فيديو | بوعرادة : أهالي “هنشير الرومان” يعتصمون احتجاجًا على عودة متنفّذ سابق إلى أرضٍ دوْليّة

نضالات اجتماعية – نضالات فلاحية – مزارعون بلا أرض – سليانة

انجاز وجدي المسلّمي، بالتعاون مع غسّان بن خليفة

تعتصم مجموعة من مواطني هنشير الرومان بمعتمدية بوعرادة من ولاية سليانة منذ الثلاثاء الفارط إحتجاجا على قرار تحويز أحد المتنفذين، من المستفيدين من نظام بن علي، لمقسم من الأراضي الدولية تبلغ مساحته 127 هكتارا. وذلك في الوقت الذي يعيش فيه أغلب الأهالي الخصاصة والبطالة ولا يملكون أرضا يفلحونها ويعتاشون منها.

(بيان لأهالي المنطقة)

إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق
اعتبر حبيب الرياحي عضو الإتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري ببوعرادة، في تصريح لموقع انحياز، أنّ هذا القرار غير قانوني وجائر في حق أهالي المنطقة. اذ يشرح أنّ المنجي المحواشي، العضو السابق بمجلس المستشارين عن اتحاد الفلاحة والصيد البحري، قد حصل في عهد بن علي مقسم فلاحي تبلغ مساحته 107 هكتار على وجه التمليك. بيْد أنّه تذرّع لاحقًا بكون الأرض غير صالحة للزراعة، فصدر قرار سنة 2003 بتصنيف الأرض “كعديمة الجدوى” وتحويل صيغتها القانونية من الإسناد إلى الكراء. إلا أنّ ذلك لم يمنعه من مواصلة تحوّز الأرض مستغلا نفوذه بصفته كاتب عام لجنة التنسيق حزب التجمّع المنحلّ بسليانة، اضافة لكونه عضوًا بمجلس المستشارين إلى حدود إندلاع ثورة 17 ديسمبر.

اثر ذلك، وبعد احتجاجات من المواطنين، قرّرت الدولة إسترجاع ما يقارب 679 هكتار من الأراضي الدولية بالمنطقة من التي تمّ توزيعها بشكل مشبوه، وكان من بينها المقسم الذي أسند للمحواشي. وقد صدر حكم قضائي استئنافي بانتزاعها سنة 2013، اثر حكم ابتدائي بعدم سماع الدعوى في 2012. وأفاد الرياحي أنهم إستبشروا آنذاك بهذا الإجراء وطالبوا الدولة بتوزيع الأراضي المُسترجَعَة على الأهالي والفلاحين الشبان والمعطّلين عن العمل، إلّا أنّ المسؤولين تنكّروا لوعدهم بإعادة هيكلة الأراضي وتوزيعها على مستحقّيها.

(قائمة الأراضي التي في تصرف الفنيين بدون موجب قانوني إلى تاريخ 2004)

وأضاف أنهم فوجئوا في سنة 2018 بصدور قرار يمكّن المحواشي من الاستحواذ على الأرض مجدّدا، “وهو ما يتعارض مع القانون الذي لا يسمح بإسناد مقسميْن مختلفيْن من الأراضي الدوْلية لنفس الشخص،، وكذلك لتجاوزه سنّ الـ 45 وامتلاكه مورد رزق آخر”. اذ أوضح الرياحي أنّ المحواشي، الذي وصفه بـ”الاقطاعي”، يتحوز على عدد من العقارات ويدير بعض المشاريع التجارية، وهو ما يُعتبر خرقًا للقانون، وفق تعبيره، واصفا هذا الإجراء بالظالم.

كما أفاد حامد النوري، أحد المعتصمين، أنّه سبق لهم الاعتصام السنة الماضية إحتجاجا على صدور ذلك القرار. الاّ أنّه وقع رفعه بعد عشرين يوما إثر تلقيهم وعودًا من قبل السلطة المحلية بانصافهم، لكنّها بقيت “حبرًا على ورق”، حسب قوله.

وأضاف أحد المعتصمين أنّ متساكني العِمادة المُقَدَّر عددهم بـ 60 عائلة يملكون مجموع 40 هكتارا فقط من مجموع 679 هك من الأراضي الدولية. وهو يحوزونها عمومًا دون تسجيل عقّاري، ويعانون من الخصاصة والفقر المدقع الذي “يدفع شباب المنطقة إلى الهروب نحو العاصمة بحثا عن مورد للرزق”، حيث يعيش أغلبهم ظروفا يصفها بالكارثية. وهو ما يدفعهم للإحتجاج من أجل حقهم وحقّ أبنائهم في فلح الأرض والعيش منها والبقاء بها.

إلى جانب السطو.. التهديد…

هذا وصرّح عامليْ حراسة تابعيْن لديوان الأراضي الدولية أنّه سبق للمحواشي تهديدهم أكثر من مرّة اذا لم يخرجوا من الأرض التي يزعم أحقّيته بها. وأوضحا كذلك أنّهما يعيشان من منحة لا تتجاوز 180 دينارا شهريا، ويعيشون الفقر المدقع.

من جهته، ذكر أحد المعتصمين أنّ المحواشي لم يتردّد في تهديدهم بإستخدام القوى الأمنية لمنعهم من عبور قطعة الأرض الملاصقة لقريتهم ( أو “الدُوّار”، كما يطلقون عليها).

قضايا واتّهامات متعدّدة…

وحسب بعض المصادر الإعلامية، سبق لوزارة أملاك الدولة أن رفعت قضية ضدّ المنجي المحواشي سنة 2013 بسبب حصوله على مقسم فني مساحته 106 هكتار منطقة عين قسيل، على وجه الإسناد في أوت 1987. وذلك بالإضافة إلى إستحواذه على مقسم آخر يمسح 120 هكتار، قام بإستغلاله منذ 2004 بطريقة غير قانونية لعودته في الأصل إلى مهندس آخر، اسمه عبد المجيد المديوني، قَبِل بأن يُعوّض عنه بمقسم آخر. يُضاف إلى ما سبق، إتهامات وجهت له من قبل بعض المواطنين حول تورطه المُحتَمَل في بيع مخازن حبوب مقامة على الأراضي الدولية وأُسندت له دون الحصول على التراخيص القانونية.

وقد حاولنا الاتصال هاتفيا بالادارة الفرعية لأملاك الدولة بسليانة أكثر من مرّة، لأخذ معلومات أكثر عن الموضوع ولم يتمّ الردّ على اتصالاتنا. كما لم نُفلح في العثور على سبيل للتواصل مع السيّد المنجي المحواشي للحصول على تعليقه على ما ورد في هذا المقال.

جذور مشكلة الأراضي الدولية ببوعرادة

اعتبر نبيل العرفاوي، وهو فلاح بلا أرض من مدينة بوعرادة، أنّ المشكلة الرئيسية للأراضي الدولية تعود إلى مايسمّى بـ”إعادة الهيكلة”. اذ أنّ أغلب هذه الأراضي كانت مُدرَجَة ضمن نظام التعاضد، وقد فاقم صدور قانون جديد في 1995 من أزمتها. اذ عوض اصلاحه أوضاع التعاضديات، سمح بحلّها وتقسيم أراضيها، وهو ماضاعف من تفقير فلاحي المنطقة وسكّانها عمومًا. اذ لم تنتفع بسياسة الخصخصة تلك سوى بعض كبار الفلاحين أو المستثمرين (والكثير منهم من خارج المنطقة)، بينما مُنح المتعاضدون السابقون مساحات صغيرة تقدر في حدود 10 هكتارات (وهي مساحة غير كافية بالنسبة للزراعات الكبرى)، وقد قد تكون في بعض الأحيان غير صالحة لزراعة.

أرقام من تقرير دائرة المحاسبات حول الإسناد والتصرف في الأراضي الدولية

تضمّن تقرير دائرة المحاسبات  الصادر سنة 2017 حول عملية إعادة الهيكلة من سنة 1990 إلى حدود سنة 2017 أنّه تم إسناد 18.026 هكتارا، منها 12387 خلافا للصيغ والإجراءات القانونية المعمول بها في الغرض، خلال الفترة الممتدة بين 2007- 2016. أما بخصوص المقاسم التي أسندت لفنيين الفلاحيين، فقد أشار التقرير إلى أن بعض القائمات تم توجيهها إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة عليها والبتّ فيها خلافا للاجراءات القانونية. وقد تأخّر النظر في القائمة الأخيرة (عدد 17) حوالي 5 سنوات، اثر اندلاع الثورة، ممّا أدّى إلى حدوث عمليات تحوّز واستغلال غير قانوني للـراضي.

إلى ذلك، يذكر التقرير أنّ 53% من الشركات الناشطة تحت عنوان “شركات الإحياء والتنمية الفلاحية” لم تحترم اتزاماتها التعاقدية، بما في ذلك خلاص معاليم الكراء, اذ قُدَّرَت الديون غير المستخلصة بأكثر من 195مليون دينار، وهو مايمثل 62% من القيمة الإجمالية للتسويغ. وأشار التقرير كذلك إلى دم إنجاز البرامج الإستثمارية بنسبة 70% خلال الفترة 2012- سبتمبر 2017.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !