على أبواب انتخابات مصيريّة: لماذا يسعى البرازيليون للخروج من نظام فاسد ومتآكل؟

 يسرّ فريق انحياز نشر هذا المقال الأوّل، ضمن سلسلة من المقالات، التي خصّنا بها مناضلون وباحثون من البرازيل، في إطار تسليطنا الضوء على الانتخابات الرئاسيّة المصيريّة – لا فقط لهذا البلد، بل لأمريكا اللاتينيّة وباقي بلدان الجنوب – التي ستقع دورتها الأولى يوم 7 أكتوبر الجاري (ودورتها الثانية يوم 28 أكتوبر). ويهمّنا في هذا الصدد أن نشكر الصديقة نورس بلّيلي على المجهودات الكبيرة التي بذلتها في الاتصّال بالكتّاب وفي ترجمة المقالات.

N.B.  Below the original version (english) of
this article: “WHY BRAZILIANS ARE LOOKING FOR THEIR OWN ‘BREXIT’ FROM A CORRUPT AND
DECAYING ORDER ”


خاصّ بانحياز – رأي – ساوباولو (البرازيل)

جايسون ستيوارت كانتي *

 ترجمة نورس بلّيلي


أصبح  من الشائع أن نقرأ مقالات لا حصر لها وأن نسمع  عددًا  لا يحصى ولا يُعَدّ من النُقَادّ الذين يطرحون الرأي القائل بأنّ هذه الانتخابات الرئاسية في البرازيل، التي تُعَدُّ الثامنة [منذ انتهاء الحكم العسكري سنة  1985]، هي الأهمّ منذ عودة الديمقراطية.  لكي أكون منصفًا، هذه  أكثر من مجرّد مبالغات صحفية .فهناك الكثير على المحكّ في هذه الانتخابات. ليس فقط بالنسبة لمستقبل البرازيل، بل ولمستقبل أمريكا الجنوبية والعالم أجمع.

من مظاهرات الحركة النسويّة البرازيليّة ضدّ مرشّح اليمين المتطّرف – مدينة ساو باولو يوم 29 سبتمبر المنقضي.
(الصورة من موقع Midia Ninja.org)

الأزمة التي تواجه البرازيل هي اقتصادية، مؤسّساتية، سياسية، أخلاقية واجتماعية في آن واحد .وهذه القائمة ليست شاملة بأيّ حال من الأحوال. لكن السؤال هو: كيف وصلنا إلى هنا؟ وأين نحن ذاهبون؟ الجزء الثاني من هذا السؤال محفوفٌ بالمخاطر.

 

لا يمكن للمرء أن يُقلّلَ من أثر الصدمات الاجتماعية التي سبّبها أطول وأعمق ركود  في تاريخ البرازيل، مع فرض حكومة ميشال  ثامر النيوليبرالية لبرنامج تقشّف  يدوم 20 سنة. وهو يعتبر الأقسى  في كلّ ما مضى من سياسيات مشابهة، ويهدّد لا فقط  بإزالة المكاسب الاجتماعية التي تحققت خلال سنوات  الرئيس الأسبق لولا، بل ويعرّض أيضا للخطر حتّى، على سبيل الذكر، مكسب الراتب الثالث عشر  الذي حُصِّلَ في إطار الحقبة الإصلاحية للرئيس المخلوع من العسكر  جواو جولارت سنة 1962.

في سياق ذي صلة، نشرت المجلة الطبية المرموقة  “The Lancet” ، أقدم وأعرق المرجعيات في العالم، رسالة مفتوحة في  عددها  10149 في سبتمبر المنقضي بعنوان “كارثة الصحّة في البرازيل”. حيث حذّرت  من ارتفاع  معدّلات  أمراض ووفيّات الأطفال نتيجة التقليص في اعتمادات برنامج مكافحة الفقر. الجنرال المتقاعد انطونيو هاملتون موراو، نائب مرشّح اليمين المتطرّف يائير بولسنارو، تحدث كذلك عن رغبته في إلغاء دستور عام 1988 الذي ينصّ على حماية الحرّيات المدنية ويضمن حقوقًا اجتماعيّة مثل الحق في الراتب الثالث عشر. فإن أمكن شطب هذه الحقوق بمجرّد نزوة جنرال متقاعد،  فإنّه يمكن اعتبار النظام  الدستوري  الديمقراطي، الذي يفترض أنه  يحكم البرازيل، محضُ خدعة.

هناك تهديد يلوح في الأفق بقطع مفاجئ مع ديمقراطية  الدستور، سواءً من خلال انتخاب  اليميني المتطرف بلسونارو أو عبر انقلاب كلاسيكي صُمَّم لإزاحة مرشح حزب العمّال فرناندو حدّاد. وهو تهديد لا يمكن أن ننحّيه جانبًا كما لو كان مجرّد هذيان. فليس موراو فحسب من عبّر عن هذه النوايا، بل أنّ قائد الجيش الجنرال فيلاس بواس أثار أيضا  فرضية كبرى للتدخل العسكري في صورة عودة الرئيس السابق المسجون اناسيو لولا دا سيلفا إلى السلطة اذا تمّ انتخابه. التهديد هنا حقيقي بما فيه الكفاية حتى لو لم يتمّ التصريح به بشكل واضح في أغلب الأحيان.

المرشّح اليميني المتطرّف بولسونارو بريشة رسّام الكاريكاتور البرازيلي، الفلسطيني الأصل، كارلوس لطّوف.
(الرسم من صفحة الفنّان كارلوس لطّوف)

وعلى ضوء هذه الخلفية المتقيّحة، أصبحت الانتصارات ثمّ المحن والفشل الذريع لحزب العمال خلال سنوات من حكم لولا وديلما أكثر وضوحا من أيّ وقت مضى. فأكبر فضيحة فساد في تاريخ البرازيل حدثت تحت قيادة اليسار، ولذا يجد العديد من البرازيليون  صعوبة في إعفاء الرئيسيْن لولا وديلما روسيف من اللوم على هذا الوضع .فشل حزب العمال في الاعتذار  بشكل  صريح أمام الشعب  بسبب مشاركته  في رشاوى بمليارات الدولارات ينمّ نوعا ما عن غطرسة. فإلى جانب فشله في استئصال الفساد بشكل فعّال، أذنب حزب العمّال بعدم  استثماره في اقتصاد متنوّع وفي البُنية التحتيّة خلال سنوات الرخاء. كذلك أحبط اعتماد حزب العمال على الائتلاف مع أحزاب اليمين والوسط الدينية في الكونغرس جهوده لإصلاح قوانين الإجهاض وإنشاء فئة منفصلة من جرائم الكراهية ضد المثلية الجنسية. إلّا أنّ أكثر ما لا يمكن قبوله بالنسبة للغالبية من البرازيليين هو الفشل في تحسين التعليم وفي إزالة الفوارق الطبقيّة الشاسعة والحالة المتدهورة لسيادة القانون والأمان في بعض الولايات، حيث يبلغ متوسط ​​معدّل جرائم القتل 60.000 شخص سنويا.

كل هذا يترك البرازيل تتأرجح على حافة الهاوية. سنواتٌ من الإحباط في ظلّ نظام متدهور أدّى بالعديدين إلى التساؤل حول ما إذا كانت الديمقراطية تستحق كل هذا العناء، فهي  تبدو صعبة المنال.

فخطاب بولسونارو، الجدير بالتصديق بالنسبة للبعض، الداعي إلى القطع التامّ (كخروج أو كـ”بركسيت”)مع نظام مرتبط بماضٍ فاسد أصبح مغريًا للكثيرين، وقد ينجح في المراكمة والوصول إلى نقطة تحوّل. وحتى لو حُسمَت  الانتخابات المقبلة  لصالح حدّاد،  فإنّ بولسونارو لن ينتهيَ قريبًا. إذ أنّه نجح في تعبئة وتوجيه موجة من الغضب الجماهيري الشديد التي لم يعد من الممكن كبحها.

قد نرى إذنْ نشأة برازيل جديدة قريبًا. ولكن لا يمكن التنبّؤ بمعالمها بأيّ حال من الأحوال. فقد تكون منفتحة، متسامحة، ديمقراطية وقد تصير أيضًا قومية واستبدادية.

(*) مدرّس لغة إنجليزية وباحث مستقلّ مقيم  في ولاية ساو باولو البرازيل

brazil-elections-2018

———————————————————————-التحرير: الأفكار والمواقف المُعبَّر عنها في مقالات الرأي تُلزم أصحابها فقط، بغضّ النظر عن موقف فريق تحرير الموقع من مضمونها.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *