حول أزمة البلاد و”إزمة” الاتّحاد

 
 
من يقرأ البيان الأخير للهيئة الإدارية الوطنية لاتحاد الشغل، وما تضمنّه من عبارات نارية من نوع “المؤامرات التي تحاك على شعبنا” واتهام الحكومة بـ”الخضوع لاملاءات صناديق المال الدولية والارتهان إلى التعليمات المعادية لمصالح شعبنا ” و”انتهاج سياسة الأرض المحروقة” والخ. يخال أنّه سيُنهي البيان على دعوة للاضراب العامّ الشامل حتّى اسقاط هذه السلطة، أو على الأقلّ اسقاط الحكومة والتخلّي عن تنفيذ املاءات صندوق النقد المسمّاة زورًا بـ”الاصلاحات الكبرى”.
 
المسألة هي أنّ قيادة الاتحاد ليست معنيّة فعلا بافشال هذه “المؤامرات التي تحاك على شعبنا”. بل أنّ كلّ ما يعنيها هو الحفاظ على ماء الوجه وتحصيل بعض الوعود الكاذبة الجديدة (وهي التي تعلم وتقول وتكرّر أنّ هذه الحكومة لا تحترم اتفاقاتها) من أجل استمرار وجودها ومصالحها كفئة بيروقراطية متمعّشة من تمثيل أُجراء القطاع العامّ. وهو أمر لا يتمّ دون اتقان دورها الوظيفي في النظام القائم، والمتمثّل أساسا في ضبط نضالات الطبقة العاملة ضدّ الأعراف الرأسماليين في القطاع الخاصّ. وهذا ما يفسّر أن تصبّ هذه القيادة جام غضبها على شخص يوسف الشاهد، الذي تعتبر أنّه بصدد المسّ بمصالحها المتوافق عليها ضمنيًا عبر اهانتها وتهديد مشروعيّتها أمام قاعدتها الطبقيّة المُستهدفة رأسًا بالسلسلة الجديدة من “الاصلاحات”.
 
وما وَقفُ الاضراب وبدء التفاوض دون تحقيق أيّ مكسب، مع التهديد باضرابات جهوية، يعلم الجميع أنّها لم تعُد تؤثّر في السلطة (إذ أنّها ستمسّ الإدارات العموميّة، وبالتالي ستزيد من غضب الناس على تعطلّ مصالحهم) وأخرى قطاعية مُبهَمة (يُستبعَد أن تمسّ القطاع الخاصّ حيث اختارت البيروقراطية تصفية النقابات المناضلة) سوى جعجعة عاجزة تعوّدنا عليها في السنوات الأخيرة.
 
المشكلة بتقديري ليست في قرار وقف الاضراب (الذي كان متوقَّعًا في ظلّ العجز عن موقعة المعركة في سياقها الوطني والشعبي العامّ)، بل في عدم وجود قيادة مناضلة وجذرية على رأس أكبر منظمة نقابية. فلو كانت كذلك (بغضّ النظر عن نوايا بعض أفراد المكتب التنفيذي وتاريخهم النضالي) لما تردّدت في تحويل القضيّة من معركة قطاعية جزئية عنوانها الأساسي “الحقوق المادية للأساتذة” إلى مواجهة شاملة ضدّ سياسات التفقير والخصخصة والتفويت في المؤسسات العمومية، عوض إصلاحها، التي تُقرّرها المؤسسات المالية الدولية وتنفّذها حكومات “السمْسرة” والعمالة. ولبادرَت هذه القيادة المناضلة إلى تنظيم مسيرات حاشدة، وحملات تعبئة شعبيّة، وإلى شنّ اضرابات في مختلف القطاعات، وخاصّة منها القطاع الخاصّ، وصولا إلى الاضراب العامّ.
 
بغضّ النظر عن القرار المُرتقَب لنقابة التعليم الثانوي، وعن مآل معركة “جيش الطباشير” مع حكومة الموظّف السابق بالسفارة الأمريكية، لن تخرج البلاد من أزمتها قبل انقاذ اتّحاد حشّاد من “الإزمة” التي تخنقه.

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !

One Comment on “حول أزمة البلاد و”إزمة” الاتّحاد”

  1. مقال شكشوكه يقول الشي و نقيضه ،،، بصراحه تعيس،، لا وقت و لا يستفز الرغية حتى لضبط مواطن الخلل و مجادلته ،، الرجاء من موقع انحياز ان يرقى بالمستوى العلمي للمقالات و ارجو من كوقع انحياز ان ” ينحاز”..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *