فيديو|النقابيّة سُنية الجبالي تعاني من مرض خطيرٍ، وتطالب: الدولة بشُغلٍ يضمنُ تكاليف علاجها و”الاتّحاد” بالمساندة!

نضالات عمّالية – ولاية بن عروس – غسّان بن خليفة



هل تتذكّرون صاحبة هذا الوجه الباسم وتلك العينين المتحدّيَتين؟


إنّها سنية الجبالي.


وإن نسيتم الإسم، فلا بدّ أن يعضكم مازال يتذكّر تلك المعركة النقابية الكبيرة سنة 2012 التي كان أبطالها، وخاصّة بطلاتها، عاملات مصنع شركة “لاتيلاك” (فرع الفرنسيّة “لاتيكويار” لتصنيع مكوّنات الطائرات)، تحديدًا ذيْنَك الوجهيْن النسائيَّين: النقابيّتيْن سنية الجبالي ومنية الدريدي؟ كانت معركة شرسة، امتدّت ساحتها من المنطقة الصناعيّة بالمغيرة إلى قلب العاصمة، وشهدت أشكالا احتجاجية متعدّدة من الاضراب عن العمل إلى التظاهر أمام سفارة فرنسا إلى اضراب الجوع… كما عرفت تضامنًا عمّاليًا نموذجيًا بين عمّال فرع الشركة في تونس وفرعها في فرنسا…

انتهت تلك المعركة الطويلة وقتئذ بـ”اتّفاق مشرّف”، ضَمِن أن تعود كلّ العاملات المشمولات بالطرد، وأن يأخذ جميع العمّال ما طالب به من منح وترقيات مستحقّة، مقابل أن تخرج النقابيّتين الجبالي والدريدي. وقد خرجتا “من الباب الكبير” بعد أن نجحتا في ضمان 950 موطن شغل لزميلاتهنّ وإثر تحصيل مكاسب ماديّة ومعنوية ملموسة لصالحهنّ.

إلّا أنّ الحياة كغالب عادتها لم تكن منصفة مع أمثال سنية الجبالي ولم تأبه كثيرًا لتضحياتها. إذ اكتشفت الأخيرة في أواخر سنة 2016 أنّها تعاني من مرض السيلياك (أو “حساسية القمح” أو حساسية “الڨلوتيين La maladie cœliaque ). وهو مرض نادر يصيب فقط 1% من الناس، يؤدّي باختصار إلى تفاعل عدائي من الجسم في مستوى الأمعاء الدقيقة مع بروتين الڨلوتين الموجود في جلّ الحبوب ومشتقّاتها من طحين ونخالة وسميد والخ. بما يأثّر سلبيًا على صحّة الانسان ونموّه، إلى درجة يمكن أن يتطوّر فيها الأمر إلى أورام سرطانية. وهذا يتطلبّ من المريض اتبّاع حمية غذائية صارمة وصعبة (خاصّة في تونس حيث تعتمد تغذيتنا كثيرًا على الحبوب ومشتقّاتها). ورغم كونه وراثي فإنّ ظهوره يمكن أن يكون لأسباب بيئية أو نفسيّة ( حسب الأطبّاء، يُحتَملُ أنّ من بينها الضغط النفسي الشديد الذي عاشته سنية الجبالي خلال تلك المعركة). كما يتطلبّ الحصول على أدوية ومواد تغذية خاصّة تُستورد بسعر باهظ من الخارج.

ومنذ ذلك الحين باتت سنية تعيش على وقع محنتها الجديدة…

الجزء 1: أصل القضيّة وبداية محنة المرض

البحث عن الشغل من أجل العلاج: بين تجاهل الدولة وتآمر الأعراف

لم تتوقّف سنية منذ اكتشافها المرض عن البحث عن شغل جديد، أساسًا من أجل التكفّل بمصاريف علاجها غالي الثمن. إلّا أنّها اصطدمت أكثر من مرّة بصدّ الأعراف بالشركات المنتصبة بالمنطقة الصناعية بفوشانة (حيث كانت تعمل ابّان المعركة النقابية). إذ ذاع صيتها خلال تلك المعركة، ممّا جعل اسمها غير مرحّب به حيثما حلّت. وتذكر سنية بمرارة كيف بدأت العمل ذات مرّة في أحد المصانع، ليناديها بعد حوالي الساعة المسؤول عن الموارد البشرية ليطلب منها مستنكرًا: “لماذا لم تخبريني أنّك سنية الجبالي النقابية السابقة بـ لاتيلاك؟”، وذلك قبل أن يمزّق عقدها ويطلب منها الانصراف… وقد علّقت سنية على ذلك بقولها: إلى جانب “المفروزين أمنيا” (من الطلبة المعارضين سابقًا)، يبدو أنّ هنالك أيضا “مفروزون نقابيًا” ممنوعون من الشغل بسبب نضالهم النقابي.

ج 2: بين مماطلة السلطات وتواطئ الأعراف

حمل ذلك سنية على التوجّه إلى الدولة. وقد حاولت مرارًا وتكرارًا مقابلة حسام الڨوماني، معتمد المحمدية، حيث تقيم. إلّا أنّ الرجل كان يرفض لقاءها وينهرها، كما تقول. ونفس الأمر تقريبًا مع رئيس البلدية، الذي عبّر عن “تعاطفه” معها قبل أن يعدها بالبحث عن “حلّ خيري” يضمن لها شراء الدواء. إلّا أنّ سنية رفضت دائمًا منطق “الاشفاق” و”المنّة”، وطالبت بحقّها في الشغل كي تتكفّل بنفسها بمصاريف علاجها.

وقد أصرّت أكثر على موقفها بعد أن شرح لها مسؤول بوزارة الشؤون الاجتماعية أنّ حالتها تؤهلها لنيل أولوية التشغيل بالوظيفة العمومية بمنطقتها. إثر ذلك، توجّهت سنية من جديد إلى المعتمد ورئيس البلدية. وقد ساندها في ذلك عدد من المتضامنين الذين ناصروها في معركتها السابقة (أساسًا من فرنسا). ولاستجلاء موقف السلطات المحلّية، اتصّل موقع انحياز بداية شهر ديسمبر المنقضي بالسيّد حسام الڨوماني، معتمد المحمّدية ليسأله عن وضعية سنية. فكانت إجابته أنّه سبق وأن “استقبل سنية أكثر من مرّة، كما “ساعدناها أكثر من مرّة عبر إحدى الجمعيات”، كما زعم أنّه دلّها على أربع شركات يمكن أن تشتغل. وهو الأمر الذي نفته سنية قطعيًا. وبعد أن تبرّم السيّد المعتمد من رسالة بعثها له صحفي فرنسي مساند للعمّال، حدّثنا عن اسهامه في “تشغيل المئات من العمّال بفضل تدخّله لدى أصحاب 4 مصانع بالمنطقة الصناعية”. ثمّ اشتكى من “تبوريب” سنية و”حسّها النقابي” (مثلاً “تصويرها” مؤخّرًا لاحتجاجات مواطنين متضرّرين من الفياضانات و”تحريضهم”) و”أخلاقها” التي لا تساعد على “مساعدتها” من قبل الجمعيات الخيرية… وفي الختام وعد المعتمد بلقائها وبالبحث لها عن صيغة ما للعمل بـ”الدولة”… لكن بعد شهرين من هذا الحديث، لم يفعل السيّد الڨوماني شيئا وعاد إلى رفض لقاء النقابيّة المريضة الباحثة عن شغل.

قيادة اتحاد الشغل: من التشويه إلى التجاهل؟

ولكون سنية الجبالي نقابية سابقة بالاتحاد التونسي للشغل، كان من البديهي أن نسألها عن موقف “الاتحاد” من حالتها. أوضحت لنا الجبالي، عندما حاورنها نهاية شهر نوفمبر، أنّها متردّدة في الذهاب إلى الاتحاد بسبب ما شاب العلاقة بين قيادة المنظمة والنقابة الأساسية بالمصنع من توتّر خلال معركة 2012. إذ ذكرت كيف كانت قيادة الاتحاد الجهوي للشغل ببن عروس تعقد اتفاقات مع الشركة من وراء ظهر العاملات وممثلّاتهنّ النقابيات، بما في ذلك اتفاقات تقضي بطردهنّ. وهو الأمر الذي رفضته العاملات وقتها، وأجبرن الشركة والاتحاد على معاودة التفاوض والوصول الى اتّفاق أكثر انصافًا. كما ذكرت سنية الجبالي في حوارها معنا أنّ محمّد علي البوغديري (الكاتب العامّ السابق للاتحاد الجهوي للشغل ببن عروس وحاليا الأمين العام المساعد المكلّف بالقطاع الخاصّ) قد نعتها وزميلتها منية الدريدي بأنّهنّ “من الموساد (جهاز المخابرات الصهيوني)، ويسعين لإخراج الشركة الفرنسيّة من تونس”.

موقف اتحاد الشغل خلال المعركة واليوم…

هذا لم يمنع سنية من الاستماع لنصيحة مسانديها بالذهاب الى “ساحة محمّد علي” وطلب وقوف “أكبر قوّة في البلاد” معها في محنتها. إلّا أنّ البوغديري نصحها بأن تطلب من “أصدقائها في فرنسا أن يجدوا لها شغلا هناك”. ثمّ، وبعد أن حدّثها عن علاقته الوطيدة بوزير الشؤون الاجتماعيّة، أخبرها بأنّه لن يتدخّل لصالحها لكونه “غير مقتنع بمطلبها”. وقد حاول موقع انحياز الاتصال أكثر من مرّة في الأيّام الأخيرة بالسيّد البوغديري للحصول على تعليقه على ما ذُكر أعلاه، إلّا أنّه لم يردّ على مكالماتنا ورسالتنا النصّية القصيرة. هذا ولم يصدر إلى حدّ اليوم أيّ موقف من اتحاد الشغل بخصوص حالة النقابية سنية الجبالي.

أخيرًا، مازالت سنية الجبالي ترفض أن تتحوّل إلى موضوع للشفقة، وأن تمدّ يدها لتسوّل “المساعدات الخيرية”. بل هي تطالبُ الدولة بتحمّل مسؤوليتها في تشغيلها من أجل أن تُحصّل تكاليف غذائها ودوائها.

وإذ تتذكّر سنية بعرفانٍ جميلَ كلّ من ساندها من مناضلين ونقابيين وأحزاب (وقد ذكرت أسماء البعض منهم في الحوار المصوّر)، فإنّها تطلب من كلّ من آمن بقضيّتها في ذلك الوقت بأن يكون منسجما مع نفسه ومبادئه ويساندها في هذه المعركة الجديدة، التي فُرضت عليها، من أجل البقاء على قيد الحياة…

المواقف خلال المعركة ورسالة للعمّال وعموم التونسيين

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *