رأيْ | في المقاومة الإجتماعية الميدانيّة المحليّة أفقٌ جديد لواقع قديم يتجدّد

محاولة للتفكير مجدّدًا… تجديد الفهم و تأصيله، في المقاومة الإجتماعية الميدانية المحلية أفق جديد لواقع قديم يتجدّد.

على كنيس

ناشط إجتماعي وباحث، طالب ماجستير في العلوم السياسيّة.

لم يكن الوقت مناسبا أن أكتب حول هذا الحراك لأنني أصلا لم أرى الكتابة أولوية لكنني و أنا أكتب هذا النص لا أبدّ من التأكيد أنه ليس تحدّيًّا التموقع داخل هذا المشهد في إطار إنتاج نخب شبابيّة مهيّئة للقيام بأدوار ليس بالضرورة أن تكون هي إختارتها أصلا و قد يكون البعض منها إختارتها.

إن قراءة هذا الحراك الحالي عملية تتطلب إما إعادة بناء فهم هذا الواقع و تفصيلاته أو أنّ الكتابة ستكون مجرّد تحبير للورق أو تلوين أسود لشاشة الحاسوب. لماذا يستمرّ الحراك منذ سنوات دون أيّ أفق إنني لم و لا أدّعي إمتلاك الحقيقة هنا و لكن أجادل أنّه هناك إشكال يقع التغافل عنه دائما(التغافل ليس بالضرورة متعمّدًا دائما لكنه قد يكون متعمّدًا في وضعيات محددة).

إنّنا أمام نخب سياسية لم تعيد إستستاخ المشهد ذاته مع بعض التلوينات المخزيّة. إنّ النخب التقليدية للنظام المهيمنة على المشهد منذ أكثر من ستينا عامًا يفهمُ تموقعها و خياراتها و هو أمر لست بصدد نقاشه هنا. لكن إذا كانت حركة النهضة أعادت إنتاج نفسها لتقدّم خطابا و “مشروعًا” يستجيب لشروط النظام. فأين هي النخب الأخرى أي اليسارية و تشكيلاتها المختلفة السياسية (الجبهة الشعبية خصوصا) لابدّ من من قول الكلمة واضحة و دون مواراة إنّ هذ النخب و تنظيماتها أضحت جزءًا من النظام إنها معارضة النظام و لن تساهم إلاّ في ترسيخ وجوده لأنها من ناحية مركزية الثقافوي في خطابها و جهدها فلم تعد تُخاصم النهضة إقتصاديا بعد أنّه أعادت تحديد تناقضها الرئيسي(مثال ذلك حالة إعتصام الرحيل الذي مثّل المدخل عودة النظام الذي لم يغب تماما). أما فيما تعلق بتشكيلات الحراك، التيار الديمقراطي فإن خيارها هو المحافظة على المكاسب الليبرالية السياسية (مسألة الحريات) أما إقتصاديا فإن موقفها دعم التوجهات اللنيوليبرالية و عقيدة السوق و الإستثمار الخاص و دور الدولة التعديلي بناءً على أيديولوجية البنك العالمي المتمركزة حول الشفافية و محاربة الفساد.

إن هذه المأزق/الأزمة ليس(ت) وليد(ة) اليوم إنه نتيجة لواقع ما بعد الإستعمار الذي أنتج دولة عميلة تابعة و النقاش حول الدولة أو النظام يظلّ تفصيليًّا لأن الدولة هي دولة النظام. إنّ أهمّ ما فعله مسار 17 ديسمبر الثوري المنقطع أن كشف الحجاب عن دولة ما بعد الإستعمار و تركها عارية أمام ضحاياها. فنحن الآن جميعا أمام مسألة رغم كلّ محاولات التغاضي و التغافل عليها فإنها ستبقى حاضرة تواجهنا، إن فشل حركات التحرر من الإستعمار (القديم) هو ما أدّى لهذا المسار الذي عشناه و نعيشه و هذا يعني ضرورة فهم مسار حركات التحرر من الإستعمار و عدم إعادة إنتاجه و خاصة إعادة إنتاج فشله. لذلك من المهمّ التأكيد أن أغلب الحركات السياسية ما بعد الإستعمار  على طول الستين عاما و أكثر إنتهت لأن تكون جزء من النظام لأنها تطوّرت لتصبح رهينة لمسار دولة النظام التابعة العميلة التي أعادت إنتاج الهيمنة و أضافت إنتاجًا لهيمنة داخليّة لأنّ هذه الحركات كانت في مواجهة لهذه الدولة و إنتهت لمواجهة دولة النظام بشروطها مع أن بعضها منذ إنطلاقتها كانت خاضعة لشروط دولة النظام في بنية أفكارها و أصول مؤسسيها الإجتماعية (الطبقية و الثقافية).

إذا ما العمل؟ يسألني صديق، إن العمل يقتضي أولا إدراك هذا المأزق و إستيعابه و العمل على التفكير على بدائل و هي غير موجودة و كل ما يتمّ الحديث عنه عن بدائل هي بدائل بشروط النظام. و في نفس الوقت الإحتجاج السابق و الحالي و القادم في رحم الغيب سيتواصل إلى أن ننجح معًا في إستيعاب المأزق و هي عمليّة عسيرة لكن مع تجذير الإحتجاج. يبقى التأكيد أن التنظّم الإجتماعي السياسي المقاوم لا يمكن أن يكون كما هو حاليا مقطوع الأوصال عن الواقع مختصر في نخب في المركز ترفع مطالب جذريّة (وليس الجميع يرفع تلك المطالب الجذريّة). إنّ التنظّم الآن و هنا يعني الإنطلاق على قاعدة المحلي وفي سياقه. و العمل مع ضحايا النظام الذين ترفع المطالب من أجلهم و هو أمر عسير جدًّا و هنالك الآن محاولات جدّية في هذا الإتجاه من خلال جهود المتواجدين في التخوم و الهوامش و هي الأمل الحقيقي و التحدّي تجذيرها و مواصلتها.

تلك هي المعركة التي يَحُقّ أن ننحاز لها ما وسعنا ذلك و أن نبذل الجهد ما نستطيع ما كلّ الموجودين في أرضهم و بين أهلهم ينجزون المقاومة الميدانية. و إذا كان هنالك نقائص في ما ينجزون في إنّ إتمامها يكون بشروط واقع المحلّي و ليس بشروط مناضلي المركز أو الذين إندمجوا في ثقافة المركز. و هذا لا ينفي الإستفادة من خبرات مناضلي المركز حسب خصوصية واقع المحلّي.

 

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *