الإصلاح بالمنشار

منذ أسبوعين تقريبا و العالم يعيش حالة من الصدمة و الذعر بعد إختفاء الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” و الأنباء التي ظهرت حول تفاصيل قتله .

وليس مردّ الصدّمة إختفاء مفكر أو ناقد سعودي, فالأمر أصبح عاديا في السعودية -أو أريد له ذلك -وسط صمت دولي يصل إلى مرحلة التواطئ أحيانا .

وحتى حين يريد أحدهم الإحتجاج, يسارع “محمد بن سلمان ولي العهد” إلى محفظته ,و يسدّ بها الأفواه,المحتجّة و في حال تمادي دولة ما في نقدها فإنه يسارع إلى قطع علاقة ممّلكته معها, كما حدث مع كندا منذ أشهر ,مع إستثناء الأمريكيين طبعا, رغم أن ترامب يتعامل معه كما يتعامل لبّان مع بقرة حلوب, فهو دائما ما يصرخأمام وسائل الإعلام, مطالبا السعودية بالدفع, و يمنّ عل ال سعود مجهوداته في إبقائهم على رأس السلطة .

هذه المرة,كانت مغايرة جدا, من ناحيتي الشكل و التوقيت على الأقل , فمع إقتراب مؤتمر الإستثمار السعودي ,و تفعيل الشعارات الإقتصادية ,التي رفعها بن سلمان في الدعوة إلى التخلي عن الإقتصاد القائم على عائدات النفط ,مقدما رؤيته الإقتصادية و التي إصطلح على تسميتها برؤية 2030.

إضافة إلى إستعداد الكونغرس لإجراء إنتخابات تتغير معها قواعد اللعبة بين الحزبين الأكبر في أمريكا

إضافة كذلك, الى المخاوف الأمميّة بتفشي المجاعة في اليمن, مع تدهور الأوضاع الإقتصادية داخل السعودية, و  المضي قدما في سياسة التقشف التي تبناها بن سلمان منذ توليته للعهد.

زيادة على الأجواء المشحونة مع تركيا ,و حديث بعض الناشطين عن تورط أجنحة سعودية في إنقلاب تركيا.

وسط كل هذه الأجواء توجه فريق من القتلة يحمل جوازات سفر “ديبلوماسية “للقيام بعملية إغتيال, هي الأغبى في العالم من الجانب الأمني في التنفيذ  و  من الجانب السياسي في محاولة التغطية عليها.

فمنذ اليوم الأول تمكن الأتراك من تعقّب الجناة و فضّح الجريمة  و إرّباك الفاعل السياسي السعودي, الذي بدا فاقدا للحجّة أمام المناورات التركية.

فمن الناحية الأمنية من المهم جدا الوقوف عند المنفذين .

و كما يبدو, فإن بن سلمان إستعان بمجموعة من الهواة من خارج المؤسسات الرسمية للدولة .أربعة منهم من حرسه الشخصي ,و هو ما يدل على أن العملية أديرت بعقل متعجل لم يدرس الثغرات و لا حتى التداعيات ويعتقد أن بن سلمان كان يعتقد بقدرته على إخراس الأفواه المنددة في حال كشف الجريمة, و عوّل على عقيدة الصدّمة و  الرعب التي احترفها منذ تنصيبه وليا للعهد.

غير أن هذه المرة ,كانت الجريمة أكبر من أن يدفع ثمن للسكوت عنها,  و قد تطيح ببن سلمان كما اشار إلى ذلك وزير الخارجية الأمريكي “بومبيو” قائلا بأن مستقبل بن سلمان كملك على المحك .

تركيا من جهتها تعاملت مع الأمر “ببرغماتيه” و اضحة و مناورات دقيقة, فألقت طوق النجاة لبن سلمان, الذي لم يجد فكّ شيفراته ,حين قالت أن الدولة العميقة السعودية تقف وراء الجريمة ,لترد السعودية ان الدولة التركية العميقة هي من قامت بالجريمة ,و  امام التوعد الأمريكي ظهر المقربون من بن سلمان يهددون العالم ويتوعدون وهم يشيرون إلى سلاح النفط ,في ترجمة واضحة للإرتباك الذي تعيشه المملكة السعودية و اللخبطة, و  عدم القدرة على إدارة الأزمة .

التسريبات التركية تسير وفق إيقاع معين ,و وفق ارادة سياسية و اضحة ,بدأت بإخضاع السعودية و جعلها تفتح ابوابها امام المفتشين الأتراك ,لتنتهي ربما بإبعاد وليّ العهد عن العرش.

من الجهة الأخرى, لم يبق في الادارة الامريكية من هو متشبّث ببن سلّمان سوى ترامب وجماعته. و الذي يتّهم بإمتلاك أصول في السعودية وهو مانفاه. بإعتبار ان الادارة الأمريكية بدأت تدرك حاجتها لأمير أكثر حنّكة و أكثر قدرة في المناورة للحفاظ على مصالحها في المنطقة و مواجهة إيران .

لا أحد يستيطع الحسم بشأن نهاية الأمر, غير أن التاريخ علمنا أنّ لا صديق دائم للأمريكيين و لا عدو كذلك .و  قد يكون الصعود الصاروخي لبن سلمان شبيها بسقوطه الصاروخي .و لن تنفعه في ذلك صفقة القرن و لا التقارب مع الإسرائلي  .      و نهايته قد تعني تغيرا مهما في المنطقة وخاصة في مصر و الإمارات ,و قد تعني نهاية حرب اليمن التي أصبحت تشكل ثقلا على صناع القرار في العالم بسبب عبثيتها وحجم الجرائم التي نتجت عنها.

من جهة أخرى بن سلمان الذي يسعى كما هو واضح الى تفكيك الدولة عبر ملشيات امنية خاصة به تنفذ اجنداته وليس بعيدا عن ذلك قضية اعتقال الامراء و التي نفذتها اجهزة من خارج الدولة .

يريد رجاله اقناع الداخل السعودي, بان المملكة تتعرض لحملة غير مسبوقة ,من خلال التماهي بين الدولة وبن سلمان غير ان العالم لا يريد التامر على السعودية .و كل ما يريده عالم خال من امير يتجول بمنشار و يقتل المفكرين و يقمع الحريات .

امير برتبة زعيم عصابة لا ولي عهد مملكة ثم ان الوحيد الذي تامر على المملكة هو بن سلمان حين ارسل القتلة و اهان بلاده وورط شعبه في جريمة جبانة غادرة

 

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *