيادة الوطنية والسيادة الغذائية كأساس لها، ويقترح إصلاحا زراعيا جذريا إلى حد ما. ومن ناحية أخرى فهو يوَصِّف الإقتصاد التونسي بالريعي-المفيوزي21 ويقدم نفس المقترحات النيوليبيرالية من لَبْرَلة ورفع دعم… رغم أنّ هذا المقال لا يتسع لمناقشة أطروحات عزيز كريشان فسنشير هنا إلى نقطتين. أولا، نظرا للصعوبات المالية التي تعانيها تونس، المنافسة في القطاعات ذات الكثافة الرأسمالية (وهي الأهم) لا يمكن أن تأتي إلا من الخارج لكن عزيز كريشان لا يحدد عن أي منافسة يتحدث. ثانيا، التصنيع وبناء اقتصاد منتج للثروة (وهو ما يدعو إليه عزيز كريشان) لم يتحققا في أي مكان من العالم (من الغرب إلى سنغافورة وكوريا الجنوبية) عن طريق اللبرلة ووهم الفصل الإصطناعي للإقتصاد عن السياسة بل عن طريق سياسات اقتصادية وصناعية تتداخل فيها الدولة والبرجوازية كطبقة وأفراد وعائلات ما لا يمكن أن يجهله عزيز كريشان.

على سبيل المثال تسمى المجمعات العائلية الكبرى في كوريا الجنوبية تشايبول وفي اليابان كايرتسو ثم زايباتس وهي شديدة التقاطع في مساهماتها ومتعددة الأنشطة وواسعة النفوذ السياسي ما يفند أطروحات عزيز كريشان وأنيس مراكشي (الذي يدّعي أيضا أن الشركات لا يمكنها اقتحام الأسواق العالمية إلا إذا كانت شديدة التخصص). طبعا تقوم الدول بمساندة هذه الشركات وهي خارجة عن “المنافسة النزيهة” و “حرية المبادرة” وتشوب هذه العائلات (أو “المافيات” حسب المصطلح التونسي) شبهات وفضائح فساد عديدة وكبيرة. هل يصح إذن وصف اقتصادات كوريا الجنوبية واليابان وأيضا رأسماليات الغرب (بلوبياتها القانونية والخفية) إلى حدود السبعينات بالريعية؟!

في هذه الحالة، ربما يكون الريع والفساد أفضل السبل لبناء اقتصاد صناعي ينافس في الأسواق العالمية. في الحقيقة انتهجت تونس سياسات مشابهة بعد الإستقلال وبالتالي يجب تحليل فشلها النسبي بأكثر دقة في علاقة بخضوع المجموعات الحاكمة المتعاقبة للإمبريالية وافتقادها لأي استراتيجية اقتصادية ومن ذلك تذبذب سياساتها وأيضا برامج التعديل الهيكلي المتتالية ما أدّى إلى تبعية اقتصادية… وهي أمور يشير إليها عزيز كريشان دون استخلاص الإستنتاجات التي تفرض نفسها. فأما توصيف المنظومة الإقتصادية التونسية (وغيرها في جميع بقاع العالم) بالريعية فهو إسقاط إيديولوجي نيوليبيرالي لا تاريخي. ففي نفس الوقت الذي تدّعي فيه المؤسسات المالية الدولية أن الريع والمحسوبية هي مشاكل “الجنوب” والدول الأقل تطورا يستعمل النيوليبيراليون هذه المفاهيم لتفسير أزمة الرأسمالية في دول مركزها – لا دليل أوضح من هذا التناقض على انعدام القيمة التحليلية لهذه المفاهيم وحقيقة دورها الإيديولوجي السياسي22.

الفساد والإستعمارية الجديدة

تميز خطاب محمد عبو حول الفساد أثناء حملته الرئاسية بأكثر وضوح وأكثر ليبيرالية (طبعا مع القول في نفس الوقت أن الليبيرالية ليست الحل!) مقارنة بالخطاب المعتاد من نواب التيار حيث مكافحة الفساد غاية أخلاقية مستقلة بذاتها. بالنسبة لمحمد عبو الغاية من مكافحة الفساد والشفافية هي أساسا إرجاع الثقة في الدولة وتحسين “مناخ الأعمال” لجلب الإستثمارات الأجنبية مثلما يدعو إلى ذلك صندوق النقد الدولي في جميع تقاريره.بعد أن بيّنا أنّ الخطاب حول الفساد والحوكمة ليس شفافا، وإذا لاحظنا من ناحية أخرى مثلا أن عدم شفافية المفاوضات حول اتفاقية الآليكا لا يثير سخط الفرع التونسي (تحت التأسيس) لمنظمة الشفافية الدولية، يمكن أن نتساءل عن أي شفافية نتحدث وما يمكن أن يعنيه هذا المفهوم، وما يجعل المؤسسات المالية الدولية تأكد على أهميته؟

بالنسبة لرأس المال عبر-القطري يمثّل الفساد – بمفهوم العتامة (عدم الشفافية)- حاجزا يمنعه من حساب تكاليف ومداخيل استثماراته مسبقا. في الحقيقة كل الإجراءات والمصاريف غير الرسمية والضغوطات الإجتماعية والسياسية التي يمكن أن يتعرض لها هي تكاليف لا يمكنه التنبؤ بها وحسابها مسبقا. بأكثر دقة، يمَكِن توفر المعطيات الإقتصادية ووضوح النصوص القانونية المتعلقة بالإستثمار والتجارة وتطبيقها بحياد وانسجام رأس المال من اختيار وجهات استثماراته حسب مصالحه بمنطق اقتصادي-قانوني تغيب عنه الإعتبارات السياسية والإجتماعية.

في نفس الوقت تجرّ المنافسة الدولية لجلب الإستثمارات الأجنبية الدول إلى إعطاء رأس المال أكثر فأكثر حقوقا وامتيازات لاستقطابه. ما يعني أن هذه الدول تضع قوانين تكبّل بها نفسها وتحدُّ من قدرتها على الضغط على رأس المال عبر-القطري لحماية العمّال أو رأس المال المحلي مثلا. من هذا المنطلق، تمثل الشفافية – إذا فهمناها كوضوح وتجانس الإجراءات والقوانين حول الإستثمار والتجارة – ودولة القانون أفضل الضمانات لرأس المال عبر-القطري مهما كانت الأوهام الإيديولوجية للبرجوازية الصغيرة والطبقات الوسطى حول هذه المفاهيم.

يقول مؤشر سهولة ممارسة الأعمال الذي ينشره البنك الدولي أنه “مبنيّ على مبدأ أنّ النشاط الإقتصادي يستفيد من قوانين واضحة ومتماسكة: قوانين تضمن حقوق ملكية قوية […]. هذه القوانين تكون أكثر فاعلية في الإرتقاء بالنمو والتنمية عندما تكون فعالة وشفافة ومفتوحة للمعنيين بها”. هذا المؤشر الذي يؤكّد مرارا وتكرارا على أهمية الشفافية يقول إذن بوضوح أن المعنيّين بالشفافية هم المالكون أو المستثمرون أو رأس المال.

كأمثلة ملموسة أخرى يمكن أن نذكر مؤشر العتامة الذي يطرح على نفسه تحديد تكلفة نقص الشفافية لرأس المال ومؤشر سلطة القانون الذي ينشره مشروع العدالة في العالم وهي منظمة يكفي القول أنّ من بين مسانديها ورؤسائها الشرفيين مادلين أولبرايت وجيمس بيكر. نقرأ في نسخة 2019 من هذا المؤشر الأخير: تخيّل أن مستثمرة تريد تحويل موارد إلى الخارج. ستفكر مرتين على الأرجح قبل أن تستثمر في بلاد الفساد فيها متفش وحقوق الملكية غير محددة بوضوح ويصعب فيها تفعيل العقود. التفعيل غير المنسجم للقوانين والفساد وحقوق ملكية غير مؤمَّنة ووسائل فض نزاعات غير فعالة تضر الشركات القانونية وتعيق الإستثمار المحلي والأجنبي.”

الفساد مهما كان التعريف الذي نسنده له هو شيء عاتم وخفيّ ما يجعل قيسه أمرا شبه مستحيل. المقياس الأساسي والمعترف به عالميا للفساد هو مؤشر مدركات الفساد الذي تنشره سنويا منظمة الشفافية الدولية. زيادة على الميولات الليبيرالية لمصادره23 ومثلما هو واضح من تسميته لا يقيس هذا المؤشر مقاديرا اقتصادية بل شعورا (أو إدراكا) بالفساد. على ذلك، هذا المؤشر دائري : بإعادة صياغة مواقع البلدان في سلم منظومة الهيمنة العالمية – أساسا هيمنة “الشمال” على “الجنوب” و “الغرب” على “الشرق” – بمنطق الفساد يأسّس هذا المؤشر لهيمنة خطاب الفساد على المشهد الإعلامي في “الجنوب”، ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع في الشعور بالفساد لا علاقة له بمستوى الفساد كممارسة فعلية24، فينتهي هذا الترتيب دائما إلى إعادة إنتاج الشعور بالفساد الذي يدّعي محاولة قيسه. هذا أنّ وظيفته ليست تحليلية بل إيديولوجية وسياسية.

بصفة عامة، يقدّم الخطاب حول الفساد – باعتباره مشكلة “الجنوب” – صعوبات اقتصادية، تسبّبت فيها أساسا السياسات النيوليبيرالية، على أنّها مشكلة دونية أنثروبولوجية وثقافية لضحاياها؛ وبالتالي هو يخفي دور الإمبريالية في خلق هذه الصعوبات. بإعادة إنتاج عقدة الدونية التي تعاني منها الشعوب المستعمَرة يضفي هذا الخطاب مشروعية على تدخل “الرجل الأبيض” (اليوم عبر المؤسسات المالية الدولية والمنظمات غير الحكومية أو “المجتمع المدني” و “الخبراء”…) لجلب الحضارة وفرض الإنضباط على هؤلاء الجنوبيين الفاسدين الهمجيين.مكافحة الفساد هي آخر نسخة من الإديولوجيا الإستعمارية. هذا ما يفسر التسليم الخالي من أي نقد بخطاب مكافحة الفساد والإجماع حوله من قبل كل قطاعات وفئات المجتمع التونسي.

في الحقيقة، لطالما اعتبر التونسيون أنفسهم “فاسدين” بصفتهم “عرب” أو “عالم ثالث”. وبالتالي فالخطاب حول الفساد لا يتم إدراكه كمستّجَد ملحوظ لأنه في نهاية الأمر يندرج ضمن تواصل الهيمنة الإيديولوجية والنفسيّة أو البسيكولوجية للإستعمار25. في الحقيقة يكفي تغيير زاوية النظر لتبيّن الطبيعة الإيديولوجية للخطاب المهيمن حول مكافحة الفساد. إذا تطرقنا إلى مؤشر السرية المالية بدل مؤشر مدركات الفساد، نجد أنّ من بين الدول الأكثر فسادا بمعنى هذا المؤشر سويسرا والولايات المتحدة وسنغافورة وألمانيا وهولاندا.

يقيس هذا المؤشر مدى تسهيل تشريعات مختلف الدول للتدفق المحظور للأموال (أموال التهرب الضريبي، التهريب، تبييض الأموال…). خسرت إفريقيا أكثر من ألف مليار دولار من هروب رؤوس أموال (غير قانوني) منذ سبعينات القرن الماضي في حين لا يتجاوز مجمل دينها الخارجي 200 مليار دولار. إفريقيا “الغارقة في الديون” هي في حقيقة الأمر دائن ومموّل للعالم. هذه المعطيات (والكثير غيرها مما ندر تداوله في المشهد السياسي والإعلامي للرأسمالية والإمبريالية) تخوّل لنا القول مع باحث الأنثروبولوجيا جايسن هيكل أن مشاكل الفساد في “الجنوب” هي مشاكل الشركات العالمية والمصالح الإمبريالية.

على عكس ما يعتقده الجميع في تونس، هذا التركيز على الفساد (والحوكمة!) ليس متأتيا من تشخيص عقلاني قد يبيّن أنّ تونس بلاد “فاسدة” بصفة خاصة أو أفسد من غيرها. الحقيقة أنّ اليوم، في جميع أنحاء العالم، لا تُحَلَلُ الأزمات الإقتصادية والإجتماعية بعمق بحثا عن أسبابها الهيكلية، وخاصة علاقاتها بالسياسات النيوليبيرالية والجيل الأول من التعديلات الهيكلية. محاوِلةً التملصّ من المسؤولية، تُسقِط المؤسسات المالية الدولية نفس التِعِلّات الإيديولوجية الجاهزة من فساد وريع وغياب حوكمة… فترمي باللوم على الدول والشعوب ومن ثمّة تفرض عليها جيلا ثانيا من التعديلات الهيكلية.

يعود استعمال هذا التكتيك على الأقل إلى أزمة شرق آسيا سنة 1997. فبعد التصفيق لهته الدول كـ “معجزات اقتصادية” ونجاحات تنموية للرأسمالية في وجه “الإشتراكية”، إكتشفت (!) القوى الإمبريالية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بعد انهيار الإتحاد السوفياتي أنّ هذه الأنظمة التي لطالما حظيت بدعمها (كمواقع متقدمة في الحرب ضد “الشيوعية”) غارقة في الفساد وتفتقر للشفافية والحوكمة. “حدّد الغرب ‘المرض’ الآسيوي على أنه أساسا وعكة سياسة ناتجة عن الدور الضارّ للدولة في الإقتصاد وما ينجرّ عنه من فساد وانعدام فاعلية […].

إستغلت الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي الأزمة في آسيا الشرقية في 1997-1999 كفرصة لتفكيك بقايا مقومات الدولة التنموية، خاصة في كوريا الجنوبية. كانت هذه فرصة ذهبية للمضيّ قُدما في فرض المعايير النيوليبيرالية على آسيا رغم رفضها”26. نفس تكتيك إدارة الأزمة بتعميقها وتوظيفها استُعمل أيضا في اليونان خلال أزمتها المالية بداية من 2009 لتحويلها إلى “مستعمرة مديونية”27. بطريقة وفي ظروف مشابهة – صعوبات اقتصادية وتدخل المؤسسات المالية الدولية – تتحول تونس (باعتراف من البنك الدولي نفسه) من تلميذ نجيب للرأسمالية العالمية إلى اقتصاد ريعي فاسد أساسه المحسوبية تنعدم فيه الشفافية والحوكمة.

كل هذا لا يعني إنكار وجود الممارسات التي تندرج ضمن تصنيفيْ الفساد السياسي والبيروقراطي في تونس. لكن يجب فهم أنّ هذا الأخير متأتي من الصعوبات الإقتصادية – شحّ الخدمات ومواطن الشغل والموارد والتمويلات – ومن ميزان القوى المختل بين الدولة من ناحية والمجتمع والأفراد من ناحية أخرى – إضعاف القدرة القانونية والسياسية للمواطنين على مراقبة ومحاسبة مؤسّسات وموظّفي الدولة في إطار سياسة “هيبة الدولة” – لا من “العقلية” أو “قلة الوعي”.

أكثر من هذا، يجب تجاوز الفهم التكنوقراطي الشكلي للفساد؛ فليس كلّ ما يسمّى “فسادا” بالضرورة “سيئا”. هل لو قمنا مثلا بتقنين الرشاوي في المستشفيات في شكل معاليم إضافية تُدفع للحصول على الأولوية في العلاج أو على رعاية أفضل يمكن أن نقول أننا قضينا على الفساد في هذا الميدان وأننا بذلك ارتقينا بالصحة العمومية؟ وهل الرشاوي في الصحة العمومية التونسية “أفسد” من النفوذ السياسي للوبيات قطاع الصيدلة في الولايات المتحدة أو ممارسات الجمعية الطبية الأمريكية ؟ وهل الصحة العمومية (مع أخذ “الفساد” بعين الإعتبار) في تونس أكثر تكلفة للمريض وللمجتمع من غيرها، العمومية والخاصة، “غير الفاسدة”28 في بلدان أخرى؟

 وأمّا الفساد السياسي (بمعنى تدخل مصالح خاصة في السياسة) فيجب تنسيبه لكونه أولا بديهيا في كل المجتمعات البرجوازية29، ثانيا لوجوده بقوّة في “الغرب”30 الذي يهوى تلقيننا الدروس، ولغياب أيّ داعٍ (عدى البروبقندا الإستعمارية) لاعتبار درجة انتشاره في تونس أعلى من درجة انتشاره في “الغرب”. أكثر من هذا وأهمّ : ربط الصعوبات الإقتصادية التي تمرّ بها تونس بالفساد هو مجرد هراء إيديولوجي (خاصة في غياب تعريف مقنع لهذا المفهوم وقياسات جدية لتأثيره الإقتصادي). فحتى العلاقة المزعومة بين النمو الإقتصادي والفساد وأسطورة الأربع نقاط نموّ التي تخسرها تونس نتيجة للفساد وغياب الحوكمة لا تصمد في وجه معاينة بسيطة: سجلت بلدان تُعتبر (حسب مؤشر منظمة الشفافية الدولية) أكثر فسادا من تونس (أثيوبيا وبوليفيا والبرازيل والهند والصين على سبيل المثال) بصفة مستمرة في الخمس سنوات الأخيرة نسب نمو أعلى من تونس ومن عديد البلدان “غير الفاسدة” مثل فنلندا أو ألمانيا31. يمكن أن نشير أيضا لكون المنظرين الليبيراليين كانوا يعتبرون إلى حدود ستينات القرن الماضي الفساد كمحرك للنمو.

خاتمة

مكافحة الفساد ليست ردة فعل على الأجندة النيوليبيرالية: هي الأجندة النيوليبيرالية بعينها”32. “[…] تمثل أنظمة النزاهة الوطنية [من بين مقترحات منظمة الشفافية الدولية] والحوكمة الرشيدة نسخة مُحَيَّنة لأنظمة معاهدات الإستسلام القديمة التي أجبرت دولا مستقلة على الإقرار بتشريعات الدول الغربية على أراضيها، خاصة في علاقة بالقوانين التجارية”33. “يجب فهم المساعي المستجدة لمكافحة الفساد من قبل المجتمع الدولي على أنها معادِلة للمساعي الدولية التي عبّدت باسم الأمن وحقوق الإنسان الطريق أمام التمدّد الإمبريالي. […] مجموعة من الأحكام والأفكار المقياسية تحاول تقديم أجندة سياسية معيّنة لمصالح دولية قوية على أنها منفعة كونية، شيء يتم القيام به لصالح المضطهدين والضعفاء. هذا هو باختصار الدور السياسي الذي تلعبه مكافحة الفساد”.

كما يندرج الخطاب حول الفساد والحوكمة (كبديل تكنوقراطي للسياسة بتجلياتها من حماس ومغامرة جماعية وصنع للتاريخ…) في سياق إيديولوجي عام من “نهاية التاريخ” و “ليس هنالك بديل” 34 35. لكن الصراع الإجتماعي يعود بقوة من فرنسا إلى أمريكا الجنوبية وصولا إلى العالم العربي وعجز أنصاف الحلول النيوليبيرالية التكنوقراطية أمام الأزمات الهيكلية للرأسمالية يتضح شيئا فشيئا. في هذا الصدد، ولبنان أفضل مثال، يشكل خطاب مكافحة الفساد حاجزا هاما أمام الترجمة السياسية لهذه الحركات الإجتماعية. اذ نرى أنّ الهيمنة الإيديولوجية للرأسمالية وتزييف الوعي وصلا إلى مرحلة تنتفض فيها الجماهير ضد سياسات النيوليبيرالية رافعة شعاراتها. من هذا المنطلق تصبح المعركة الثقافية المفتوحة ضد هذا الخطاب إحدى أولويات الإشتراكيين.

اهتمّ هذا المقال بدراسة مكافحة الفساد كظاهرة سياسية، وتحديدًا بعملية إسقاطها الإيديولوجي. لكن هذا الإسقاط لم يكن ممكنا دون وجود أرضية إجتماعية سانحة. خطاب الفساد متواجد بقوة وبصفة تلقائية في عديد المجتمعات وهو موضوع أنثروبولوجي مثير للفضول إذ يؤدي وظائف عديدة ومختلفة. يستعمل هذا الخطاب في رومانيا للسخرية من الذات حيث يُعتبر الفساد جزءا من الهوية الرومانية بطريقة مشابهة لتونس، وهو شيء مثير للفضول إذا علمنا أن رومانيا كانت مثل تونس مستعمرة عثمانية وأنّ الرومانيّين يربطون الفساد بالإستعمار التركي (ما يمكن ربطه برمزية مصطفى خزندار وفكرة سرقة المال العام في خطاب الفساد التونسي) وبكونهم أنفسهم شرقيّين إلى حد ما36.

كما يُستعمل في بوليفيا للضغط الإستباقي على المسؤولين المحليين ، حيث يؤدّي غياب المشاريع الملموسة إلى إشاعات واتهامات بالفساد، ويتبين أن هذا التكتيك التلقائي أقل فاعلية على المستوى الوطني37. يمكن أيضا تشبيه الفساد بالسحر38 (وهو موضوع تاريخي في الأنثروبولوجيا)، اذ يفسّر ما لا يقدر الإنسان على فهمه والتحكم فيه مثل خفايا الإقتصاد والسياسة.اذ تؤكد هذه المعاينات ما أشرنا إليه سابقا، وهو أنّ الفساد أكثر من كونه ممارسة فعلية هو أساسا وقبل كل شيء خطاب39. تمرّ إذًا المعركة الثقافية السياسية ضد “مكافحة الفساد”، بصفتها نقطة تقاطع بين الأخلاقوية والنيوليبيرالية والإستعمارية-الجديدة، عبر فهم الجانب الإجتماعي التلقائي لخطاب الفساد.


1. نستعمل هذه العبارة طيلة هذا المقال للحديث عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أساسا

2. Corruption: Anthropological Perspectives, Edited by Dieter Haller & Cris Shore

3. Ed Brown & Jonathan Cloke, « Neoliberal reform, governance corruption in the South: assessing the international anti-corruption crusade »

4. يتعلق الفساد البيروقراطي بتنفيذ وتطبيق السياسات والقوانين وعادة ما يكون المواطنون على معرفة به. على العكس من ذلك، يتمثل الفساد السياسي في التدخّلات الخاصّة في عمليّة اتخاذ القرار السياسي والتي تحدث في كنف السرية ولا علم للمواطنين بها. لأكثر تفاصيل حول هذين المفهومين أنظر: بيتر براتسيس - الفساد السياسي في عصر الرأسماليّة عبرـ القُطريّة: نظرة ماركسيّة

5. لأكثر تفاصيل حول الجناحين "الشعبوي" والتكنوقراطي لمكافحة الفساد أنظر: بنيامين فوجل - ضدّ “مكافحة الفساد"

6. حول هذا الكائن الخطابي الهلامي القادم لنا من عالم رأس المال وإدارة الشركات الكبرى وعبر المؤسسات المالية الدولية أنظر مثلا:

Wafa Zaâfrane Andolsi, « Le politique à l’épreuve de la gouvernance », in Revue Tunisienne de Science Politique, Vol 1, Semestre 1, 2019

7. أقل ما يمكن أن ننتظره من "كفاءة وطنية" مثل شوقي طبيب هو أن يذكر مصادر مثل هذا التشخيص الدقيق (والعلمي جدّا!). لكن يمكن أن نتفهم أيضا أنه يفضل التكتم عن كون أساس عمله هو تقارير المؤسسات المالية الدولية

8. طبعا يوسف الشاهد ليس رائدا في هذه الممارسة إذ استعملها مثلا بوتين في روسيا للإطاحة بمعارضيه والبرجوازية البرازيلية واليمين المتطرف للإنقلاب على حزب العمال.

9. "Rent-seeking" بالإنجليزية أو " recherche de rente" بالفرنسية. يمكن فهم الريع بمعناه النيوليبيرالي الحديث ككل ربح، يحققه فاعل اقتصادي (بما في ذلك الدولة، طبعا!)، متأتي من غياب المنافسة لأسباب قانونية-مؤسساتية. ومنه فالسعي وراء ريع هو محاولة الفاعلين الإقتصاديين التأثير على الدولة لتغيير هذا الإطار القانوني-المؤسساتي لصالحهم. نفس المصطلح يستعمل أيضا لتوصيف سلوك مشابه من قبل موظفي الدولة في إطار نظرية الخيار العام. يهمنا في هذا المقال المفهوم بمعناه الأول.

10. أكثر تفاصيل حول هذا التكتيك والطريقة التي تم بها استعماله في تركيا في الدراسة التالي:

Pinar Bedi̇rhanoğlu, « The Neoliberal Discourse on Corruption as a Means of Consent Building : Reflections from Post-Crisis Turkey », Third World Quarterly, Vol. 28, N° 7, 2007

11. ربما يكون من المفيد القيام بدراسة ميدانية حول أنا يقظ فيما يتعلق بطريقة اشتغالها ومدى "شفافيتها" وكيفية تعريفها للفساد وتعاملها معه. لدراسة أنثروبولوجية ميدانية حول "عالم" مكافحة الفساد وطريقة اشتغال جمعيات مشابهة من الداخل أنظر:

Steven Sampson, « Integrity Warriors : Global Morality and the Anti-corruption Movement in the Balkans », in Corruption: Anthropological Perspectives, Edited by Dieter Haller & Cris Shore

12. « Qui enquête sur les enquêteurs ? »

13. لتحليل مفصل حول الدور الذي تلعبه منظمة الشفافية الدولية في علاقة بالنيوليبيرالية أنظر:

Barry Hindess, « Investigating International Anti-corruption », Third World Quarterly, Vol. 26, N° 8, 2005

14. من محسوبية. "Crony-capitalism" بالإنجليزية أو "Capitalisme de copinage" بالفرنسية.

15. يقارن أنيس المراكشي أرباح ("ضخمة" حسب كلامه) بنوك تونسية بأرباح بنوك فرنسية سنة 2017 دون أخذ القيم المديرة (ذهبت من 4.25% إلى 5% في تونس بينما تدور حول الصفر بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي) والتضخم (تجاوز 6% في تونس ولم يتجاوز 1% في فرنسا) بعين الإعتبار ويدّعي أن هذه الأرباح دليل على غياب المنافسة وبذلك عن وجود ريع. في الحقيقة يرتقي هذا التسلسل الفكري والإستنتاج إلى المغالطة الإيديولوجية.

16. مجددا، إستعملت سامية عبو حرفيا هذه العبارة في المجلس وهو ليس بالشيء الغريب حيث مرّ عزيز كريشان بالمؤتمر من أجل الجمهورية وكان حتى مستشارا للرئيس المنصف المرزوقي.

17. أنظر مثلا:

Alain Accardo, Le petit-bourgeois gentilhomme

18. إن كانت أبرز شخصية في الحزب على هذا المستوى من الكفاءة والإطّلاع والتمكن من المواضيع التي تتحدث عنها يمكن ربما أن نتفهم وعد محمد عبو بتعيين كفاءات من خارج الحزب!

19. Alain Accardo, « Le double jeu des classes moyennes »

20. Aziz Krichen, La Promesse du Printemps
Aziz Krichen, 
L’Autre Chemin 

21. تقسم كياران هونديريتش استعملات مفهوم السعي وراء ريع إلى ثلاث أنوع. من بينها الإستعمال "غير الواعي". يمكن تصنيف كريشان والتيار الديمقراطي في هذه الخانة. لا يرفض أصحاب هذا الإستعمال مبدئيا التدخل السياسي في الإقتصاد لكنهم يجهلون الإطار النظري (النيوكلاسيكي) الذي نشأت فيه هذه النظرية والإيديولوجي-السياسي (النيوليبيرالي) الذي تخدمه والذي على أساسه يُعتبر "الريع" سيءا. من وجهة نظر تقدمية يتبين أنّ "الريع" له منافع، أنظر:

Kiaran Honderich, « Producers and Parasites : The Uses of Rent-Seeking », Review of Radical Political Economics Vol. 28, 1996

لنقد ماركسي عام لمفهوم السعي وراء ريع في أساسه الإقتصادي ووظائفه السياسية أنظر:

Amiya Kumar Bagchi, « ‘Rent-Seeking’, New Political Economy and Negation of Politics », Economic and Political Weekly, Vol. 28, N°34, Aug. 21, 1993

لنقد تقدمي لهذا المفهوم من وجهة نظر المدرسة المؤسسية أنظر أيضا:

Warren J. Samuels, « A Critique of Rent-Seeking Theory », in Essays on the Economic Role of Government. Volume 2 : Applications

طبعا الحديث عن المحسوبية كسوء خارجي يضرب الرأسمالية يجب تطهيرها منه، والترويج لمصطلحات مثل “رأسمالية محاسيب” هي حيلة إيديولوجية لتجنب توجيه أصابع الإتهام إلى أصل المشكل وهو الرأسمالية لا أكثر ولا أقل. أنظر مثلا:

Jack Farmer, « The myth of crony capitalism »

22. لتحليل مفصل حول العلاقة بين الشفافية ودولة القانون وعولمة رأس المال أنظر:
بيتر براتسيس - الفساد السياسي في عصر الرأسماليّة عبرـ القُطريّة: نظرة ماركسيّة

23. من بين المؤشرات التي تعتمد عليها منظمة الشفافية العالمية لبناء مؤشرها نجد مؤشرات سلطة القانون والعتامة التي سبق ذكرها ومؤشرات البنك الدولي وغيرها من المؤشرات المحايدة (أنظر موقع المنظمة). "تُعِد [منظمة الشفافية الدولية] مؤشرا لمدركات الفساد مستندة لدراسات تقوم بها هياكل خاصة أو منظمات غير حكومية أخرى: وحدة  الاستخبارات الإقتصادية التابعة للمجلة الأسبوعية الليبيرالية البريطانية ‘ذي إيكونوميست‘، ‘فريدم هاوس‘ [...]، المنتدى الإقتصادي العالمي [...] وأيضا شركات كبرى."
« Qui enquête sur les enquêteurs ? »

24. بسبب قصف إعلامي مماثل حول "الإسلام" يعتقد الفرنسيون أن نسبة المسلمين في فرنسا تتجاوز 30% في حين لا تتجاوز في الحقيقة 10%. هذه القطيعة بين الواقع وإدراكه هي أساس مجتمع الإستعراض.

25. كانت الطبقة الحاكمة بعد الإستقلال وعلى رأسها الحبيب بورقيبة أفضل من صان وجذّر بكل تلقائية الهيمنة الإيديولوجية-البسيكولوجية الإستعمارية في نفوس التونسيين بجميع فئاتهم حتى صارت إحدى أعمق مستبطناتهم وملامح لاوعيهم. وتم ذلك أساسا بتمرير عقدة الدونية التي تعاني منها هذه البرجوازية-الصغيرة التونسية في خطابها الذي استفرد بالمشهد السياسي لعشرات السنين. يكتب عزيز كريشان: "تمكنت هذه الفئة المثقفة من الفوز في الصراع ضد الهيمنة الفرنسية على المستوى السياسي، لكن تبين في أرض الواقع أنها أفضل ضامن لاستمرارية الهيمنة الفرنسية على المستويين اللغوي والثقافي. كانت النخبة المتحدثة بلغتين تقدَّم، وكانت هي أيضا ترى نفسها، كعملية زراعة ناجحة، كتأليف متناغم بين عوامل حضارية متناقضة؛ في الواقع كانت في باطن ذاتها خاضعة للقيم الغربية: كانت تستبطن دونية ذاتها وعلوَّ الآخر. نلامس هنا بالتأكيد أكثر نتيجة خارقة للهيمنة الإستعمارية في تونس. هيمنة، فضلا عن تحققها في المحيط المادي، تجتاح وتُطوِع حتى عقول البشر الذين ينتفضون ضدها [...]"

26. Barry K. Gills, « The Crisis of Postwar East Asian Capitalism: American Power, Democracy and the Vicissitudes of Globalization », Review of International Studies, Vol. 26, No. 3 (Jul., 2000)

27. Steven Panageotou, « Disciplining Greece: Crisis Management and Its Discontents », Review of Radical Political Economics 49, 2017

28. نعرف أنّ هذا غير صحيح على الأقل بالنسبة للولايات المتحدة.

29. لدراسة حول مفهوم الفساد الحديث وعلاقته بصعود الدولة البرجوازية أنظر:

Peter Bratsis, Corrupt Compared to What? Greece, Capitalist Interests, and the Specular Purity of the State

30. على سبيل المثال، اللوبيات قانونية في الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي. في هذا الإطار تصل ممارسات الشركات الكبرى إلى مد نواب بنصوص قانونية جاهزة تخدم مصالحها لاقترحها ومناقشتها والدفاع عنها في البرلمان الأوروبي. في الولايات المتحدة لا شيء يمنع سياسيين من اقتراح قوانين في صالح ممولي حملاتهم أو حتى في مصلحتهم الخاصة مباشرة. فهل إذا قمنا بتقنين وتنظيم نشاط اللوبيات في تونس نكون أنهينا الفساد السياسي؟ لمزيد التفاصيل وعلى سبيل الذكر لا الحصر أنظر:

The Brussels Business – Who Runs the EU?
« Quelqu’un de vraiment très vilain »
« Culture and Corruption in the EU: Reflections on Fraud, Nepotism and Cronyism in the European Commission » & « Corruption in Corporate America: Enron – Before and After », in Corruption: Anthropological Perspectives, Edited by Dieter Haller & Cris Shore

31. لنقد مفصل للعلاقة المزعومة بين الفساد ونسبة النمو الإقتصادي أنظر:
بيتر براتسيس - الفساد السياسي تحت الرأسماليّة عبرـ القُطريّة: نظرة ماركسيّة (ج 2)

32. بيتر براتسيس - الفساد السياسي تحت الرأسماليّة عبرـ القُطريّة: نظرة ماركسيّة (ج 2)

33. Barry Hindess, « Investigating International Anti-corruption », Third World Quarterly, Vol. 26, N° 8, 2005

 34. لمزيد التفاصيل حول هذا السياق التاريخي-الإيديولوجي أنظر:

Benoît Bréville & Renaud Lambert, « Sermonner le monde ou le changer »

35. Cris Shore & Dieter Haller, « Introduction – Sharp Practice : Anthropology and the Study of Corruption », in Corruption: Anthropological Perspectives, Edited by Dieter Haller & Cris Shore

36. Filippo M. Zerilli, « Corruption, Property Restitution and Romanianness » Filippo M. Zerilli, in Corruption: Anthropological Perspectives, Edited by Dieter Haller & Cris Shore

37. Sian Lazar, « Citizens Despite the State: Everyday Corruption and Local Politics in El Alto », ibid.

38. Corruption: Anthropological Perspectives, Edited by Dieter Haller & Cris Shore

39 أنظر أيضا:

Akhil Gupta, « Narrating the State of Corruption », ibid.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !