الحراك الاجتماعي بالمظيلة “المنجميّة”: لو يذكُر الفسفاط أبناءه لصار السمَاد دمعًا.

تقرير :الهادي الزعراوي – ولاية ڨفصة

تعيش مدينة المظيلة منذ فترة على واقع الإحتقان الذي رافق التحرّكات الاجتماعية من أجل التشغيل والتنمية العادلة، وقد كان للسلط المحلية والجهوية دور رئيسي في تأجيجه عبر ممارساتها. إذ تعتمد سياسات التسويف والمماطلة تجاه مطالب المحتجين الرافعين شعار انتفاضة 17 ديسمبر: “شغل، حرية، كرامة وطنية”.

وقد أخذت الاحتجاجات أشكالا مختلفة، بدءا بالمسيرات والاعتصامات لتصل إلى اضرابات الجوع. إذ ينفّذ ثمانية من عمّال المناولة (من مجموع 198 عاملا) بالمجمع الكيميائي التونسي 1 بالمظيلة اضرابا عن الطعام، منذ غرّة أكتوبر الجاري. وذلك بعد أن اعتصموا منذ 17 سبتمبر 2018، مطالبين بتسوية وضعياتهم صلب المؤسسة والقطع مع نظام المناولة، تطبيقا للاتفاق الحاصل بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل بتاريخ 22 أفريل 2011. ورغم وعود السلطة بإلغاء العمل بالمناولة بصفة رسمية إلا أن معاناة العمال ما تزال متواصلة. وقد تدهورت الوضعية الصحية للمضربين عن الطعام، إذ تمّ يوم الاثنين المنقضي نقل ثلاثة منهم إلى المستشفى المحلّي لتلقّي الاسعافات، حيث بيّنت الفحوصات أنّ حالتهم الصحية حرجة وهو ما يستوجب ان يرقدوا بالمستشفى.

صورة للمضربين عن الطعام
(المصدر: من إحد صفحات فيسبوك)

من جهة أخرى، تظاهر كذلك، في نفس يوم الاثنين الفارط، عمّال شركة البيئة والغراسات بالمظيلة مطالبين بتفعيل نشاط الشركة وسنّ قانون أساسي خاص بهم. كما تمّ تعطيل نشاط إقليم المظيلة لشركة فسفاط قفصة و المجمع الكيميائي. وقد عرفت مختلف معتمديّات ولاية ڨفصة مسيرات احتجاجية حاشدة تطالب بتفعيل نشاط هذه الشركة.

 محاكمات المحتجّين وتنديد حقوقي

لم تتوقف المحاكم بجهة ڨفصة عن الإشتغال لردع المئات من المناضلات والمناضلين من أبناء مدينة المظيلة والحوض المنجمي عموما، على خلفية مشاركتهم فى الحركة الإحتجاجية التى تعرفها الجهة  منذ شهر جانفي الماضي من أجل التشغيل والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية، وما زالت تداعياتها متواصلة إلى حدّ اليوم.  إذ ما تزال المحاكمات تشهد تلفيق تهم كيدية للمحتجين، كما يرى هؤلاء. وذلك بهدف إيقاف الحراك عبر توظيف القبضة الأمنية والقضائية كأداة لتجريم الحراك الإجتماعي و للتغطية على فشل الحكومة. إذ تمّ مؤخّرا، في هذا السياق، توجيه 12 استدعاء للمحتجين من عمّال المناولة بالمجمع الكيمائي بالمظيلة للاستجواب لدى فرقة ارشاد الحرس الوطني بـڨفصة، بتهمة تعطيل انتاج الفسفاط.

وفي تصريح خاصّ بمراسل ’انحياز’ قال ،الناشط الحقوقي، عضو الهيئة  المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فتحي تيتاي:  ” منذ اكتشاف الفسفاط والعلاقة منحصرة في كمّية الإنتاج، فيما يتمّ تغييب العنصر البشري. مطالبنا اجتماعية، كالتشغيل والتنمية، ولا نريد لشركة الفسفاط أن تعوّض الدولة، لكن لا بدّ لها أن تنفتح على محيطها بإعتبارها المشغّل الوحيد بالجهة”.
وبخصوص نيّة السلطة بمحاكمة العمال المُضربين قال تيتاي: “لا بدّ من فتح باب الحوار بين السلطة والنقابات والمجتمع المدني لحلّ مشاكل الجهة”، مندّدا بتوظيف القبضة الأمنية والقضائية للردّ عن الحراك الاجتماعي بالجهة.

كنز تحت الأرض… وفقر فوقها

تواصل الإحتقان بمدينة المظيلة المنجمية  يعود، كما يقول أهلها، إلى تجاهل الحكومات المتعاقبة مطالبهم المشروعة، وتتمثل في: معالجة ملف التشغيل بالجهة وفق مقاربات تلبّي انتظارات المُعطَّلين عن العمل، الإسراع بإحداث المرافق العمومية ذات الصلة بالحياة اليومية للمواطن من قباضة مالية ومكتب خدمات إجتماعية وبنوك، وكذلك الإسراع بتطوير المستشفى المحلّي بالمظيلة إلى مستشفى جهوي صنف ب، إضافة إلى وضع حدّ للتلوث الصناعي من جراء افرازات المجمع الكيميائي التونسي بالمظيلة. وكذلك توفير الماء الصالح للشراب الذي يعرف انقطاعا مستمرا منذ سنوات، وهو مادفع الأهالي بالتزوّد بواسطة الصهاريج.

بعض شبّان المدينة يستعينون بمياه شاحنات الصهاريج اثر انقطاع الماء الصالح للشراب.
(مصدر الصورة: غير مؤكّد/ إحدى صفحات الفيسبوك)

فالمظيلة تعد حوالي 15300ساكن، وثد غادرها حوالي النصف في اتجاه الساحل أو قريبًا إلى مدينة ڨفصة. وترتفع بها نسبة البطالة، خصوصا في صفوف أصحاب الشهائد العلمية، ليبلغ عدد المُعطَّلين الـ 1300 مُجاز.

ورغم هذه الثروة الهائلة إلا أنّ الوضع متردٍّ والناس يعيشون البؤس والحرمان من أبسط الضروريات الأساسية. ولعلّ شعار “الكدّ في المناجم والمال في العواصم”،  الذي رفعه أهالي المظيلة إبّان انتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008، ومازال يُرفع لحدّ اليوم، هو أبلغ دليل على استبداد السلطة تجاه مطالبهم الأساسية.

 متى نتخلّص من نقمة الفسفاط؟

رغم مطالبة أهالي ڨفصة، وكافّة مكونات المجتمع المدني المحلّي، بإقرار نسبة من العائدات لفائدة الجهة لتمكينها من التنمية والتشغيل وبعث المؤسسات الكبرى إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تستجب لذلك. ويرى الكثيرون في الجهة أنّ الدولة لا همّ لها في هذه الثروة غير النهب مقابل بقاء الجهة منكوبة. كما وقع قمع جميع التحركات الإحتجاجية، ما أدّى إلى أن تعطّل  إنتاج تحويل الفسفاط بوتيرة شبه مستمرّة. كما تمّ تحريف البعض الآخر منها، بتأثير من رجال أعمال نافذين يسعون لبسط يدهم على هذه الثروة، وذلك عبر شركات نقل المواد المنجمية. هذا إلى جانب الفساد الإداري القائم منذ عقود من الزمن ولم تفتح ملفاته، خصوصا ما حصل قبل الثورة.

ويُذكر أنّ معتمدية المظيلة التابعة لولاية ڨفصة (بالجنوب الغربي التونسي) هي إحدى مدن الحوض المنجمي المنتج للفسفاط الذي اكتشفه الفرنسي فليب توماس في أفريل من سنة 1885، وتمّ على إثر ذلك بعث شركة فسفاط ڨفصة في بداية أفريل 1897. ويُعتبر الفسفاط إحدى أهمّ الثروات الطبيعية في تونس. إذ تساهم شركة فسفاط ڨفصة بشكل كبير في الإقتصاد التونسي، فنتج هذا القطاع سنويا حوالي 7 ملايين طن، تُقدّر مساهمة مدينة المظيلة منها بـ 2 مليون طن. وهي ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني نظرًا لوجود معمل كيميائي تونسي يُنتج ثلاثي الفسفاط الرفيع للتصدير خارج البلاد، فيما تذهب نسبة ضعية جدا إلى السوق  الداخلية  متمثّلة في مادتيْ الحامض الكبرتي والحامض الفسفوري.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *