الانتخابات البرازيليّة: عن الشباب والإحباط والقطاع الإنجيلي

رأي – خاصّ – العالم – الجنوب

ليوناردو أنطونيو ألفيس دي أوليفيرا*

ترجمة نورس بلّيلي

تعيش البرازيل في الوقت الحالي دراما سياسية لها جذور عميقة.

وهي لا تظهر فقط في نتائج الدورة الأولى للانتخابات، التي تمخّضت عن فوز مرشّح  الحزب الإجتماعي الليبرالي بولسونارو   بـ 45% من الأصوات يوم 7 أكتوبر المنقضي. وللتذكير بولوسونارو هو شخصية تنادي بإنهاء الحرّيات الديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان ويعتمد خطابًا يروّج لسياسية شوفينية، عنصرية ومعادية للمثليّة.

ما الذي يدفع الناس إلى أن يرغبوا في انتخاب خيسوس ميسياس بولسونارو لرئاسة الجمهورية؟

التفسير الأول يتعلق بالأزمة الاقتصادية والسياسية التي تؤثّر في البلاد. أمّا الثاني فيتعلّق بفهم كيفية استخدام الدين الإنجيلي من قِبل أغلبية رجال الدين وقادة الطوائف لرسملة الأصوات في الفترات الانتخابية.

الغضب الشعبي يعكس تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد مع الزحف النيوليبرالي  خلال فترة حكم حزب الديمقراطية الإجتماعية البرازيلية في التسعينات وحزب العمّال في العشرية التي تبعته.

بشكل عام، تطوّر الشعور العدواني تجاه حزب العمّال منذ بداية  تردّي السياسة الاقتصادية التي طبقّتها حكومات لولا (2002-2010) وديلما (1 يناير 2011 – 31 أغسطس 2016) خلال 13 عامًا من الحكم.

 

خلال هذه الفترة ، أدّت سياسة الفائدة المدعومة والائتمان الرخيص لرجال الأعمال الذين اختارتهم الحكومة إلى الفساد. فيما أدّت الزيادة النسبية في دخل الطبقات الاجتماعية الفقيرة إلى تحفيز النزعة الاستهلاكية لديها وإرتفاع نسبة مديونيتها. لم يكن هنالك أيّ حافز على الادّخار، ولا على الاستثمارات طويلة الأجل. ففي حكومة ديلما  تمّ تعميق إجراءات القروض الرخيصة لأصحاب المشاريع، والإعفاء الضريبي، وتخفيض قيمة العملة.

 

وفي وقت مبكّر من عام 2014 ، بدأت تكاليف هذه السياسة الاقتصادية تنتقل إلى الناسّ، إذ تلاها انخفاض في الإنتاج الصناعي وتراجع لقيمة الأجور. أمّا الناتج المحلي الإجمالي (GDP)، أي إجمالي الإنتاج الوطني، فقد انخفض من 7.6 ٪ في عام 2010 إلى 3.8 ٪ في عام 2015.قابلت ديلما  ذلك بالإعلان عن العديد من الزيادات الضريبية، التي ردّت عليها العديد من الشركات البرازيلية بمغادرة البلاد ،  ممّا أدّى إلى زيادة البطالة.

 

أكثر المتأثرين بالبطالة هم الشباب وكبار السن. ففي مسح أجراه المعهد البرازيلي للجغرافيا والإحصاءات ، بلغ عدد العاطلين عن العمل في الربع الثاني من عام 2018 إلى 27.6 مليون شخص. ومنذ عام 2017 تراوح معدل البطالة من 23.8٪ إلى 24.7٪. في نفس الفترة. ووفقاً للمعهد ، فإن عدد الأشخاص المحبطين هو رقم قياسي في أكتوبر 2018: 4.8 مليون شاب في عمر 14 سنة أو أكثر؛ في شهر مارس من هذا العام، كان الهامش  4.6 مليون ، وفي الربع الثاني من عام 2017 كان المعدل 4 ملايين، وهو أكبر عدد من  الشباب المحبط منذ عام 2012.

البرازيل اليوم بلد محبط. ما هو مستقبل هذا الشباب وهذه الكتلة من العمّال المنكوبين؟  الأغلبية محبطة من حكومات حزب العمال التي احتفظت بعلاقات مشبوهة مع الأحزاب البرجوازية، وبمحسوبيّة رجال الأعمال  الذين انتخبوا لولا عندما أثّرت أزمة المشروع النيوليبرالي في ظل حكومة فيرناندو هنريك كاردوزو من الحزب الديمقراطي الاجتماعي البرازيلي على اقتصاد البلد بشكل كبير بسبب الخصخصة. آنذاك كان الشعب  يتوق إلى “حكومة عمّالية” مع حزب العمال . نرى اليوم كيف يأس الناس من  الاشتراكيين الديمقراطيين والعمال ، بما يفتح الباب أمام الثقة بالقطاعات الأكثر يمينية، التي تعمل بهدوء داخل آلة الدولة وفي النسيج الاجتماعي، ودون أن ترتبط ارتباطًا مباشرًا بفضائح الفساد، فيما تحمل وعودًا بالإصلاح والتجديد.

في مواجهة  الأزمة الاقتصادية، وإمكانية التفوّق السياسي للقوى اليمينيّة ، فإننا نرغب في إضافة عنصر آخر للمشهد،  وهو القضية الدينية. إذ تعتبر البرازيل اليوم دولة علمانية ومتعدّدة الأديان، لكننا نريد معالجة تأثير القطاع الإنجيلي في ظل الظروف الحالية للبلاد. ينصبُّ اهتمامنا على تحليل التركيبة الاجتماعية لهذا القطاع في السيناريو السياسي الحالي ، لا سيما وأنّنا في فترة انتخابية تظهر فيها شخصية عامة مثل جاير ميسيياس بولسونارو  وهي تتمتّع بالدعم المعلن من القادة الإنجيليين المهمّين. وعلى الرغم من حقيقة وجود اختلافات بين هؤلاء القادة ، يبقى لدى بولسونارو جمهور كبير.

وشهد قطاع الانجيليّين في البرازيل على مدى العقود الثلاثة الماضية نموًا كبيرا بين البرازيليين. فبالتوازي مع تدهور  الأوضاع السياسية والنقابية منذ أواخر السبعينات وأوائل  الثمانينات،  بدأ العمل من طرف القساوسة والمبشّرين  الانجليّين داخل الطبقات الشعبية في هذه الفترة لبناء حجر الأساس لهذه الحركة الدينية التي تمتلك حاليا قوة سياسية كبيرة، مع مجموعة برلمانية من 198 نائبا و 4 من أعضاء مجلس شيوخ الجمهورية.

شهدت البرازيل في العقدين الأخيرين موجة واسعة من التديّن حسب المذهب الأنجيلي.
(صورة من أرشيف وكالة الأنباء الفرنسيّة، مأخوذة من موقع lamanchelibre.fr)

ووفقا للإحصاءات الصادرة عن المعهد البرازيلي للجغرافيا والإحصاء في تعداد 2010، فإنّ الطائفة الدينية التي نمت أكثر في البرازيل هي الإنجيليّة. ففي عام 2000 كانوا يمثلون  15.4٪ من السكان، ليرتفع عددهم إلى 22.2٪ في عام 2010. أي بزيادة قدرها 16 مليون نسمة ، من 26.2 مليون إلى 42.3 مليون نسمة. يشير المعهد  كذلك إلى أنّ هذه النسبة كانت 9.0٪ سنة 1991  و6.6٪ سنة 1980. وهذا يدلّ على أنّ الحركة الخمسينية ‘، و الحركة الخمسينية الجديدة،  انتشرت بقوّة خلال الفترة الأخيرة من خلال جدول أعمال كان يبدو غير مسيّسٍ ويركّز فقط على المقدّس والروحاني.  إذ تمكنت من غرس جذورها  عبر النزعة الذاتية لدى كثير من الناس وأصبحت مرجعهم الأخلاقي، فأصبحت القيم  البروتستانتية  مرجع جزء كبير من السكان، وخاصة الطبقة العاملة.

 

ويترافق هذا مع حرص الكنائس الإنجيلية على التغلغل في الأوساط الشعبيّة بطريقة عضوية وصامتة. إذ كان هناك صراع حقيقي على وعي الطبقة العاملة بين الأجهزة الأيديولوجية للكنائس الإنجيلية ومبادرات التعليم الشعبي المتأثّرة بمدرسة باولو فريري، داخل وخارج الحركات الاجتماعية خلال كل تلك العقود.

 

تم إضفاء الطابع المؤسّسي على العديد من المفاهيم التربوية لباولو فريري في الخطط التعليمية الحكومية والمحلّية ، سواء في المناهج أو المسائل البيداغوجية.   إلّا أنّ النزاع الإيديولوجي في مجال التدريس ظلّ يتدحرج بين القطاعين الرسمي وغير الرسمي. ففي فضاء التعليم الرسمي (المدرسة العموميّة) لا يمكن التطرّق للموضوعات المدرسة من زاوية حزبية أو دينيّة بشكل علني، لأن الدولة البرازيلية علمانية قبل كل شيء. ومع ذلك، فإنّ هذه القيود لا وجود لها في فضاءات التعليم غير الرسمي، كما هو الحال في الكنائس أو الحركات الاجتماعية، حيث تتلقّى مختلف الأجيال أيديولوجيات معينة حسب البيئة / القطاع الذي تنتمي إليه . ويستعمل القطاع الإنجيلي في هذا السياق مبادئه المحافظة ويستغل الممارسات الصوفية والبدع، كما المداواة الروحية والمعجزات وطرد الأرواح الشريرة،  والوعود بالازدهار والمباركة لكسب المزيد من المؤيدين في ظلّ الواقع المحبط الذي يعيش فيه النّاس. يضاف إلى ذلك الأزمة  التي يعيشها البعض مع معتقداتهم ذات الجذور الأفريقية البرازيلية، التي تمت شيطنتها من قبل العديد من القساوسة.

 

ويؤثّر خطاب الرخاء على الكثيرين بسبب الصعوبات المادية. ووفقًا لبيانات التعداد السكاني 2010 ، فإنّ 60٪ من الإنجيليين يحصلون على الحد الأدنى للأجور ؛ 63.7 ٪ منهم  لديهم دخل شهري يصل إلى الحد الأدنى للأجر الواحد . أمّا فيما يتعلق بمسألة اللون والعرق، بين الإنجيليين فإنّ النسبة الأعلى (45.7٪) كانت من ذوي البشرة السمراء.

 

إن قضية هذا الجيل هي مسألة تستحق الاهتمام.  فالمؤسّسات الدينية تتمتّع بالاستقرار والتخطيط في هذا المجال، الشيء  الذي لا تحظى به الحركات الاجتماعية دائماً فيما يتعلق بأطفالها وشبابها. وتُبيّن الأبحاث أنّه يوجد في صفوف الإنجيليين 25.8% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و 9 سنوات، و 25.4 % من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 14 سنة. هل  هذا هو الجيل الجديد من المراهقين الذين يعربون اليوم عن تأييدهم لترشح  الفاشي  يائير بولسونارو؟ ونحن نعلم أنّ تصريحات الدعم من القادة الإنجيليين لمرشح الحزب الاجتماعي التحرري أصبحت علنية، ولا تخفى أهمية ذلك في  تحديد قرار هذه الشريحة من الناخبين (االقطاع الذي يضم أعلى نسبة من الناس الذين اعمارهم بين 15 سنة أو أكثر من غير المتعلمين  6.2٪ من الإنجيليين ).

 

عرفت البرازيل في العقود الأخيرة تقدّما في مؤشر التنمية البشرية. إذ ارتفع متوسط ​​العمر المتوقع للبرازيلي بنسبة 25.4 سنة، من 48.0 سنة إلى 73.4 سنة. كما سُجّل انخفاض في معدل المواليد من 6.3 إلى 1.9 طفل لكل امرأة، وهي نسبة دون المستوى لتشبيب السكان. وهذا يعني أنه على الرغم من المشاكل المستقبلية التي يمكن أن تسبّبها شيخوخة السكان، فإنّ هذا الجيل يمكن أن يتمتّع بفترة نمو اقتصادي وجيزة  إلى جانب التمتع ببعض الحريات الديمقراطية والحصول على تعليم ديمقراطي وكوني. ولكن ما  حدث كان عكس هذه التوقعات التقدمية، فجزء كبير من الشباب أصبح مُشبَعًا بالشعور المعادي لحزب العمّال (أو معاداة الأحزاب اليسارية عمومًا). ففي حين طغى سنة 2013 شعار عدم الانحياز الحزبي  على المسيرات الاحتجاجية للشباب، صارت اليوم تعلن دعمها لأجندة رجعية تؤيد  نهاية حقوق الإنسان والتدخل العسكري في البلاد وتنادي بخصي الفقراء ومنع تكاثرهم.

ووفقا لبحث أجراه المعهد البرازيلي للرأي والإحصاء في 18 سبتمبر المنقضي، يتبيّن أنّ 28٪ من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 24 سنة  يؤيدون بولسونارو (الحزب الاجتماعي الليبرالي) فيما 18 ٪  منهم يقفون مع حدّاد (حزب العمال). أما في الوسط المدرسي فكان 31٪ منهم مع بولسونارو و17٪ مع حداد. أما على مستوى التعليم العالي، فإنّ 36٪ مع بولسونارو  في حين يتعاطف 13٪ من الشباب الجامعي  مع حدّاد وسيرو غوميز (حزب العمل الديمقراطي). وعليه، يبدو أنّ 60٪ من  ناخبي بلسونارو المحتمَلين هم دون سنّ الـ 34 عامًا.

في مواجهة هذه المؤشرات على المرء أن يتساءل عن مستقبل البلد الذي يبدو أنه يعيش نكسة سياسية في مسيرته التاريخية، فكلّ هذه الاحتمالات تثير القلق.  إذ يتوقع نشأة واقع جديد وإستبداد جديد في البلاد.

يتميّز الوضع الحالي بتخلّي حزب العماّل عن أعلامه الرمزية والتاريخيّة وبخيانته الواضحة في المجال النقابي والسياسي. إذ نذكر عام 2017 عندما دعا مناضلوه الجذريّون في صفوف العمّال إلى الإضراب العام، فتمت خيانتهم من طرف قادة المركز الموحد للعمال (CUT)، أو تحالفاته مع الأحزاب التي أيّدت لاحقًا اتهام وازاحة ديلما روسيف. كذلك تعميق حكومة ديلما لـ”الإصلاحات” الشغلية المسيئة لحقوق العمّال وفي مجال الضمان الاجتماعي، إلى جانب قمعها للحركة العمالية التي طالبت بحقوقها. من ناحية أخرى هناك القطاع الإنجيلي الذي يضم 198 نائباً و 4 أعضاء في مجلس الشيوخ، والذي فتح باب السجالات الأخلاقية حول محتوى معارض الفنانين في المتاحف. وهي سجالات مدعومة من طرف المحافظين المتطرفين والراديكاليين الإنجيليين، وتسعى لخلق حالة رفض أخلاقي لكل ما هو تفكير نقدي أو إبداع فني.

بعد 2013 انساق العديد من الشباب في ركاب الأخبار الزائفة المصنّعة من قبل MBL (حركة البرازيل الحرة) في الشبكات الاجتماعية والواتس آب، مستعملين أرشيف  خطابات  القساوسة الإنجيليين في حربها ضد الشيوعية. القادة الإنجيليّون،  مثل ادير ماسيدو، روميلدو ريبيرو سواريس، فالديميرو سانتياغو، وسيلاس ملفريا أصبحوا  يسيطرون على محطات الإذاعة والتلفزيون. وقاموا خلال العقود الأخيرة  بتوسيع قوتهم الاقتصادية وتأثيرهم في البرلمان، لينتهوا بإعلانهم الصريح بدعم بولسونارو وحث قواعدهم الشعبية على إتباع خطابات القساوسة . اندفاع الشباب وراء القطاع الإنجيلي يثبت أنّ هنالك  جبهة قد بُنيَت في المجتمع البرازيلي  جراء يأس وإحباط الكثيرين أمام استفحال النيوليبرالية والفساد وانتشار العنف في المدن.

 

يمثّل الوضع الحالي استقطابًا متزايدًا في مجال الصراع الطبقي.  إذ يوجد انطباع  ببروز موجة محافظة حقيقية في البرازيل، تُعدّ  أبرز مؤشّرتها تأهّل  بولسونارو لجولة ثانية ضد حداد. وكما جاء على لسان مدير داتافوليا ماورو باولينو (معهد Big Data)، فإنّ معظم الناخبين تحرّكهم  البراغماتية ويتبّعون هؤلاء الذين يعدونهم بالأمن والإستقرار. وقد يفسّر ذلك جزئيا الترحيب  بخطاب حق امتلاك  السلاح الذي أصدره بولسونارو في بلد يصل فيه المتوسط ​​السنوي لعمليات القتل إلى 000 60 حالة. ففي 4 سنوات نما عدد الذين دافعوا عن حق حمل السلاح من 30٪ إلى 43٪.

لكن في نفس الوقت تصطدم  “موجة المحافظة”  مع عدد كبير من  الإضرابات التي وقعت في الفترة الماضية، والتي تم التخلي عنها من قبل القيادات الخائنة من (CUT)  المركز الموحد للعمال،  وغيرها من النقابات المركزية. منذ عام 2013 زادت الإضرابات العمّالية في البرازيل. ففي عام 2016 سُجّلت 2093 حالة  إضراب، لينخفض العدد عام 2017 إلى 1566. أمّا في عام 2018، فقد تمّ قمع معظم التحركات الاضرابية ، و تجاهلها رؤساء و قادة النقابات، خاصة المعنيّين منهم بشأن الفترة الانتخابية. لذلك يمكن  القول أنّه إذا كانت هناك موجة محافظة في البرازيل فإنّ اللوم يقع  إلى حدٍّ كبير على الخيارات التي قام بها حزب العمال للتخلي عن الصراع الطبقي وإهمال الحركات الاجتماعية المناضلة من أجل الحقّ في الأرض والتعليم العمومي والذهاب في تحالف برلماني مع الأحزاب البرجوازية. وبالتالي، أصبحت الأرض خصبة للعمل التبشيري وللمحافظين، أين يجتمع  الشباب الذين لا يعرفون ما ينبغي فعله لضمان مستقبل أكثر أمنا.

ماذا يمكن أن يحدث إذا انتُخب بولسونارو؟

نرى سيناريو عدم اليقين والخوف من عنف المدن الذي تغذّيه التقارير الإخبارية المليئة بالأخبار البوليسية.   الفساد واضح في جميع مجالات السلطة العامة ووحشية المصالح الخاصة للشركات تؤثر على القرارات السياسية لقيادة البلاد.

كما تتطلب الأزمة الرأسمالية خططًا للتقشف المالي وتخفيض التمويل العمومي في مجالات مهمّة مثل الصحة والتعليم. حكومة ميشال ثامر، (نائب ديلما روسيف) طبقا للتعديل الدستوري رقم 95، تقوم بالحدّ من الإنفاق العام من أجل السيطرة على التضخم على مدى السنوات الـ 20 المقبلة، وذلك بسبب العجز المالي المتوقع في ميزانية 2018  بنسبة 157 مليار  دولار. هذا في الوقت الذي قرّرت فيه الحكومة زيادة في رواتب القضاة وموظفي الخدمة المدنية، الذين يتمتّعون أصلا برواتب مرتفعة.

أعلن بولسونارو في عديد المناسبات أنه لن يتخلّى عن الرواتب العالية والامتيازات البرلمانية، إذ يدافع عن  سياسة  نيوليبرالية متطرفة. كما صوّت مع تغيير نظام التقاعد والعمل على تبديل نقاط رئيسية في قوانين العمل، بما يجعل التفاوض بين أرباب العمل والموظفين أكثر تعقيدا.  ويذكر أنّ باولو غويديس، الخبير الاقتصادي المحتمل  لفريق بولوسنارو، هو متخرج  من جامعة شيكاغو، مهد النيوليبرالية.  إلّا أنّه في ظل هذه الظروف، قد تؤدي إمكانية نشر خطط اقتصادية معادية  للطبقات الشعبية  إلى إعادة النظر في المواقف السياسية لجزء كبير من الناخبين لصالح بولسونارو، خاصة إذا أظهر عجزًا ديماغوجيًا.

وقد كشفت هذه الفترة الانتخابية عن جانب من شخصية العديد من الناس وميولاتهم. إذ شهدنا انقطاعًا حتى  في الصداقات والعلاقات بين أفراد العائلة نفسها بسبب القضايا السياسية،  بين المدافعين عن  بولسونارو ومنتقديه. ويدلّ كلّ ذلك على تآكل النظام السياسي الحالي.

في مواجهة احتمال فوز مرشح الحزب الاجتماعي التحرري،  دعت الحركة النسوية الآلاف، الذين خرجوا إلى الشوارع يوم 29 سبتمبر. وهو ما بيّن أنّه على الرغم من ارتفاع شعبية بولسونارو الانتخابية، فإنّ هناك أيضا رفض كبير له في جميع أنحاء البلاد، كما بيّن ذلك أيضا مثل الدعوة العامة  الثانية للحركة النسوية  ضد الفاشية  تحت شعار “هو لا”، والتي جرت يوم 6 من هذا الشهر .

وضع اليسار في هذه الانتخابات 

اليسار في البرازيل منقسم بين البرامج الإصلاحية والثورية:

لطالما كان حزب العمّال يمارس ممارسات  يمينية. ولكن ما يزال يُنظَر إليه من قبل الناس على أنّه يساري. إن سياسته الخيانيّة في الحركة النقابية وموافقته على المسّ من حقوق الطبقة العاملة، قد  ضمنتا أن ينتهي حكمه بتعزيز التطرّف من خلال شخصية بولسونارو.

حزب الاشتراكية والحرية (PSOL): قاد هذا الحزب جميع المناقشات على المستوى البرلماني  وجذب العديد من القطاعات لسياسته الطبقية التوفيقيّة، بما في ذلك تبنّي مطالبات الإفراج عن لولا، وذلك رغم سياسات حزب العمال التي حاولت الحدّ من جميع الإضرابات والاحتجاجات الاجتماعيّة،  ومنها  تجاهل المطالب الملحّة للطبقة العاملة.

يسعى حزب الحزب الاشتراكي للعمّال الموحّدين (PSTU)  إلى لمّ شمل المُحبطين والغاضبين إلى الثورة والتمرد والعمل المباشر. وللحزب مرشّحيه الخاصّين إلى الانتخابات في إطار الدعاية لبرنامج الثورة الاشتراكية. في الجولة الأولى، دعا الحزب للتصويت لمرشّحته فيرا وهيرتز لمنصب الرئيس. وبما أنّ نتيجة التصويت في الجولة الأولى من الانتخابات  قد حسمت بين  بولسونارو (PSL) وفرناندو حداد (PT)، فسوف يدعو ح.إ.ع. م. للتصويت، من زاوية نقديّة، لفائدة حدّاد. أي التصويت له مع اظهاره  عدم دعمه  لبرنامج حزب العمّال، لأنّه يرى ضرورة توحيد كلّ القوى ضد المرشّح الفاشي بولسونارو.

the original version in Portuguese:

juventude-e-evangelicos-na-ascensao-de-jb-1

…………………… ………………………………………………………

(*) أستاذ في شبكة التعليم الحكومية في ولاية ساو باولو ، تخرّج في اختصاص التاريخ من جامعة باوليستا الحكومية – خوليو دي ميسكويتا فيلهو (UNESP – Franca-SP campus). مستشار إقليمي في نقابة الأساتذة APEOESP (رابطة اساتذة ولاية ساو باولو ) فرع Sumaré-Hortolândia.

 

(‘) الخمسينية هي حركة دينية ظهرت في الولايات المتحدة الأميركية في أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين

 

 

 

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !