رأي | المهرجان الصيفي بحيّ التضامن: نجاحات واخفاقات


مراسلة – خاصّ – انحياز – حيّ التضامن

حسّان الموسي

ناشط بالمجتمع المدني المحلّي بحيّ التضامن

انطلق الجمعة 02 أوت الجاري المهرجان الصيفي بالتضامن في دورته 33 بمسرح الهواء الطلق في المنتزه البلدي بالتضامن بعمادة 09 أفريل. ويعدُّ المهرجان الصيفي بالتضامن المهرجان الأكثر عراقة وتميزا في الحي الشعبي الأكبر في العاصمة.

التغييرات والكواليس…

شهدت هذه الدورة تغييرات عديدة، أوّلها الجهة المنظمة للمهرجان. فبعد احتكار دام ثلاث سنوات انفردت خلالها جمعية روافد الثقافية بتنظيم المهرجان، نالت هذه السنة جمعية أجيال الغد الثقافية شرف تنظيم المهرجان الأكثر صخبا وشعبية في حي التضامن.

أتى ذلك بعد لغط وجدل ومهاترات شملت العديد من الأطراف، في فترة زمنية شابتها اتهامات كبيرة بالفساد واستغلال النفوذ واستعمال وسائل غير قانونية لربح المهرجان: أبرزها عضوية المستشار البلدي، السيد نوفل الزياتي رئيس لجنة الثقافة والتربية والفنون، للهيئة المديرة لجمعية أجيال الغد الثقافية – عضو شرفي أو غير معلوم الصفة. اذ أكد العديد من الشخصيات البارزة من المجتمع المحلي بالتضامن، أنّ السيّد الزيّاتي لم يدّخر جهدًا في سبيل ظفر جمعية أجيال الغد الثقافية بتنظيم المهرجان. ناهيك عن تحوّل عديد الوجوه عن جمعية روافد الثقافية إلى جمعية أجيال الغد الثقافية في لقطة شبيهة بـ”المركاتو” الكروي الصيفي من أجل سحب البساط من تحت جمعية روافد الثقافية وانهاء هيمنتها.

ولعلّ أبرز هذه الشخصيات السيد جلال الربعي الكاتب العام لجمعية روافد الثقافية الذي شغل في نفس الفترة خطة كاتب عام لجمعية أجيال الغد الثقافية ليقوم بعدها بإعلان انسحاب جمعية روافد الثقافية من سباق تنظيم المهرجان الصيفي بالتضامن، مانحا بذلك امتياز تنظيم المهرجان لجمعية أجيال الغد الثقافية على طبق من ذهب خصوصا في ظل الحظوة التي تتمتع بها الجمعية لدى السيد المستشار البلدي نوفل الزياتي ورئيس البلدية السيد رضا الشيحي. اذ أكد أكثر من طرف مطلّع عدم اجراء التصويت من طرف المجلس البلدي على ملفات الجمعيات المترشحة وتمّت المسارعة بالمصادقة على ملف جمعية أجيال الغد الثقافية قبل انتهاء المدة القانونية لإيداع الترشحات.

وأخيرا وليس آخرًا، زعم العديد من الجمعيات المنافسة وجود اخلالات أو نقائص في ملف الجمعية الناشئة حديثا – تبلغ من العمر 03 أشهر – وافتقارها للخبرة والأحقية لتنظيم المهرجان. ثاني التغييرات الكبرى هي الميزانية المرصودة للمهرجان التي ارتفعت من 10 آلاف دينار قبل ثلاث سنوات إلى 20 ألف دينار في السنة الفارطة، لتبلغ 25 ألف دينار لهذه السنة.

ثالث التغييرات تجلى في قيمة العروض. اذ شهد اليوم الافتتاحي دعوة الفنان ‘أكرم ماق’ الذي أدّى لأول مرة في حي التضامن في هذه الدورة. كذلك الحضور المميز للفنان عبد الوهاب الحناشي في سهرة اليوم الثاني، فيما ينتظر احياء الفنانة علياء بلعيد لسهرة اليوم الخامس من المهرجان وبرمجة عرض للسيرك الشهير “باباروني” في الأمسية الختامية، بالإضافة إلى تخصيص سهرة لمواهب أبناء حي التضامن وتكريم المتميزين من شباب الحي.

هذا وقد أشاد كل من الفنان ‘أكرم ماق’ والفنان عبد الوهاب الحناشي بالحضور الجماهيري المتميز -من حيث عدد الحضور والتفاعل الكبير – والتنظيم الجيد.

جمهور غفير نسبيًا واكب فعاليات المهرجان

بيد أنه من الملاحظ سوء استغلال الفضاء: فعلى الرغم من محاولة تطويق محيط مسرح الهواء الطلق وخلق ممرات للجماهير الزائرة بالاستعانة بالحواجز المعدنية فإن الفوضى كانت السمة الأبرز بين أروقة المنتزه وفي المدارج. ويبدو جليا للعيان تخبط الزوار في الفضاء الرحب للمنتزه البلدي. لتظل السياسة الناجعة للتحكم بالفضاء وتنظيم الوفود الزائرة مستمرة في الغياب. وما زاد في الطين بلّة اندلاع مناوشات وأعمال شغب من حين لآخر بين الشباب “المنتشين” بما تيسر من أنواع المخدرات التي يتم تداولها في أركان المنتزه، وهو ما يتسبب في تقطع السهرة وبث الهلع في صفوف الجماهير الحاضرة التي تسارع بالفرار في مشهد شبيه بالحرب الأهلية يصل إلى حد استعمال الأسلحة البيضاء – على غرار أحداث الليلة الثانية من المهرجان – مقابل غياب صادم للأمن. اذ لوحظ عدم تدخل الأمن رغم الوجود المكثف للعناصر الأمنية بالزي النظامي أو الزي المدني. ثم إن المنتزه يقع قبالة مركز أمن “فرقة الطريق العمومي بـ18 جانفي”.

هنا يجدر الإشادة بنقطة مضيئة : مجهودات لجنة التنظيم الشبابية: لجنة من شباب الحي الناشط في جمعية أجيال الغد الثقافية بمعدل أعمار لا يتجاوز العشرينات (20-30 سنة) في سعي مستمر لاحتواء الوضع وتهدئة الجماهير وتأمين الركح وخاصة ضيوف المهرجان من الفنانين. والجدير بالذكر أيضا مجهودات الشباب في أعمال الصيانة والتنظيف اليومية استعدادا للسهرة رغم مشقة المهمة نظرا لشساعة الفضاء وحرارة الطقس.

لجنة التنظيم الشبابية لعبت دورًا بارزًا

النجاحات والاخفاقات

من النقاط السلبية أيضا في هذه النسخة، وعلى غرار النسخ السابقة، هي تردّي الجانب الجمالي للمهرجان من حيث رداءة “الديكور” وانعدام الجمالية في تصميم المعلقات واللافتات وشعار المهرجان… وهو ما يعكس استمرار أزمة الهويّة البصريّة التي يفتقدها المهرجان ويطالب بها بشدة العديد من مكونات المجتمع المدني حتى يكون للمهرجان الأعرق في حي التضامن صورته الذاتية “Brand” والقدرة على الاشعاع والتميز جهويا على غرار مهرجانات عديدة من مختلف ولايات الجمهورية.

ولئن نجحت الجمعية الناشئة في تحصيل حضور جماهيري قياسي مقارنة بالنسخ السابقة بفضل جهود لجنة الإعلام والسياسة الاتصالية لهيئة المهرجان فإن هذا المجهود يظل قاصرا عن ملامسة تطلعات أهالي الحي الراغبين في التمتع بتغطية أفضل، من خلال صفحة خاصة بالمهرجان على الفايسبوك وسائر وسائل التواصل الاجتماعي أو موقع واب. كذلك من خلال جودة المادة الإعلامية: نتحدث عن جودة الصور والفيديوهات والبثّ الحيّ.. والمواكبة الشاملة لفعاليات المهرجان.

كما أستغلّ هذه النافذة للحديث عن صفحات الفايسبوك الخاصة ببعض النشطاء في المجتمع المدني الذين أعلنوا في بداية المهرجان عن “المقاطعة”، في حركة رمزية احتجاجا على منع أو تعطيل البعض منهم عن نقل كواليس المهرجان والاحتكاك بالضيوف من الفنانين. كما أعود على ذكر حادثة أثارت الجدل وأتت على ذكرها الكثير من التدوينات، تمثلت في فصل الجماهير الحاضرة عن أعضاء المجلس البلدي بالحواجز المعدنية وتمكين السابق ذكرهم من كراسي فخمة – على اعتبار مكانتهم الاعتبارية ومنزلتهم كضيوف شرف المهرجان – مباشرة أمام الجماهير والحواجز، مولّين الحضور الأدبار، في حركة تم اعتبارها استفزازية وتحط من قيمة المواطنين. الّا أنّ هيئة المهرجان سارعت إلى إزالة هذا الصف من الكراسي في سهرة الليلة الموالية رضوخا لضغط المعارضة الفايسبوكية الشديدة والموحدة، التي أعيب على بعضها توظيف الحادثة لأغراض سياسية. ذلك أن بعض هذه الصفحات تابعة لجهات سياسية محددة أو يديرها أفراد أعلنوا ترشحهم للانتخابات التشريعية المقبلة.

فصل المسؤولين عن المواطنين لم يرق للكثيرين

في خضم كل هذه النقائص والإخلالات تبقى النقطة السلبية الأبرز والسؤال الأحوج للإجابة هو التشبث بإقامة المهرجان على أرض المنتزه البلدي وهيمنة عمادة واحدة على استضافة المهرجان، وهو ما يعَدُّ مظلمة في حق آلاف المواطنين من سكان الحيّ و”غبن كبير لأجيال الحاضر وأجيال الغد..” – اقتباسا عن أحد النشطاء – ذلك أن لامركزية موقع المهرجان والبعد الجغرافي عن 07 من أصل 09 عمادات (نستثني عمادة 18 جانفي المجاورة لعمادة 09 أفريل محل المهرجان) يجعل مسألة تنقل المواطنين ليلاً لحضور سهرات المهرجان تحديا حقيقيا، لما ينطوي عليه الطريق من مخاطر البراكاجات والاعتداءات والتحرّش… ناهيك عن بعد المسافة لموقع المهرجان.

خاتمة

ختاما، لئن بدت هذه النسخة من المهرجان الصيفي بالتضامن أفضل من سابقاتها من نواح عدة، فإن العديد من الإخلالات والنقائص شابت هذه الدورة كما هو الحال مع الدورات السابقة. اذ تركزت جهود هيئة المهرجان على جانب التنظيم الذي لم يخلُ من الشوائب وعلى العروض الفنية التي لاقت استحسانا كبيرا. الّا أنّها فرّطت بالمقابل في جوانب عدة مهمة هي الجانب الأمني والتغطية الإعلامية وهُويّة المهرجان وكذلك تكافئ فرص جميع المواطنين في حضور فعاليات المهرجان. كما تبقى العديد من الممارسات من عديد الأطراف محلّ ريبة وتدعو إلى الكثير من المراجعات، فيما يبقى الأمل قائما مستقبلا في إمكانية حدوث طفرة في المهرجان الصيفي بالتضامن تستجيب لتطلعات ومطالب المواطنين وتنقله من الموجود إلى المنشود.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *