احياء “ذكرى الثورة” في منزل بوزيان : العودة إلى نقطة البداية

 

من مقرّ “دار التجمّع” (سابقًا) بمنزل بوزيان، حيث كانت تكتب التقارير عن المناضلين و ترُسل صور وفيديوهات المحتجين إلى السلطة، انطلقت فعاليات يوم الغضب بالجهة يوم الإثنين 24 ديسمبر الجاري. إذ صار هذا المقرّ اليوم يُسمّى “دار الشهداء” وبه تمّ تنظيم التظاهرة.

بأبسط المستلزمات و دون أي تكلّف أو أموال أو دعم ، نظّم أهالي منزل بوزيان وأساسا معتصمو حراك 24 ديسمبر هذه التظاهرة الفنية الغاضبة: عروض سينمائية ومسرحية وفنية تعبّر عن الواقع المعيش. عن واقع “تونس الأخرى المقموعة إعلاميا”، كما أكد، على ذلك، في تصريح لـ إنحياز الفنّان سامي نصري، وهل أصيل الجهة وأحد منظّمي التظاهرة.

أوضح النصري أنّه يسعى اليوم إلى “تكريس فنّ المقاومة في إطار السعي لترسيخ ثقافة ملتزمة بقضايا الشعب الحقيقية وقادرة على مقاومة ما تسوق له السلطة وإعلامها على أنه فنّ”، حسب تعبيره.

وتأتي هذه التظاهرة الفنيّة في الوقت الذي تعيش فيه معتمدية منزل بوزيان  (ولاية سيدي بوزيد) منذ ديسمبر 2010 على وقع الإحجاجات الإجتماعية ورفض سياسات الدولة. إذ يعتبر شباب الجهة أنّ هذه السياسات المجحفة تزيد في توسيع هوَّة التمييز السلبي بين الجهات، كما يرون فيها استمرارًا للحيف لهذه المدينة التي أهدف للثورة أوّل شهيدين سقطا برصاص البوليس: محمد عماري، الذي سقط يوم 24 ديسمبر 2010، وشوقي نصري.

 

الصورة في قرية النصر المجاورة لمعتمدية منزل بوزيان

شوقي ومحمد مثل باقي الشهداء لم ينصفهم القضاء ولا السلطة، التي لم تصدر إلى الآن القائمة الرسمية للشهداء، فضلا عن عدم تحقيقها مطالب مسار 17 ديسمبر التي ثار لأجلها شباب تونس.

وصرّح لنا زياد عباس، أحد شباب الحراك بالجهة، أنّ يوم الغضب جاء أيضا تعبيرا عن رفض الأهالي لسياسات الدولة المتواصلة ولكل رموز الإحتفالات بشارع الحبيب بورقيبة وبعض المدن، “التي صارت تعكس فقط ما تريد السلطة أن تسوّق له”. وأضاف قائلاً: “الإحتفال بأكذوبة الإنتقال الديمقراطي والعدالة الإنتقالية هو أسوأ ما يمكن أن يحصل لشهداء وجرحى مسار 17 ديسمبر، إذ يغتال المطالب الشرعية والحقيقة التي صدحت بها أصوات المحتجين”. كما بيّن أنّ 24 ديسمبر الذي “مثّل نقطة البداية للحراك بالجهة سنة 2010، سيكون نقطة العودة إلى الشارع اليوم”.

وقد عبّرت قصيدة الشاعر علي زمّور “يقولولك ايجا صالح” عن المشهد الراهن.  كما تضمّنت التظاهرة أيضا عرضا لمسرح الشارع، أدّاه شُبّان من الجهة، ولخَّص كلّ ما يمكن كتابته طيلة سنوات وكان عنوانه “مخابرة” . فالشهيد قُتل مرّتين كما قالوا . والفكرة هي أنّه قُتبل مرّة ثانية من خلال بتبرئة القاتل و الإنحراف عن مطالب الثورة وعمّا استُشهد من أجله.

لم يكن يوما إحتفاليا كمثل ما نشاهده في 14 جانفي بين أشجار شارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة: المنصات و الخطب والمنابر ومصادح قيادات الأحزاب الحاكمة. كان يوما مختلفًا بصورة مختلفة، إحياءً للذكرى بحث من خلاله معتصمو حراك 24 ديسمبر عن نقل الواقع كما هو.

اعتصام حراك 24 ديسمبر 
هذا وقد بدأ الإعتصام منذ بداية شهر ديسمبر 2018 “إحتجاجا على غياب كل مظاهر التنمية التشغيل بالجهة”، كما وضحت ذلك آمنة زويدي الناطقة الرسمية بإسم الحراك. و اضافت أنّ “المطالب ليست شخصية، بل تشمل كلّ أبناء المنطقة المُطالبين بالعدالة الإجتماعية و انصاف جهتهم من الحرمان المتواصل منذ سنوات”. ففي حوصلة سريعة لما عاشته الجهة على مدى الثماني سنوات الماضية، قال زياد عبّاس “إنها لم تجن سوى التهم والقضايا”. فقريتيْ الإعتزاز والعمران خاضتا معركة لأجل الماء سنة 2012، واجه فيها الأهالي القمع والإيقافات والمحاكمات المتواصلة التي لا تزال تطارد أصحابها إلى اليوم.

هذا فضلا عن تلفيق التهم لشباب الحراك الإجتماعي، كتهمة تكوين وفاق وهضم جانب موظف عمومي وغيرها من القضايا التي زادت في محاصرتهم وتكبيلهم وحرمانهم حتى من حقهم في التنقل خوفا من الإيقاف. وهو حال بعض الشباب المناضل مثل زياد عماري وبلال عماري وصفوان بوعزيز. وحتى حمزة نصري الذي توفّي في حادث مرور، وهو لا يزال يطالب بحقه كجريح ثورة في العلاج، وكمعطل ومناضل لأجل التشغيل، كان متهمًا بتلك التهمة المعهودة: “هضم جانب موظف عمومي أثناء أدائه وظيفته”.

وحتى الجرحى لم يجدوا نصيبهم من الدولة، ولو في أبسط حقوقهم وهو العلاج . ولا ننسى أن الحديث عن التنمية والتشغيل بالمنطقة لم يتجاوز مستوى التصريحات الإعلامية، في بلدة تفتقر لأبسط المؤسسات العمومية.

تداعيات قضية “المعتمد المُخبر”
هذا وأفاد الشباب أنّه على اثر قرصنة حساب الفيسبوك لمعتمد منزل بوزيان، تمّ اكتشاف أنّه ينسق مع بعض قيادات حركة النهضة لأجل إجهاض الحراك وتلفيق التهم وتعطيل الشباب المنادي بالتشغيل. وأنّه كان يخبرهم بكل التطورات ويستشيرهم في كل خطوة يقوم بها. حتى أنه سخَّر بعض الأشخاص للعمل لفائدته كمخبرين، يرصدون تحركات المواطنين وأحاديثهم. وهو الأمر الذي أثار غضب الأهالي و جعلهم ينادون بإستقالته، إلّا أنه لقي المساندة من أنصار الأحزاب الحاكمة. إلّا أنّه لم يلبث أن طُردَ نهائيًا من المدينة.

تعود منزل بوزيان إذن إلى نقطة البداية. من دار الشهداء، حيث بدأت الاحتجاجات حين كانت مقرًا للحزب الحاكم، ليكون 24 ديسمبر كما يريده الحراك الشعبي وليس كما تريده الأحزاب الحاكمة.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *