انتخابات البرازيل: يجب ايقاف “كلب الفاشيّة” !

تشهد البرازيل اليوم، 7 أكتوبر، الدورة الأولى من انتخابات رئاسيّة مصيريّة لمستقبل البلاد، ولن تقف انعكاساتها عند حدود أمريكا اللاتينيّة، بل قد تتعدّاها إلى باقي بلدان الجنوب العالمي.

وقد اتّسمت هذه الانتخابات بتكالب اليمين الحاكم، بأجهزته القضائيّة والأمنية والإعلاميّة على الرئيس اليساري الأسبق لويس ايناسيو لولا داسيلفا (المعروف اختصارًا بـ”لولا”)، مرشّح حزب العمّال، بوضعه في السجن لتهم تتعلّق بالفساد دون أدلّة ومنعه من خوض الانتخابات رغم أنّه ظلّ الأكثر شعبيّة حسب آخر استطلاعات الرأي.

ومن أهمّ ما طبع هذه الانتخابات صعود أقصى اليمين، فيما يبدو أنّه جزء من موجة عالميّة مثّل ترامب أبرز عناوينها، من خلال المرشّح جايير بولسونارو. إذ ينحصر التنافس في هذه الانتخابات بين الأخير والمرشّح البديل لحزب العمّال فرناندو حدّاد (من أصول لبنانيّة)، الذي حاول في الأسابيع الأخيرة الاستفادة من اختيار ’لولا’ له لتدارك تأخّره في استطلاعات الرأي.

نواصل متابعة هذه الانتخابات في المقال أسفله، الذي خصّتنا به، مشكورة، الناشطة النسويّة كارولين براوليو، والذي يتناول ظاهرة بولسونارو ويناقش كيفيّة مواجهته. مع تجديد الشكر للصديقة نورس بلّيلي على ربط الصلة والترجمة.


Below the original version of the article (in portuguese).

رأي – ترجمة – بلدان الجنوب – خاصّ – ساوباولو

بقلم كارولين براوليو*

ترجمة : نورس بلّيلي

———————————————————————-

“كلب الفاشية دائم السُعار”،  برتولت بريشت 1898 –1956

ولكن من هو بولسونارو؟

هو سياسي وعسكري برازيلي.وهو يُعدُّ في الوضع التاريخي والاجتماعي الحالي شخصية رئيسية سلطويّة مؤثّرة، خاصة في صفوف الطبقة العاملة البرازيلية. هو مرشح يندّد بترسيم حدود أراضي الشعوب الأصلية والأمازون، يحظى بدعم الكنائس الانجيليّة ويساند انتهاكات حقوق الانسان والقانون الدولي الذي تمارسه الدولة الصهيونية. يمجّد العنف ضدّ المثليّين جنسيًا ويقول أنّ النساء يجب أن يحصلن على راتب أقلّ بسبب الحمل.

الحديث عن بولسونارو هنا لا يتعلّق بمجرّد حديث عن مرشح للرئاسة، أو عن سياسي محبوب لدى جزء من البرازيليّين. لكن من الضرورة مناقشة نزعة العنف (ليس فقط الجسدي، بل كذلك البنيوي) والوحشية التي وصل إليها مجتمعنا، والذي يعرّف نفسه كمجتمع متحضّر. إذ لا يهتمّ بولسونارو بوعي الطبقات العاملة، لكنّه بالمقابل يهتمّ كثيرًا بأهمية العلاقة الهرمية بين الطبقات لا يهتمّ بولسونارو بوعي الطبقات العاملة، لكنّه بالمقابل يهتمّ كثيرًا بأهمية العلاقة الهرمية بين الطبقات وبهيمنة التمييز، خاصّة منه على أساس الجنس والعرق.

 

صور من مظاهرات النساء في البرازيل ضدّ تهديد المرشّح اليميني المتطرّف بولسونارو لمكاسبهنّ.
(الصورة من موقع Midianinja.org)

لا يمكننا إنكار هشاشة الطبقة العاملة في الوضع السياسي الراهن. ويجب أن نطمح لتكون هناك تقاطعات داخلها بين مختلف مكوّناتها، فتجلب لبعضها البعض القوّة والنزاهة، وتعود من جديد قوّة فاعلة. ففي لحظات الاضطراب الاجتماعي يسرع الديماغوجيّون إلى إيجاد ‘حلول سهلة’ مثل: إنشاء مجموعات ذات طابع استبدادي أو مجموعات شبه عسكرية وإلى تبرير قمع الشرطة العسكرية للاحتجاجات كحلّ للصراع السياسي والاقتصادي والاجتماعي. بهذه الطريقة يصبح من الطبيعي أن مجتمعًا برازيليًا مشحونًا بالقومية يضعف فيه التضامن الأممي بين الطبقات العاملة. ويمكن أن يُفهمَ ذلك في سياق تداعيات تضخّم الأسعار وتدهور ظروف العيش العمّال في البرازيل، وما يرافق ذلك من تدحرج “الأنا” الفردية المتضخّمة في النظام الرأسمالي وتحوّلها بسبب قوانين التنافس إلى  مجرّد “أنا” عاطلة عن العمل لا تجد مكانا لها في المجتمع وتبدأ كلّ طموحاتها في الاضمحلال. وكردّ فعل على وضعها، يسهل على التيّارات المعادية للمهاجرين توجيهها نحو كراهية الأجانب، ومن ثمّة تنتشر مقولة: ” هو هنا لسرقة وظيفتي”.

من المظاهرات العارمة، التي شهدتها البرازيل، ضدّ مرشّح أقصى اليمين جايير بولسونارو.
(من موقع midianinja.com)

علاقة الهيمنة هذه هي مرآة ونموذج لمختلف علاقات التبعية داخل المجتمع. ابتداءً بالعائلة نفسها: التبعية الأبويّة، تبعية المرأة إلى الرجل، تبعية الزوجة إلى الزوج الذي يُعدُّ نموذج الهيمنة الاجتماعية في مجتمع مشروط بعلاقات ساديّة مازوخية. والتبعية هي نقطة مهمة في المجتمع الرأسمالي الذي يضعُ العمّال في مواجهة غيرهم من العمّال، كأساس دائم للعلاقات بينهم.

مناقشة ما يمثله بولسونارو بالنسبة لعلم النفس هو أكثر من مجرّد نقاش سياسي. إذ هو يتعلق بالأخلاقيات والواجبات تجاه حقوق الإنسان والدفاع عن الأقليات المُضطَهَدة. وكما قالت عالمة النفس هلينيس روشا: “يجّسد بولسونارو كلّ شيء نسعى نحن، كعلماء نفس، لمقاومته.”

من المهمّ كذلك التأكيد على أنّ الناخبات يجب أن يُمثلن سدًا منيعًا من المقاومة ضد بولسونارو. يجب أن تعمل الثوريّات مع القواعد الشعبية. يجب ايجاد فضاءات للنقاش حول الطبقات الإجتماعية والعرق والجنس، وخاصّة نقاشات بين المثليّين والمثليات والنساء اللواتي لا ينتمين إلى المركز، مثل النساء السود ونساء السكان الأصليين اللواتي يعانين من درجة متقدّمة من التهميش الاجتماعي والاقتصادي وتصل اليهنّ أيضا خطابات الجهل وتزييف الواقع السياسي والإجتماعي للبرازيل.

إلى ذلك، من المهمّ أن نفهم أن وَسْمَ (هاشتاڨ) Elenão (وتعني: هُوَ لا) ضدّ بولسونارو صار يرمز إلى أكثر من حراك نسويّ على الشبكات الاجتماعية. فهذه الحركة موجودة الآن في شوارع البرازيل، وحول العالم، ضدّ أيّ فكر أو سلوك عنصري أو كاره للنساء والمثليّين. ومع ذلك ينبغي ألّا يكون الأمر عبارة عن غضب مؤقت عابر، ينتهي بانتهاء الانتخابات البرازيلية. بل يجب أن يستمرّ وألّا يبرح الشوارع، إذ لا يجوز التسامح مع أي فعل أو شخصية تنادي بالفاشية، بل يجب محاربتها .

 

(*) ناشطة برازيليّة مستقلة وباحثة في الصحة النفسية في مناطق الصراع المسلّح.

Bolsonaro

———————————————————————

التحرير: الأفكار والمواقف المُعبَّر عنها في مقالات الرأي تُلزم أصحابها فقط، بغضّ النظر عن موقف فريق تحرير الموقع من مضمونها.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *