مؤتمر بحثي “متوسّطي” في تونس يكشف عن مسار تطبيعي، باشراف عسكري أمريكي، وبتورّط “نهضاوي”.

خاصّ – قضايا وطنية – مناهضة التطبيع – التحرير

ندّدت الحملة التونسية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية في بيانات لها في الأيّام الأخيرة بما اكتشفته من مسارٍ تطبيعي مُمَنهَج، يتمّ تحت عنوان “بحثي متوسّطي”، باشراف أوروبي وأمريكي عسكري، وبمشاركة نشطة من حركة النهضة.

ويأتي هذا الاستنتاج اثر تعميم الحملة التونسية للمقاطعة ومناهضة التطبيع لما كشف عنه الأستاذ عمر الماجري، أمين عامّ الجبهة الشعبية الوحدوية، الأسبوع الماضي على صفحته الشخصية بفيسبوك من تنظيم ندوة بحضور مشاركيْن من الكيان الصهيوني من 15 إلى 16 أكتوبر الجاري بإحدى نزل ضاحية ڨمّرت. وهما غاليا غولان ـــ جيلد، (Galia Golan-Gild) الأستاذة بمركز هيرتزليا (Herzliya) متعدّد الاختصاصات و بالجامعة العبرية في القدس المحتلّة وروبي ناثانسن (أنظر التعريف بالفقرات الموالية).

وقد أشرف على تنظيم هذه الندوة المُعنوَنة “التّهديدات غير التّقليديّة والأمن في البحر الأبيض المتوسّط” كلٌ من  المعهد الأوروبي للبحر الأبيض المتوسّط (IEMed) ومركز الدّراسات الإستراتيجية للشّرق الأوسط وجنوب آسيا (NESA).

(صورة من صفحة الحملة التونسية للمقاطعة ومناهضة التطبيع تحمل أسماء المشاركين في ندوة أكتوبر 2019 من بينها “إسرائيلين”)

كما أشارت احدى الوثائق التي كُشف عنها أنّ هذا المؤتمر مموّل جزئيًا من القيادة العسكرية الأمريكية بافريقيا، المعروفة اختصارًا بـ “أفريكوم”.

توضيح “الياسمين” الذي لم يوضّح شيئا…

واثر هذا التعميم، بادرت صفحة “مؤسّسة الياسمين” إلى نفي عمليّة التطبيع على صفحة الحملة التونسية للمقاطعة ومناهضة التطبيع. اذ أكّد المشرف/ـة الذي كُلّف بالردّ أنّ السيّدة تسنيم الشيرشي، رئيسة المؤسّسة وابنة راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، قد “تفاجأت بهوية الحضور” القادمين من “إسرائيل”. الاّ أنّه لم تتمّ الإجابة على سؤال صفحة الحملة التونسية للمقاطعة ومناهضة التطبيع حول ردّ فعل السيّدة الشيرشي اثر اكتشافها تواجدها مع مشاركين من الكيان الصهيوني.

(صورة من صفحة الحملة التونسية للمقاطعة ومناهضة التطبيع لنفي مؤسسة الياسمين)

وهو نفس الموقف الذي عبّرت عنه المؤسّسة في بلاغها الذي نشرته لاحقا على موقعها. ورغم أنّ المؤسسة وصفت بلاغها بكونه “توضيحي للرأي العامّ” الاّ أنّها لم تجب فيه عن أسئلة حملة المقاطعة، ولم توضّح للرأي العامّ ماذا كان موقف رئيستها عند “اكتشافها” لوجود مشاركين صهاينة: هل انسحبت؟ هل احتجّت؟ كما لم يحمل البيان أيّ موقف واضح من التطبيع مع الكيان الصهيوني. وهو أمر لا يبدو “مفاجئًا”…

سوابق تطبيعية لـ”الياسمين” وحركة النهضة

اذ يتبيّن من البحث الذي أجرته “حملة المقاطعة الأكاديمية” أنّه على عكس مزاعم مؤسسة “الياسمين”، فانّ الأخيرة متعوّدة على هذا النوع من التظاهرات التطبيعية تحت اشراف أمريكي عسكري وأوروبي. اذ سبق لها أن شاركت في ندوة نظمها قبل سنة، المعهد الأوروبي للبحر الأبيض المتوسّط (IEMed) ومركز الدّراسات الإستراتيجية للشّرق الأوسط وجنوب آسيا (NESA) بتونس من 14 إلى 16 أكتوبر 2018، كان موضوعها “النّهوض بالتّنمية الاجتماعية والإقتصادية في منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا”. وكان من أبرز المتدخّلين في هذه الندوة مجدّدا المدعو روبي ناثانسن (المشارك في ندوة السنة الحالية)، أحد كبار المسئولين في “هستدروت” – النّقابة الرّئيسيّة للعمّال “الإسرائيليين”، ومدير مركز “ماكرو فور بوليتيكل إيكونوميكس” للإقتصاد السّياسي الكائن بتلّ أبيب، وأشرف سنة 1995 على إدارة التّخطيط الاقتصادي والاجتماعي، التابع لمكتب رئيس حكومة العدوّ. وكان ناثانسن (بالدائرة الحمراء في الصورة أسفله) من ضمن المتدخّلين خلال الجلسة الرّابعة من ندوة 2019 التي خُصِّصت لنقاش “الوضع الجيوسياسي للغاز الطّبيعي في الحوض الشّرقي للمتوسّط”.

روبي ناثانسن، الخبير الصهيوني، زار تونس أكثر من مرّة

وقد حضرت حينذاك سلوى السهيلي، ممثّلة عن مؤسّسة الياسمين (مشار اليها بالصورة أسفله بالدائرة الخضراء). كما يلاحظ أيضا مشاركة أسامة الصغيّر، النائب عن حركة النهضة (حسب التقرير الذي نشره المعهد الأوروبي للمتوسط على موقعه). وليس خفّيا درجة ارتباط مؤسّسة الياسيمن بحركة النهضة، ممّا يوحي بوجود قرار سياسي استراتيجي من قيادة حركة النهضة بالمضيّ قُدُمًا في التطبيع مع الكيان الصهيوني، عبر بوّابة الملتقيات البحثية والأكاديمية، بما يناقض كلّ مزاعم الحركة عن “تشبّثها بثوابت القضية الفلسطينية” و”دعمها للمقاومة الفلسطنية” والخ.

(صورة من صفحة الفايسبوك لمركز الدّراسات الإستراتيجية للشّرق الأوسط وجنوب آسيا (NESA)
بالاحمر: روبي ناثانسون (مسؤول، النقابة الرئيسية للعاملين “الإسرائيليين” )
بالاخضر بالصفّ الأوّل: سلوى السهيلي عن (مؤسسة الياسمين) القريبة من حركة النهضة.

كما يلاحظ في نفس الصورة أعلاه وجود الصحفي كمال بن يونس. وهو اعلامي ذي سوابق تطبيعية منذ عهد بن علي، ومعروف بقربه من النظام السابق وبانتمائه الأسبق لحركة “الاتجاه الاسلامي”.

مؤسّسة “بحثيّة” لصالح من؟

وأشار البحث الذي أجرته حملة المقاطعة الأكاديمية كذلك إلى أنّ “الياسمين” تبنت السنة الماضية مشروعا بحثيا حول “سبل تفعيل مقاربات الأمن الإنساني في تونس”، بالإضافة إلى تنفيذ القسم البحثي بالمؤسسة (“تدبير”) مشروعا عنوانه ” نحو سبل أكثر فاعلية لمقاربة الأمن في تونس” بالشراكة مع “مركز الدراسات الإستراتيجية للشرق الأوسط وجنوب أسيا” التابع لوزارة الدفاع الأمريكية والذي يديره الجنرال المتقاعد” تيري أ. وولف” الذي سبق له أن عمل بالعراق ثلاث مرات. وهو ما يؤكّد متانة الروابط بين حركة النهضة والمؤسّسات العسكرية الأمريكية.

كما أعلنت “الياسمين” سنة 2018 على موقعها الرسمي عن نيّتها انتداب عدد من الباحثين المتفرّغين المختصّين في العلوم الاجتماعيّة والسّياسات العموميّة وفي القضايا المتعلّقة بالأمن الإنساني” في إطار شراكتها مع مركز الدراسات الإستراتيجية الأمريكي في مشروع “إشكالية النزاع والأمن الإنساني”. واستنتجت الحملة في أحد بياناتها أنّ مركز الدّراسات الإستراتيجيّة للشّرق الأوسط وجنوب آسيا، التّابع لوزارة الدّفاع الأمريكيّة، قد اختار مؤسّسة الياسمين شريكًا للقيام بتحقيقاته الميدانيّة. وأكّد عرض الانتداب على أن يكون المترشّحون من دوي “الخبرة في تصوّر البرامج والإدارة وتحليل نشاطات جمع المعطيات الكميّة والكيفيّة، بما في ذلك مجموعات التّركيز (Focus groupe) والمقابلات والمتابعة المباشرة، والمقابلات المُعمّقة والمقابلات ضمن المجموعات وسبر الآراء والمقاربات المختلطة“. وهو ما يوحي بكون المؤسّسة تعمل كمناول بحثي محلّي لدى مراكز بحث تابعة للجيش الأمريكي.

ويُذكَر أنّ هذه المؤسّسة تشرف على مشاريع بحثية و”تعزيز مهارات وقدرات” لدى الشباب التونسي بعدّة ولايات داخلية كالقصرين وسيدي بوزيد، وكذلك ببعض أهمّ الأحياء الشعبية للعاصمة كحيّ التضامن ودُوّار هيشر. وهو ما يثير تساؤلات مشروعة عن الدور الحقيقي الذي تلعبه هذه المؤسّسة، ومن ورائها وزارة الدفاع الأمريكية وحركة النهضة، في هذه المناطق وبالبلاد عمومًا…

البعد المتوسّطي كمدخل للتطبيع

وإلى جانب الدور الأمريكي العسكري النشط في هذه الممارسات التطبيعية (والاستخباريّة؟) نجد مشاركة أوروبية نشطة. فالمركز الأوروبي للبحر الأبيض المتوسّط الشّريك في تنظيم النّدوة، يمتثل، كما ورد في بيان الحملة إلى “مبادئ” عمليّة برشلونة للشّراكة الأورومتوسّطيّة. وهي تتطابق تماما مع تعريف التطبيع الذي تتبنّاه الحملة الفلسطينية للمقاطعة الثقافية والأكاديمية.

والجدير بالذّكر أنّ مجلس التّوجيه في هذه المؤسّسة يضمّ من بين أعضائه شلومو بن عامي الوزير الإسرائيلي السّابق للشّؤون الخارجيّة والوزير السّابق للأمن العمومي، إلى جانب ممثّلين عن البلدان العربيّة من المنطقة المتوسّطيّة، ومن ضمنهم مندوبون عن تونس مثل جلّول عيّاد وزير الماليّة السّابق والرّئيس الشّرفي لـ “ميد كونفيديريشن” (Med Confederation)، والكاتبة هالة الباجي، والطّيب الزّهّار الرّئيس المدير العام والمالك لـِلمجلّة الأسبوعيّة “حقائق” (Réalités)، ورئيس الجامعة التّونسيّة لمديري الصّحف.

وهو ما يؤكّد أنّ مشاركة بعض “النُخب” التونسية في الممارسات التطبيعيّة أكثر انتشارًا ممّا قد يعتقده بعض التونسيّين. كما أنّ هذه الأحداث والممارسات الموثّقة تفتح الباب للتساؤل المشروع لما تنوي الدولة التونسية فعله تجاه هذا الملفّ؛ وتحديدًا رئيسها الجديد قيس سعيّد، الذي كرّر مرارا خلال حملته الانتخابية أنّه يعتبر أيّ تعامل مع العدوّ “خيانة عظمى”…

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !