زعيم “مزارعون بلا أرض” البرازيليّة: ما سيغيّر ميزان القوى هو تثقيف الطبقات الشعبيّة وتنظيمها في كفاح شامل

ترجمة – خاصّ – نضالات أمميّة – بلدان الجنوب

بقلم نورس بلّيلي/ نشر المقال الأصلي على موقع “مزارعون بلا أرض” في 29 أكتوبر الماضي.

أدلى جواو بيدرو ستيديل، المنسّق الوطني لحركة “مزارعون  دون أرض” (م.د.أ / MST)،  بتصريح لإذاعة “برازيل دي فاتو” عن الخطوات التالية لليسار بعد فوز يائير بولسونارو.

وأشار ستيدايل إلى أنه على الرغم من الهزيمة فإنّ القوى التقدّمية فازت سياسياً. إذ تشكّلت بينها وحدة قويّة خلال الأسابيع القليلة الماضية. وحسب رأيه، فإنّ حكومة بولسونارو، التي ستبدأ في 1 يناير 2019، ستكون مشابهة لنظام بينوشيه في تشيلي بطبيعته الفاشية.

“إنها حكومة ستستخدم باستمرار القمع والتهديد والتخويف. ستُطلق العنان للقوى الرجعية الموجودة في المجتمع. من ناحية أخرى ، سيحاولون منح الحرّية الكاملة لرأس المال في برنامج نيوليبرالي. لكن هذه الصيغة ليست  قابلة للحياة ولن توفّر  التماسك الاجتماعي، ولن تحلّ المشاكل الأساسية للسكان”.

اقرأ المقابلة أدناه.

برازيل دي فاتو: ماذا يمكن أن تقول لأكثر من 46 مليون شخص صوتوا لصالح المرشح فرناندو حداد، والذي حصل على الدعم من قبل (م. د. أ.)؟ 

ما زلنا في حرارة اللحظة [بعد ظهور النتائج]. وفي المقام الأول، علينا أن نحافظ على الهدوء ونفهم سياق الصراع الطبقي، ولا نشعر بالهزيمة من هذه النتيجة. قد تُعطي بطاقات الاقتراع شرعية  لبولسونار ، ولكن هذا لا يعني أنه حصل على دعم غالبية الناس. هناك مستوى عالٍ من الغياب : 31 مليون [ناخب]. حدّاد كان عنده 45 مليون [أصوات]. إذن 76 مليون برازيلي لم يصوتوا لصالح بولسونارو.

لذلك فإنّ المجتمع البرازيلي مُنقسم. حتى نتائج الانتخابات، من خلال ما استطعت رؤيته من استطلاعات الرأي السابقة، كان من الواضح أنّ من يدعمون حداد هم الذين يكسبون أقلّ ماديًا، ما بين اثنين وخمسة مرّات الحدّ الأدنى للأجور، ومن ذوي المستوى التعليمي المنخفض. ومن الواضح أن الأغنى  صوتوا لصالح بولسونارو.

لكن هناك أيضًا اختلاف واضح بين المناطق في الانتخابات. عندما ننظر إلى خريطة البرازيل للحكام المنتخبين،  12 مرشحا تقدميا فازوا [من أصل 27 ولاية] يدعمون  المنظمات الشعبية، من ولاية بارا [في الشمال] إلى الحاكم ريناتو كازاغراند في إسبيريتو سانتو [في الجنوب الشرقي]. تعتبر المنطقة الشمالية الشرقية وكل تلك المنطقة في الأمازون مركزًا للمقاومة، ممّا يدلّ بوضوح على أن الأشخاص هناك لا يريدون اتّباع مسارات مشروع بولسونارو الفاشستي.

أخيرًا، كتحليل موجز، الجميع يتحدث عن ذلك وبصرف النظر عن نتائج الانتخابات: عزّز الأسبوع الماضي انتصارًا سياسيًا لحركة اليسار والحركات الشعبية. كان لدينا العديد من المظاهرات الحاشدة من جميع القوى المنظمة: النقابات والمثقفين والطلاب والجامعات.

لم يحدث في تاريخ البرازيل  أن أكثر من 500 ألف امرأة بجميع أنحاء البلاد، في 360 مدينة، خرجن إلى الشوارع ليقلن ” هُو لا”، “لا للفاشية”.  لذلك أعتقد أنّ التحليل يؤدّي إلى أنه ليست  هناك هزيمة سياسية. نحن نعاني من هزيمة انتخابية، لكنّنا نترك هذه المرحلة بعلاقات أوثق وقوى منظمة لمقاومة هذا الهجوم الفاشي  المُعلَن.

 

عل الرغم المتباهين من داعمي بلسونارو، فنحن نعرف أنّ المؤسسات لها حدودها. فقد قال بلسونارو أنه يقوم بتصنيف MST و-MTST  (حركة عمّال بدون مأوى)  كمنظمات ارهابية. هل ترى هذا ممكنا ؟ 

أعتقد أنّ حكومة بولسونارو سوف تتطابق، إذا رسمنا بالتوازي، مع نظام بينوشيه في الشيلي. ليس بالطريقة التي جاء بها إلى السلطة، ولكن بطبيعته الفاشية. إنها حكومة ستستخدم باستمرار القمع والتهديد والترهيب. سوف يطلق العنان للقوى الرجعية الموجودة في المجتمع. من ناحية أخرى، سيحاولون منح الحرية الكاملة لرأس المال في برنامج نيوليبرالي. ومع ذلك، فإن هذه الصيغة غير قابلة للحياة، لأنّها لا توفّر التماسك الاجتماعي ولا تحل المشاكل الأساسية للناس.

تمرّ البرازيل بأزمة اقتصادية خطيرة، وهي أساس كل هذه المرحلة. منذ عام 2012  لم تشهد البلاد نموا، وحيث لا يوجد نموّ لا يوجد إنتاج لثروات فتزداد المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

مع برنامجه النيوليبرالي المتطرف، الذي لا يصبّ سوى في مصلحة رأس المال، قد يساعد البنوك  ويجعلها تواصل الربح، ويساعد الشركات العابرة للحدود على  نهب ما تبقى  لدينا هنا. ولكنّها لن تحُلّ مشاكل الناس الحقيقية ، كالشغل  والدخل وحقّ العمل والمعاش التقاعدي والأراض والإسكان،  ممّا سيعزّز التناقضات.

سيؤدي ذلك إلى فوضى اجتماعية تسمح للحركات الإجتماعية بالعودة إلى الخطّ الهجومي، مع التعبئة الجماهيرية. وفي العمق، بالإضافة إلى ما هو موجود في الدستور – والذي لن يحترمه كثيراً – فإنّ ما يحمينا هو ألّا نسرع  بالإختباء. ما يحمينا هو القدرة على التقريب بين الناس  ومواصلة القتال مع الجماهير في الدفاع عن حقوقهم وتحسين ظروف معيشتهم. تعبئة الناس ستحمي  الناشطين منّا وقادتنا. دعونا لا نخاف. التناقضات التي  سينتجونها  ستكون أكبر بكثير من إمكانية القمع مع الإفلات من العقاب.

 

هناك صراع آخر، مرتبط بالانتخابات، لكنه تم  تجاهله منذ بدء العملية الانتخابية: الرئيس السابق [لويز إناسيو] لولا [دا سيلفا] ،  المسجون بصفة غير قانونية وغير عادلة، ما هو احتمال تحرّك الناس على هذا الجانب من المعركة  ؟

لقد رأينا جميعاً ما حدث.  لقد تمّ اختطاف الرئيس لولا من قبل رأس المال من خلال نظام قضائي يخضع تماماً لهذه المصالح. تمّ سجنه بشكل غير قانوني. هناك العديد من الأشخاص الآخرين – ليس فقط السياسيين، بل المواطنين العاديين – الذين يظلّون أحراراً في انتظار المحاكمة، كما هو منصوص عليه في الدستور، والذي لا يسمح إلا بسجن شخص ما إلّا بعد أن تصبح إدانته غير قابلة للاستئناف.

لولا ما يزال ينتظر المحاكمة أمام محكمة العدل العليا  ثمّ أمام المحكمة العليا. لم يسمحوا له بالترشح للرئاسة عندما تم تسجيله كمرشح. 1400 مرشح آخر يمكن أن يترشحوا بنفس ظروف لولا ، لكن الأخير مُنِع من الترشح. وفي النهاية ، منعوه من التحدث [مع وسائل الإعلام] ، في حين أنّ أيّ مجرم عادي [في السجن] يمكنه إجراء مقابلة مع جلوبو [أكبر شركة  إعلامية في البرازيل]. لكنّهم منعوا لولا حتى  من التحدث إلى الناس. في الواقع ، كانوا يعلمون أن لولا هو زعيم الشعب الرئيسي الذي يمكن أن يجمع قوى هائلة من الشعب البرازيلي ، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى نقاش حول المشاريع. من الواضح أن جزءًا من ناخبي لولا ، الذين يؤمنون بلولا ، هم عُمّال خُدعوا من قبل حملة تقوم على الأكاذيب وانتهى بهم المطاف إلى التصويت لصالح بولسونارو.

بالنسبة لحركات اليسار والحركات الإجتماعية، لدينا تحدٍ كبير من الآن فصاعداً، لتنظيم لجان الناس في جميع أنحاء البرازيل، وتنظيم حراك ضخم بحق وحملة دولية حقيقية لإطلاق سراح لولا وترشيحه لجائزة نوبل للسلام العام المقبل. وهي الحملة يقودها الحائز على جائزة نوبل للسلام أدولفو بيريز إسكيفل. سيكون لدينا مهمة كبيرة لتنظيم هذه اللجان وجعل هذه الحملة شعارًا للناس. من الواضح أنه ستكون هناك تحديات أخرى علينا ، نحن الحركات اليسارية والشعبية ، أن نواجهها في المرحلو القادمة. لكي نلتقي، كما اقترحت من قبل، علينا أن نطوّر الجبهة الشعبية البرازيلية، جبهة الشعب بلا خوف. ربّما  يمكننا أن نجمع الجميع في جبهة شعبية ديمقراطية مناهضة  للفاشية.

قد تكون أداة أوسع من الجبهة الشعبية البرازيلية نفسها. لدينا الكثير للقتال من أجله  من الآن فصاعدًا.  إنّه صراع طبقي. يبدو وكأنه لعبة كرة القدم في بطولة طويلة. تخسر مباراة، لكن يمكنك الفوز بمباراة أخرى. لكنّ المفتاح هو جمع نقاط القوة وتنظيم شعبنا. هذا ما سيغيّر ميزان القوى.

 ماهو حال اليسار بعد هذه المعركة؟ الأحزاب، الحركات، فرناندو حداد نفسه؟

لقد  التزمت  شخصياً، وكذلك حركتنا والجبهة الشعبية البرازيلية، بمواصلة النضال. وما شهدناه بوضوح خلال الأسبوعين الماضيين أعطانا تشجيعاً جديداً، وهو تفسير جديد لما يحدث في البرازيل. تم حشد الكثير من الناس، بغض النظر عن الأحزاب والحركات، ممّا يعني وجود طاقة في المجتمع، وسوف نكون قادرين على مقاومة الفاشية.

الآن لا يمكننا الانكفاء على المشاكل داخل الأحزاب ونواصل التساؤل عمّا سيحدث مع أحدنا أو مع الأخر. الأمر لا يتعلق بالأفراد، الصراع الطبقي يدور حول الطبقة. لذا فإنّ ديناميكية الصراع الطبقي هي التي ستغير ميزان القوى وتحلُّ مشاكل الناس. وسط الصراعات الطبقية، يظهرُ قادة جدد ومراجع جديدة. لا يمكننا التمسّك فقط بهذه التأويلات.

“حدّاد لديه  الوسائل  لسنة 2022.” “سيرو لديه الوسائل أيضا”. قام سيرو غوميز  [مرشّح الحزب الديمقراطي العمّالي في الانتخابات الأخيرة]  بعمل جيّد في الجولة الأولى، ولكن بعد ذلك ألقى بكل شيء بعيدا عندما قرّر عدم المشاركة في المعركة السياسية في الدورة الثانية. دام عمر سيرو [السياسي]  لثلاثة أسابيع. هكذا يعمل الصراع الطبقي.

أعتقد أنّنا في اليسار، والحركات الإجتماعية التي لديها قضايا محدّدة (نساء، سكن، أرض، نقابات)، علينا أن نجتمع وندقّق في الأشياء، مع تقييمات نقدية ونقد ذاتي، وأن نُعيد تقييم جدول أعمالنا التاريخي لمواجهة تحدّيات الواقع والتاريخ.

أوضَحَت هذه الحملة شيئًا واحدًا: علينا أن نستأنف العمل على مستوى الجذور –  هذا ما قاله مانو براون [مغني الراب البرازيلي الشهير] وقد كان على حقّ. إذا كان لدينا الصبر، على مدى الأشهر الستة الماضية، للذهاب من باب إلى باب في الضواحي، حيث يعيش الفقراء، أعتقد أنّنا كنا سنحصل على نتيجة انتخابية مختلفة.  الناس  يفهمون، ولكن لا أحد يذهب اليهم للتحدّث معهم.

علينا أن نفهم أنّ ما يغيّر ميزان القوى ليس الخطابات، ليس رسائل  الواتس آب. ما يغيّر ميزان القوى ويحلُّ  مشاكل  الناس الحقيقية هو تنظيم الطبقة العاملة والشعبية للانخراط في كفاح شامل، ومن ثمّة حلُّ مشاكلهم.

اذا افتقرنا إلى الوظائف، علينا أن نحارب البطالة. إذا كانت أسعار الغاز مرتفعة للغاية، علينا أن نكافح لخفضها. يتطلب ذلك كفاحًا جماهيريًا. بالمثل، توقّف اليسار عن العمل على سياسته التعليمية. تمّ خداع الناس  بأكاذيب حملة  بولسونارو من خلال  الواتس آب. لماذا؟ لأنّه لا يوجد وعيٌ سياسي لمعرفة ما هي الكذبة وما  اذا كان ذلك جزءًا من تلك اللعبة. لا يمكن معالجة ذلك إلا بالتثقيف السياسي والأيديولوجي. عندما يُدرك الأشخاص ويملكون المعرفة، يمكنهم أن يكوّنوا أفكارهم بمفردهم ولا ينتظرون توجيهًا من أيّ شخص.

كما يتعيّن علينا تعزيز العمل الرائع الذي تقومون به هنا “في برازيل دي فاتو”، مع محطة إذاعية، وجريدة  وصحيفة مدمجة، على الإنترنت. يجب  تعزيز طرق التعبير في صفوفنا. الآن هو الوقت المثالي لذلك.

أخيرا، علينا أن نبدأ حوارًا جديد في البلاد حول مشروع سيادي جديد لمجتمع متساوٍ وعادل. وبسبب أنّ الحملة الأخيرة كانت مبنية على الأكاذيب وعلى محاربة الأكاذيب، فإنّنا لم نتحدّث عن منصّات، ولم نتحدث عن مشروع هيكلي للبلاد. يجب علينا الآن بدء هذا الحوار من جديد وإعادة البناء خلال الأشهر والسنوات المقبلة، وتوحيد  الشعب حول مشروع. حول منصّة تكون لديها حلول للناس، لأن الحكومة لن تفعل ذلك.

 

 

 

 

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *