تحقيق ميداني + فيديو | كيف اجتزنا الحدود إلى الجزائر، ذهابًا وإيابًا، ومعنا مسدّس؟

 

محمّد بوكوم

صحفي مستقلّ، مدوّن وناشط

 

خاصّ – تحقيق – انحياز 

يشير الشرطي الجزائري الى السيارة ذات اللوحات المنجمية التونسية بالتوقف الى جانب الطريق ثم يطلب جوزات السفر ويقلبها بسرعة، قبل أن يعيدها الى اصحابها محتفظا بواحد وهو يبتسم الى صاحبه متسائلا: هل تحمل دينارا ؟ يسلّمه صاحب الجواز “دينارا” ويستعيد جوازه ويسمح له الشرطي بالمرور.

يحدث هذا الأمر بصفة روتينية عند أوّل حاجز شرطة بعد معبر أمّ الطبول الرابط برًا بين تونس و الجزائر.

و سبب احتفاظ الشرطي بجواز السفر التونسي قبل طلب المال هو، كما فسرّه لي  مرافقي المعتاد على السفر الى الجزائر، هو التأكّد من عدد تصريحات العبور  التي يحملها القادمون الى بلده.  فإنْ كانت المرة الاولى، يسمح الشرطي لصاحب الجواز بالمرور دون أن يطلب منه المال، أمّا اذا كان كثير التردّد فهو يعرف شروط اللعبة.

رغم أنّ المبلغ زهيد فإنّه أثار داخلي العديد من التساؤلات حول الطريقة التي تتعامل بها الاجهزة الامنية بمختلف تشكيلاتها مع العابرين بين حدود تُعتَبر من المناطق الاكثر حساسية. خاصّة وأن المعبر شهد، من الجهة التونسيّة، عملية قبض على أوّل ارهابي مُسلَّح سنة 2011 على يد أعوان الجمارك (الديوانة).

ورغم أنّ الطرفين، الجزائري والتونسي، يُبديَان حرصا شديدا على الاجراءات الأمنية بين حدودهما (طلب ترخيص للسفر لمن هم دون 35 سنة بالنسبة للجانب التونسي وانتشار مكثّف لمختلف التشكيلات الامنية الجزائرية باستثناء الجيش والدرك ) الّا انّ ما يحدث هناك يحمل الكثير من عمليات الإستفهام.

وعليه قرّرتُ اختبار الأمر بنفسي رفقة بعض الأصدقاء الذين يقومون أحيانًا بتمرير بعض السلع بين الحدود عبر المعابر الرسمية، مستندين في ذلك لشبكة علاقاتهم الواسعة مع الأطراف الامنية التونسية وللمبالغ المالية التي يقدمونها الى الشرطة الجزائرية.

ولأنّ تهريب السلع ليس بخطورة تهريب السلاح قرّرتُ حمل مسدّس بلاستيكي معي والذهاب به الى الجزائر، بعد قطع جزء هام من الطرق التونسية ومن ثمّة الدخول الى عمق الجزائر.  وذلك في اختبار أمني قد يحمل اجابات لكلّ تلك الاستفهامات التي بدأت عند أوّل حاجز شرطة داخل الجزائر. وهو ما حصل خلال الخريف الماضي.

التقينا للسفر على الساعة الثانية ( أتحفّظ هنا على نقطة الانطلاق حماية لمن سافرت معهم ). وضعتُ المسدس وسط حقيبة ظهر وانطلقنا في اتجاه الجزائر. في الطريق صادفت العديد من الدوريات التابعة للحرس و”الديوانة” وكان بعض عناصرها مكشوفي الظهر واخرون في مواقع تسمح لي، لو كان المسدس حقيقيا، بإطلاق النار على ظهورهم.

 

ومع اقترابنا من مدينة طبرقة اوقفتنا دورية حرس. اتّجه أحد اعوانها بمفرده نحونا دون حماية من زملائه المنشغلين بمراقبة السيارات الاخرى. طلب أوراق السيارة وألقى نظرة سريعة على الركّاب ثم سمح لنا بالمرور.

واصلنا طريقنا الى آخر حاجز تونسي قبل المعبرـ وكان الحاجز بمثابة نقطة  ثابتة تنتصب امام مركز ديوانة- والعنصر القائم على الحاجز داخل سيارته غير مكترث للسيارات المتجهة الى الجزائر.

خفّضنا من سرعتنا وتجاوزنا الحاجز في اتجاه المعبر التونسي ملُّولة حتى نُتمّ اجراءات العبور.

و عند مركز العبور أخذت معي حقيبة الظهر وداخلها مسدّس بلاستيكي. ودون أن ينتبه أحد أو يطلب تفتيش الحقيبة، حصلت على تصريح مغادرة من تونس.

على الجانب الجزائري كان الأمر يسير ببطئ شديد. وكانت حقيبتي على ظهري دون أن ينتبه اليها الجزائريون رغم أنّنا قضيّنا قرابة الساعتين للحصول على تصريح الدخول.

و بحصولنا على التصاريح اتجهنا الى الجزائر. وعند النقطة الديوانية سألنا أحد عناصرها عن كمّية المال التي نحملها وهدّدنا أنّنا في حالة كذبنا عليه سيصادر اموالنا، فأجبناه بأرقام مغلوطة في حين أنّنا كنّا نخفي أموالا في الاطار الخلفي للسيارة.

ترَكَنا نعبُر مكتفيا بإجابتنا دون ان يكلّف نفسه تفتيشنا ولا فتح حقائبنا. وعند أول حاجز تكررت قصة الدينار بنفس الطريقة التي تحدُث دائما : يحتجز عون الشرطة الجواز الذي يحمل اكبر عدد من التصريحات ثم يحصل على ديناره ويسمح  للوافدين بمواصلة طريقهم.

دخَلنا الجزائر ليلا حاملين أموالا مُهرّبة ومسدسا بلاستيكيا. وبمجرّد تجاوزنا الحاجز الاول بكيلومترات قليلة اتّصل مرافقي بأحد تجار العملة في السوق السوداء. تجادل معه قليلا حول قيمة الصرف ثمّ قمنا بتغيير جزء من الاموال واتجهنا نحو العمق الجزائري.

طيلة مئات الكيلومترات لم تصادفنا دورية واحدة في بلد مازال يعاني من الارهاب وخرج لتوه من عشرية دموية حصدت أرواح مئات الآلاف.

أصاب مرافقي التعب فتولّيت القيادة بدلا عنه. ولأنّي لم أكن متمكنا من نواميس السفر إلى الجزائر، سهوتُ عن أنّ القيادة في بلاد تعيش حالة طوارىء دائمة مختلفة عن القيادة في غيرها، فقد مررتُ بدورية درك دون ان أطفأ انوار السيارة و أخفضّ السرعة الى الدرجة الدنْيا.

اوقفتني الدورية الى جانب الطريق وبدا عون الدرك مستغربا وهو يطلب جوازات السفر. وحين أدرك أنّني غير متعود على زيارة الجزائر، نبّهني الى وجوب اطفاء ضوء السيارة عند معابر الدرك وتخفيض السرعة الى الحد الادنى لتجنب العواقب. ثم سمح لنا بمواصلة الطريق دون ان يطلب تفتيش السيارة ولا حتى فتح الحقيبة الخلفية.

أخبرني مرافقي ان الدرك هو اكثر الاجهزة انضباطا وهي العمود الفقري للأمن الوطني في الجزائر ويشكّل القبضة الحديدية للسلطة في معركتها ضد الارهاب.

وصَلنا الى النزل أين قضيّنا ليلتنا الاولى، ومن الغد شرعنا في التزود بالسلع وكان من بينها سلع مدعمة يمنع اخراجها من الجزائر. أخفيْنا بعضها بعناية وأظهرنا القليل منها كما طلب مرافقي. في البداية، استغربتُ من ذلك لكنّي فهمت نيّته عند المعبر في طريق العودة إلى تونس.

فعندما فتح عون “الديوانة” الجزائري حقيبة السيارة الخلفية وجد بعض المواد المُدَعَّمة فطلب بإنزالها، فيما اتجه زميله الى السائق وطلب رشوة مقابل إثناء زميله عن مصادرتها. كانا يلعبان دور الطيب والشرير. قدّم السائق 10 دنانير مقابل العبور، فأغلق الديواني الحقيبة الخلفية للسيارة بعد ان أعاد لنا السلع مردّدا بابتسامة عريضة: ” أنا هنا اقوى من رئيس البلاد.” عندها فهمت الغاية من ترك بعض السلع المدعمة ظاهرة، وذلك حتى تشد انتباه اعوان الديوانة عن السلع الاخرى. وتمكّنا من المرور دون تفتيش، ونجا المسدس ايضا من المصادرة.

المسدّس البلاستيكي (اللعبة) داخل المستودع الخلفي للسيارة.

وعند العبور الى الجانب التونسي، نزل مرافقي من السيارة وأخبر القائم بالتفتيش بأنّه على صلة قرابة بأحد الكوادر الديوانية العليا فسمح لنا بالمرور، مكتفيًا بفتح غطاء السيارة وإرجاعه دون القيام بالتفتيش اللازم.

وهكذا عدنا الى تونس ومعنا بعض السلع المهربة ومسدس بلاستيكي وبعض المال. أي ما يكفي ارهابيًا للقيام بعملية اغتيال داخل البلاد، وربّما النجاة أيضا بفعلته.

ويمكنكم كذلك مشاهدة الفيديو المرافق الذي يوثّق عملية اجتياز المعبر الجزائري بينما المسدّس البلاستيكي في الحقيبة الخلفية للسيّارة.

 

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *